الثورة ضد الأسد.. بين الدوافع السياسية والدينية
٨ أغسطس ٢٠١٢تبدو أطراف الصراع في سوريا واضحة من الناحية العسكرية: فمعارضو الأسد يتصدون لأنصاره والقوى الثورية تناضل ضد الجهاز الأمني والقوى العسكرية للنظام، لكن الناحية الأيديولوجية للصراع تبدو معقدة لاسيما على جبهة المعارضة. إذ أن نقطة الاتفاق الوحيدة هنا هي العداء لنظام الأسد، لكن الآراء تنقسم بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بقضايا أخرى.
و في الأشهر الأخيرة، انضم الكثير من العناصر الخارجية للثورة السورية رغبة منهم في التصدي لنظام الأسد، لكنهم يسعون في الوقت نفسه لتحقيق أهداف أخرى.
على سبيل المثال، استعرضت صحيفة "القدس العربي" مؤخرا آراء شابين ليبيين انضما للثورة السورية. وقال الشابان إن ما يحدث في سوريا هو صراع بين السنة والشيعة. وأوضحا أنهما على قناعة بأن الشيعة يريدون أن تكون لهم الكلمة العليا في المنطقة، وقالا إنهما كسنيّيْن انضما إلى المتمردين في سوريا لعرقلة هذا الأمر.
تنوع الدوافع الدينية
مثل هذه السيناريوهات هي الدافع وراء تحرك بعض الثوار الذين يتحركون في الأساس وفقا لدوافع دينية، في حين تأتي الدوافع السياسية في المرتبة الثانية، كما يقول الباحث في العلوم الإسلامية توماس بيريت.
أما فيما يتعلق بما يعرف بـ"الجهاديين" الذين يرغبون في تصدير معتقداتهم باستخدام وسائل إرهابية فيرى بيريت، أن هذه الظاهرة موجودة بالفعل ولكنها ليست بارزة بالشكل الكبير.
من جهته يؤكد خبير الشئون الإسلامية غيدو شتاينبيرج من معهد الدراسات السياسية والأمنية في برلين، أنه من الصعب الوصول إلى عامل مشترك فيما يخص دوافع العناصر الثورية الإسلامية ويقول: "هناك بالطبع جزء من الدوافع الدينية التي يصعب جدا تعريفها، فهي لدى البعض الدوافع السنية أو السلفية أو حتى الجهادية".
دعم من أثرياء في الخليج
ويضيف بيريت، أستاذ الإسلام المعاصر في جامعة أدنبرة، أن العناصر السنية المعارضة أصيبت بالإحباط بعض الشيء من السعودية التي جاء دعمها للسنة في سوريا أقل مما كان متوقعا، إذ أن الدولة السعودية على الأقل لا تقدم المال الكافي لشراء الأسلحة أو دعم العناصر السنية السورية.
ويوضح بيريت:"كل هذا دفع العناصر السنية الثورية إلى البحث عن مصادر أخرى للمال وبالفعل وجدوا ممولين من منطقة الخليج.. من السعودية نفسها ومن دول أخرى في المنطقة.. نتحدث هنا عن أشخاص أثرياء جدا سبق ودعموا جماعات جهادية في العراق وأفغانستان والشيشان".
ويضع هؤلاء الأثرياء معايير واضحة لتوزيع المال، إذ يفضلون العناصر الإسلامية الأكثر تشددا ويحبذون العناصر السلفية، كما يرى بيريت الخبير المختص في الشأن السوري.
دائرة عنف لا تنتهي
يتفق الخبيران بيريت وشتاينبيرج على أن عدد العناصر المقاتلة الأجنبية في سوريا قليل، لكن هذا لا يعني أن الخوف من التطرف ليس قائما إذ يرى شتاينبيرج أن هناك العديد من العناصر الأصولية بين السوريين.
لكن الخوف الأكبر يتمثل في إمكانية زيادة الذين يدخلون حلبة الصراع لأسباب دينية كلما طالت مدة الصراع، فتصرفات نظام الأسد العلوي تدفع بعض المنتمين لطوائف أخرى للانتقام من مدنيين علويين.
الجيش الحر في مأزق
ازدياد الطابع الديني الذي يأخذه الصراع في سوريا من شأنه وضع الجيش السوري الحر في مأزق وفقا لشتاينبيرج، إذ تدرك قيادة الجيش الحر أهمية أن يحتفظ بمسافة من المتمردين. لكن الأمر ليس بهذه السهولة، إذ لا يمكن للجيش الحر أن يفصل نفسه ببساطة عن المقاتلين الذين يتحركون بدوافع دينية لأن هذا سيضعف قوته، فالجيش الحر في النهاية ما هو إلا مجموعة ميليشيات مجتمعة سويا. لذلك فهو يعتمد، شاء أم أبى، على عناصر ربما لا يكون مقتنعا تماما بوجودهم بين صفوفه.
الشعب لم يعد يحتمل المعاناة
تتصدى الجماعات المختلفة الآن لنظام الأسد وهو الأمر الذي يوحدهم ويحول حتى الآن دون ظهور الخلافات الأيديولوجية والسياسية بينهم، لكن مصالح كل طرف ستظهر بوضوح حال سقوط نظام الأسد. فقد بدأت بعض الأطراف منذ الآن في الحديث عن تشكيل حكومة جديدة بعد سقوط النظام وبدأت جماعات في توجيه اتهامات لجماعات أخرى بالرغبة في السيطرة على السلطة والإبقاء على أسس نظام الأسد مع تغيير الأشخاص فقط.
ولا تبشر هذه المؤشرات بالخير، لأن الخاسر الوحيد حال تدهور الوضع أكثر من ذلك في المستقبل، سيكون الشعب السوري.
كيرستن كنيب/ ابتسام فوزي
مراجعة: عبد الرحمن عثمان