التهديد بمقاطعة الألعاب الأولمبية عقاب للصين أم للرياضيين؟
١٠ أبريل ٢٠٠٨ألقت أعمال العنف المتزايدة في إقليم التبت بظلالها على الألعاب الأولمبية المنتظرة الصيف القادم في بكين بالصين، ومازالت النقاشات مستمرة في أوروبا حول مدى فعالية مقاطعة الألعاب الأولمبية، بين مؤيد يجدها الوسيلة الفعالة لمواجهة ما تقوم به الصين من عمليات قمع للأقلية التبتية، ومعارض يجد مقاطعة الأولمبياد معاقبة للرياضيين في المقام الأول.
"تنظيم الألعاب يساعد على تنمية الدول النامية"
وفي حوار مع موقع دويتشه فيله عن أحقية الصين في استضافة الألعاب الأولمبية، أكد فالتر تروجر العضو في اللجنة الأولمبية الدولية والرئيس السابق للجنة الأولمبية الوطنية الألمانية أن اختيار أعضاء اللجنة الأولمبية للصين عام 2001 لاستضافة الألعاب الأولمبية في عام 2008 كان مبررا، لأن الصين بلد ناجح على كل المستويات. كما أكد أن أعضاء اللجنة الأولمبية يأخذون الأوضاع الإنسانية والملف البيئي بعين الاعتبار عند الاختيار، لكنه يضيف أنهم في النهاية يعتمدون على تقديرهم الشخصي للأوضاع، بالإضافة إلى أنهم لا يملكون القوة السياسية لتحريك الأمور.
من جانب آخر يرى تروجر أن دورة الألعاب الأولمبية تمثل دوراً هاماً في تنمية الدول النامية التي تنظمها، وقد رأت اللجنة الأولمبية أن تتيح للصين الفرصة للانفتاح على العالم الخارجي من رياضيين وجماهير وصحفيين، فيجب أن يتحركوا بحرية ويعبروا عن آرائهم دون قيود.
"الصين لم تلتزم بوعودها"
لكن نائب رئيس اللجنة الدولية لحقوق الإنسان كارل هافن، يرى أن هذه الحرية غير متوفرة على الإطلاق، ويؤكد على أن ما يحدث الآن من قمع الصحفيين ومنعهم من التعبير بحرية عن آرائهم حول ما يحدث في إقليم التبت سيستمر ليتوسع ويشمل مناطق أكثر. كما يضيف أن الصين تمنع أيضاً الكثير من مواقع شبكة الانترنت والكثير من القنوات التلفزيونية الحرة. ولذلك يذهب هافن إلى القول إن الصين لم تلتزم بوعودها للجنة الأولمبية الدولية، ويرى أن اختيار الصين منذ البداية لاستضافة الألعاب الأولمبية كان خطأ.
يضيف هافن أن تصميم اللجنة الأولمبية على إقامة الألعاب في بكين هو تقليل من شأن الأولمبياد وتحويلها إلى احتفالية رياضية دولية فارغة من المعنى. وأضاف في هذا الإطار: "أعتقد أنه على المسؤولين إيجاد مكان آخر لإقامة الألعاب أو أن عليهم تأجيلها. وإذا ما كنا نريد مكافأة الرياضيين على جهودهم الطويلة، فيجب أن يتم ذلك في الإطار المناسب، الذي يسمح لهم بالاستمتاع بتلك المناسبة وهم مرتاحي الضمير". ومن ناحية أخرى يرى هافن أن هناك دوراً على الصحفيين في هذه المقاطعة، مؤكداً أنه لو انقطعت الأخبار عن المشاهدين لمدة خمس دقائق فقط، عندها سيبدأ الناس في التفكير في تغيير الأوضاع.
المقاطعة الرياضية وحدها لن تحل شيئاً
إلا أن فالتر تروجر من جانبه يرى أن مقاطعة الألعاب الأولمبية في بكين بسبب أحداث التبت غير مجديه، مستشهداً بما حدث عام 1980 في أولمبياد موسكو، حيث أثبتت المقاطعة الرياضية عدم جدواها إذا لم تمتد لتشمل مقاطعة على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية. ويوافقه الرأي، ماتياس شاردون من مركز ميونخ للدراسات السياسية التطبيقية مؤكداً أن مقاطعة الأولمبياد تبقى مجرد عمل رمزي، ويقول في هذا الإطار: "لا يجب التقليل من قوة مثل هذه الأعمال الرمزية، لكن مقاطعة الحفل الافتتاحي يبقى مجرد تعبير بسيط نسبياً".
أما ماريان هويجان، من منظمة هيومان رايتس واتش ببرلين، فترى أن ما يحدث في التبت يتطلب أكثر من مجرد "عمل رمزي بسيط"، وتضيف بالقول: "أعتقد أنه من غير المناسب الحديث فقط عن المقاطعة الأولمبية، ويجب على أوروبا أن توضح أن ما يحدث في الصين أمر غير مقبول"، مؤكدة أن من الضروري إعطاء الفرصة للصحفيين للتعبير بحرية عن الأحداث، كما يجب مطالبة الصين بالالتزام بما قدمته من وعود لاستقبال الألعاب الأولمبية.
ويؤكد الخبير في الشئون الصينية كارستن جيزه، أن الصين تدرك موقفها الاقتصادي القوي، قائلاً: "دور الصين الاقتصادي أصبح قوياً جداً، كما أنه من غير الممكن القيام بأي شيء دون الصين بالنظر إلى ملفات عدة مثل كوريا الشمالية أو الملف النووي الإيراني أو التغير المناخي".
الجدير بالذكر أن الصين احتلت مكان الولايات المتحدة الأمريكية كمصدر أول للواردات الأوروبية حسب إحصائيات عام 2006، وهو ما يجعل مناقشة اتخاذ إجراءات أبعد من مجرد مقاطعة الألعاب الأولمبية أمراً غير وارد.
والموقف الاقتصادي الوحيد الذي اتخذ حتى الآن، هو إعلان وزيرة التنمية الألمانية هايدماري فيتسوريك تسويل إيقاف المساعدات المالية عن الصين في حال لم تتوقف أعمال العنف في التبت، لكن هذا الموقف لن يؤثر إذا لم يمتد ليشمل أوروبا كلها .
المقاطعة عقاب للرياضيين بالدرجة الأولى
ومن جانبه يرى مالته أرنشبرنجر، الصحفي بمجلة شترن الألمانية، أن الألعاب الأولمبية ليست حدثاً رياضياً عادياً يتكرر كثيراً، وأن الرياضيين يستعدون له على مدى أعوام وأعوام، وتكون المشاركة في الألعاب الأولمبية فرصة واحدة بالنسبة لبعض هؤلاء الرياضيين. وهو ما يعني أن مقاطعة الألعاب الأولمبية ستكون عقاباً للرياضيين أكثر منه تهديد للصين، خاصة هؤلاء المنحدرين من دول نامية، والذين يجدون في الألعاب الأولمبية فرصة للوصول إلى العالمية.