الجزائر- انتقادات بسبب القيود الصارمة على المجال السمعي البصري
٢٧ يناير ٢٠١٤صادق المجلس الشعبي الوطني على القانون المنظم للنشاط السمعي البصري ضمن مشاريع الإصلاح التي كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد أعلن عنها في أبريل 2011، وبإقرار هذا القانون في الغرفة الأولى للبرلمان أنهت السلطة الجدل الإعلامي والسياسي الطويل حول فتح مجال السمعي البصري أمام القطاع الخاص، منذ إصدار القانون العضوي المتعلق بالإعلام في يناير 2012.
غير أن هذا القانون لم يرض بمواده 107 الكثير من الإعلاميين ورجال الأعمال، الراغبين في الولوج إلى عالم السمعي البصري، حيث إنه لا يتوافق مع تطلعاتهم الهادفة إلى إرساء دعائم حرية التعبير والمهنية في قطاع احتكرته الدولة على مدى 52 سنة. ويعتبرالكثير من الإعلاميين في لقاءات مع DW، بأن حصر القنوات المسموح بها للخواص على القنوات "الموضوعاتية" دون القنوات العامة وإقصاء المهنيين من مراقبة نشاط القطاع، يعتبر تميزا مخالفا للدستور.
غموض من أجل السيطرة
وقد فشلت القوى السياسية المعارضة داخل البرلمان تمرير تعديلاتها في مواد القانون، والتي تجاوزت 48 تعديلا، تعلقت في مجملها بالعمل على توسيع مجال السمعي البصري حتى يشمل القنوات العامة أيضا، إضافة إلى وضع التزامات جديدة كما هو منصوص عليها في دفتر الشروط من خلال المادة 48، مثل احترام المرجعية الدينية الوطنية وعدم المساس بالمقدسات والديانات الأخرى واحترام التعددية الحزبية والتيارات الفكرية. في هذا الإطار قال النائب مصطفى بوشاشي عن حزب جبهة القوى الاشتراكية(FFS): " إن السلطة نجحت مرة أخرى في تمرير القوانين التي تخدم مصالحها وتطيل من عمرها"، وأضاف في مقابلة مع DW:"لقد جاء نص القانون بمفاهيم ومصطلحات غامضة،يمكن للحكومة توظيفهاوفق ما استجد لديها من مصالح وتوازنات، ولجم كل مخالف لها". ويضيف بوشاشي: " إن السلطة ضبطت ساحة السمعي البصري، قبل انطلاق قنواته، وذلك من خلال شرط لا يشجع رجال الأعمال على الاستثمار فيها ولا يسمح بتجاوز نسبة مساهمة الشخص الواحد مستوى 40 بالمائة من أصوله وفروعه".
وعلى خلاف رأي المعارضة يرى وزير الاتصال عبد القادر مساهل بأن القانون "يستجيب لتطلعات أصحاب المهنة، والجمهور الجزائري"، وأضاف في تصريحات صحفية بأن القانون يأتي ضمن مشاريع الإصلاح السياسي التي أعلن عنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في أبريل/نيسان 2011. وأضاف أن المصالح الإدارية ستعمل سريعا على إصدار النصوص المنظمة، مباشرة بعد الانتهاء من عملية المصادقة على النص.
قانون على مقاس السلطة
من جهته عبر رياض بوخدشة، منسق مبادرة "من أجل كرامة الصحفي الجزائري" عن اعتقاده بأن القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري، "صدر على المقاس الذي أرادته السلطة السياسية "، وأضاف لـ DWبأن هناك مواد تم تمريرها في القانون العضوي المتعلق بالإعلام، والذي تمت المصادقة عليه عام 2012، خصوصا فيما يتعلق بالمادة 63 التي تتحدث عن قنوات موضوعاتية تابعة لمؤسسات القطاع العام غير أن القانون العضوي المتعلق بالإعلام لم يتضمن أي إشارة لقنوات عامة تابعة للقطاع الخاص. إنها الثغرة التي استغلتها الحكومة لتبرير صيغة القانون الحالية. وأضاف الإعلامي بوخدشة بأن قيام الحكومة للتوضيح بأن "الموضوعاتية" لا تعني التخصص، هو مجرد كلام للاستهلاك، ولتهدئة الشركاء الإعلاميين مؤقتا. بمعنى أن الشرح الحقيقي للكلمة يبقى بيد الإدارة، حيث يمكن للسلطة لجم أية قناة تخرج عن الإطار المحدد لها.
