التغير المناخي يهدد العالم العربي
٢٥ نوفمبر ٢٠١٠مشهد مألوف في شوارع بيروت والقاهرة أو دمشق: رجل يقف أمام بيته وبيده خرطوم مطاطي يسكب منه مياه الشرب لتنظيف عتبة البيت أو الرصيف. طقسٌ يتكرر يوميا لمنع غبار الشارع من الوصول إلى البيت. وهذا في منطقة تعاني من شح شديد في المياه.
بالنسبة لكريم المقدسي، خبير البيئة من الجامعة الأمريكية في بيروت، فإن هذا السلوك جريمة يجب أن يعاقب القانون عليها "ينبغي أن يكون هذا غير قانوني، وينبغي فرض غرامة قيمتها 200 دولار على من يفعل ذلك". ويشكو كريم مقدسي من أن السياسيين يتحدثون عن وضع خطة إستراتيجية لتأمين المياه في المستقبل، في حين يعجزون عن وضع حلول لمواجهة إهدار المياه.
مستقبل بدون تخطيط
ورغم معرفة حكام دول الشرق الأوسط بأن القادم أسوأ، وأن المشاكل الناجمة عن التغير المناخي ستزداد حدة في المنطقة، يصعب أن يلحظ المرء تدابير مضادة أو ترتيبات محددة لمواجهة هذا الخطر.
ويقول علماء البيئة والمناخ إن الدول العربية ستعاني بالدرجة الأولى من الجفاف والتصحر وارتفاع مستوى مياه البحر والفيضانات. ويضيفون بأن الدول العربية ورغم ضآلة كمية غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعثة منها مقارنة بدول أخرى، فإنها ستكون من أكثر دول العالم تضررا بتغير المناخ. والشعار الذي يرفعه الكثير من السياسيين العرب هو: "نحن لسنا السبب في حدوث التغير المناخي، لذا يجب على من تسبب في حدوثه أن يجد الحلول المناسبة".
ثلاث عشرة دولة عربية تأتي بين الدول التسع عشرة الأفقر بالمياه في العالم. ويتوقع الخبراء أن تعاني الدول العربية من "ندرة المياه الحادة" ونقص الغذاء بحلول عام 2015. وحذرت دراسة نشرها مؤخرا "المنتدى العربي للبيئة والتنمية" من أن حصة الفرد السنوية من المياه في الدول العربية، ستنخفض في ذلك العام إلى خمسمائة متر مكعب فقط، أي عشر مرات أقل من المعدل العالمي والذي يبلغ 6000 متر مكعب. كما ستبقى فوق خط ندرة المياه دولتان عربيتان فقط هما العراق والسودان في عام 2015. وقالت الدراسة التي عنوانها " العرب سيواجهون ندرة حادة في المياه بحلول 2015"، إن تغير المناخ سيزيد الوضع تعقيدا مع احتمال مواجهة الدول العربية نهاية هذا القرن انخفاضاً في الأمطار يصل إلى 25 في المائة وارتفاعاً في معدلات التبخر قدره 25 في المائة.
وهذا الوضع سيتفاقم إذا صحت التنبؤات بارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين حتى عام 2040، ويقول محمد العشري، خبير البيئة والمدير السابق لصندوق البيئة العالمي: "السؤال هو ما مدى تأثير ذلك على المواطنين".
القضاء على التجاوزات
ورغم هذا تقف الحكومات العربية مكتوفة الأيدي ولا تفعل شيئا يُذكر، لانشغالها في الدرجة الأولى بالبقاء في السلطة. وعن ذلك يقول الخبير العشري "الحل هو تكوين مؤسسات، ليس لإدارة الوضع فقط، وإنما لوضع خطط بعيدة المدى وتنفيذها. ولكن مثل هذه الخطط لا وجود لها، أو أنها لا تعمل".
ولذلك فليس هناك رؤية مستقبلية، قبل أن تحتد الأزمة. لكن، على الحكومات العربية أن تحمي مواطنيها قبل أن تقع الواقعة. وقد تكون الخطوة الأولى، القضاء على التجاوزات وحالة عدم الاكتراث واللامبالاة.
تذهب 85 بالمائة من المياه العذبة في العالم العربي للرّي، بطريقة غير فعالة للغاية، مقابل متوسط عالمي لا يتجاوز 70 بالمائة. وتضيع نصف كمية مياه الشرب تحت شوارع المدن العربية الكبيرة كبيروت والقاهرة ودمشق، بسبب تآكل أنابيب نقل المياه. ولا يتم تنقية حتى ربع كمية المياه المستهلكة لإعادة استعمالها. وتشهد اليمن وسوريا هجرة واسعة من الريف إلى المدن، لأن الفلاحين لا يجدون الماء الكافي لري أراضيهم. وحسب دراسة "المنتدى العربي للبيئة والتنمية" فإن تسمية بلاد الشام والعراق بالهلال الخصيب، ستفقد معناها مع نهاية القرن. ورغم ذلك، لا تملك معظم الدول العربية، باستثناء الأردن وتونس وعمان، بيانات وإحصاءات كما لا تجري أبحاثا عن حجم المشكلة المقبلة، كما قال أمين عام المنتدى نجيب صعب.
هدر عبثي للمياه
وفي أماكن أخرى، تهدر المياه بشكل عبثي: فمعظم الدول الخليجية تستغل المياه الجوفية لجعل الصحراء خضراء. وفي المملكة العربية السعودية تروى ملاعب الغولف بهذه المياه الثمينة. أما دولة الكويت الصحراوية، فيعتبر معدل استهلاك الفرد للمياه فيها من أعلى المعدلات في العالم. ومياه الخليج المحلاة تهدر بلا ثمن تقريبا، رغم أن محطات تحلية المياه تسخّن البحر وترفع نسبة الملوحة في مياهه. في حين تعيد الكويت المياه المستعملة، بعد تنقيتها المُكلفة، إلى الخليج، لأن الكويتيين يقرفون من استعمال هذه المياه.
قائمة سبل هدر المياه بشكل عبثي في الدول العربية طويلة جدا ولا مجال لذكرها هنا، مع أن الواجب يفرض اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، كما يحذر نجيب صعب "حين يدور الحديث في الدول العربية عن التغير المناخي، يعتقد الناس، أن عواقب هذا التغير ستحدث في دول أخرى أو على سطح القمر. ولا يرون أنفسهم متضررين بشكل مباشر من التغيرات المناخية"
بيرغيت كاسر/ عبد الرحمن عثمان
مراجعة: عبدالحي العلمي