كما يؤكد الإعلامي عثمان لحياني بجريدة الخبر وقناتهاالتجريبية، بأن القانون يعكس حالة التشكك الدائم الذي يتمكن من السلوك السياسي للسلطة الجزائرية، ويضيف عثمان لـ DWبأن السلطة مصرة على احتكار مجال السمعي البصري، وذلك من خلال احتكارها لمؤسسة البث وأحقيتها في تعيين سلطة الضبط، والاحتفاظ بصلاحياتها في منح الرخص للقنوات أو رفضها، معتبرا بأن القانون- في صيغته الحالية - لن يقدم إضافة جدية أو إطارا منافسا لإقامة فضاء تلفزيوني وإذاعي حر في خدمة المواطن.
القبضة الحديدية
ويجزم الإعلامي عثمان لحياني الحاصل على جائزة الصحافة العربية، بأن السلطة لازالت تعمل بعقلية "لا أريكم إلا ما أرى"، وأنها غير جادة في موضوع فتح هذا المجال. والدليل على ذلك هو إصرارها على عدم منح الرخص للقنوات قبل موعد الانتخابات الرئاسية. وفي نفس الوقت فإنها عمدت إلى المصادقة الأولية على القانون، كي تستعمله كورقة انتخابية دعائية لمرشح السلطة.
ويعبر الإعلامي بتلفزيون الشروق، يوسف بعلوج عن اعتقاده بأن القانون هو عبارة عن"قبضة حديدية" من نظام ليس له الرغبة الكافية على ما يبدو لفتح هذا المجال قبل الانتخابات الرئاسية، حيث إنه يفرض مواد لا يطبقها حتى التلفزيون الرسمي الذي يلتهم سنويا تمويلات خيالية. ويضيف الإعلامي بعلوج لـDW " إن القانون الذي مررهنواب البرلمان الآن مطعون في نزاهته، فلا يمكن تصور تمرير قانون مدافع عن حرية التعبير من خلال أوامر السلطة للبرلمان"
استنساخ لتجربة الصحافة المكتوبة
وعن آفاق مجال السمعي البصري بعد تطبيق القانون يقول رياض بوخدشة: " سنرى مستقبلا قنوات خاصة لا يختلف حالها عن حال الجرائد الخاصة الحالية، حيث "يقتصر دورها على نقل أخبار محلية، وعلى انتقاد بعض المسؤولين المحليين وطرح قضايا ليست في صلب مواضيع اهتمام الرأي العام الوطني. ويضيف بوخذشة أن الأسوء في هذا القانون يتجلى في إبعاد الصحافيين المنتخبين عن سلطة ضبط السمعي البصري، التي تتشكل من 9 أعضاء، يعين رئيس الجمهورية 5 منهم، كما يتم تعيين 2 من طرف رئيس مجلس الأمة، في حين يعين رئيس المجلس الشعبي الوطني عضوين آخرين. ورفض بوخدشة المبررات التي ساقتها للحكومة بشأن عدم تمثيل المهنيين، حيث أرجعت ذلك إلى عدم قدرتهم على انتخاب من يمثلهم. واعتبر المتحدث أن هذا الموقف يشكل "اتهاما وإهانة للصحفيين كما تنص على ذلك المادة 53 من القانون".
التحدي التقني
غير أن الأستاذ عمار عبد الرحمان يؤكد من جهة أخرى على أن قانون السمعي البصري لا يشكل أي تهديد لحرية التعبير في الجزائر وأن تجربة السنتين الماضيتين للقنوات الجزائرية بمكاتب أجنبية، كافيتان للحكم على أوضاع الحرية التي تتمتع بها تلك القنوات، فلم تكون هناك مضايقات رغم الأخطاء المرتكبة من الناحية التقنية وحدوث تجاوزات في أخلاق المهنة. ويعبر المدرب الدولي في السمعي البصري عن اعتقاده، بأن التحدي الحقيقي لهذه القنوات يتجلى في مدى قدرة وكالة البث الجزائرية على تلبية طلبات القنوات الموجودة بمكاتب أجنبية أو تلك التي ستظهر لاحقا، حيث إن كل التقديرات تشير إلى أن الوكالة باستطاعتها تمكين 13 قناة من البث فقط.