"التعليم وتكافؤ الفرص هما مفتاح الاندماج"
٢٥ فبراير ٢٠٠٦لا غرو في أن الأحداث الإرهابية التي يعيشها العالم منذ خمس سنوات، ألقت وما تزال تلقي بظلالها على وضع المقيمين من أصول مهاجرة في الدول الغربية. وتعد ألمانيا واحدة من هذه الدول التي باشرت بتغيير قوانين الهجرة إليها وتسن أخرى جديدة. ولقد نجم عن تطبيق هذه القوانين عدة انتقادات كما هو الشأن بالنسبة لامتحان الحصول على الجنسية الألمانية في ولاية بادن ـ فورتمبيرغ. هذا الإمتحان خلف استياء عميقا لدى عدد من المهتمين بقضايا الهجرة. وعن استراتيجية الحكومة الجديدة في مجال الاندماج ومستجدات قضايا الهجرة، وكذلك الأزمة التي فجرتها الرسوم الكاريكاتورية وما خلفته من تبعات وانعكاسات على العلاقة بين الدول الإسلامية والغربية، أجرى موقعنا حوارا مع مارية بومه وزيرة الدولة في ديوان المستشارية الألمانية ومندوبة الحكومة الفدرالية المسؤولة عن قضايا الهجرة واللجوء والاندماج.
استراتيجبية الحكومة الجديدة
دخل قانون الهجرة الجديد في ألمانيا حيز التطبيق في يناير/ كانون الثاني 2005. ومنذ ذلك الحين والجدل السياسي حول الهجرة والمهاجرين في ألمانيا يأخذ أبعادا مختلفة تصل أحيانا إلى التجاذب بين الأقطاب السياسية. ولقد أشاد عدد من المراقبين على قرار حكومة المستشارة أنجيلا ميركل بنقل قطاع الهجرة واللجوء والاندماج إلى مرتبة وزارة دولة تابع مباشرة للمستشارة. وفي هذا الشأن صرحت السيدة الوزيرة قائلة: "يشكل هذا القرار قيمة مضافة واهتماما خاصا بهذا القطاع، إذ تعتبر سياسة الاندماج إحدى الأولويات والواجبات السوسيوسياسية التي تلامس عددا من الاختصاصات والمحاور للحكومة الألمانية ." والظاهر أن الحكومة الألمانية الجديدة تولي اهتماما خاصا بعدد من القضايا كالتعليم وتكافؤ الفرص التي تعتبرهما مفتاح الاندماج، إضافة إلى التكوين والإدماج في مجال العمل. وتشكل إلى جانب هذه القضايا مواضيع أخرى لا تقل عنها أهمية ويتعلق الأمر في نظر السيدة بومه " بالنساء وحقوق الإنسان، وجرائم الشرف ومحاربة الدعارة الإجبارية وما يعرف بالزواج الإجباري". ولمواجهة الظاهرة الأخيرة تقول السيدة الوزيرة:" إننا نعمل على منع الزواج الإجباري. إن اعتماد قانون ينظم التحاق الأزواج في إطار التجمع العائلي، سيكون في نظري في صالح النساء. ومن الطبيعي أن يسري هذا القانون على الرجال أيضا. لذلك أقترح أن يكون سن 18 هو السن المسموح به لالتحاق الراغبين بأزواجهم في ألمانيا".
الإرهاب سيف مسلط على رقاب المهاجرين
شكلت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول وما تلاها من أحداث إرهابية منعطفا حاسما في تاريخ العلاقات الدولية. إذ إن ارتباط هذه الأحداث بالعرب والمسلمين أدى إلى تشديد قوانين الهجرة واللجوء. وفي هذا السياق لجأت وزارة الداخلية لولاية بادن ـ فورتمبيرغ إلى اعتماد امتحان خاص بالمهاجرين الذين يرغبون في الحصول على الجنسية الألمانية. ولقد تناقلت وسائل الإعلام الألمانية خبرا مفاده أن هذا الامتحان موجه فقط للعرب والمسلمين، ما أثار حملة انتقاد واسعة دفعت عمدة مدينة هايدلبغ إلى عدم تنفيذ هذا القرار، معتبرة إياه بأنه يشكل خرقا للدستور الألماني. غير أن ضيفتنا في هذا الحوار ترفض جملة وتفصيلا هذا الخبر وتؤكد القوانين الجديدة يسري مفعولها على جميع الراغبين في الحصول على الجنسية الألمانية، بل أنها تؤكد أن هذه القوانين سيتم تطويره وتوحيد أسئلته حتى يسري على الكل وعلى جميع الولايات. وعن الغرض منه تصرح قائلة: " يتعلق الأمر بالنسبة لي، وقبل كل شيء بمدى معرفة الناس بدستورنا وتاريخنا وثقافتنا وقيمنا. هذه هي المسوغات الأساسية للاندماج، لهذا من الضروري الوقوف عند التطور الإيجابي في هذا النقاش والدفع به إلى الأمام".
اللغة كطريق للاندماج
يولي قانون الهجرة في ألمانيا أهمية قصوى للغة كشرط من شروط الحصول على الجنسية الألمانية، ولقد أطلقت الحكومة الألمانية برنامجا طموحا تحت شعار" اللغة كطريق للاندماج" الهدف منه أن يتعلم المهاجرون من جهة اللغة الألمانية خلال630 ساعة، ومن جهة ثانية أن يتعرفوا على تاريخ ألمانيا وثقافتها وقيمها. وتشيد السيدة الوزيرة كثيرا بهذا البرنامج على اعتبار أن المقبلين عليه في تزايد مستمر، وأيضا لكون أن عدد النساء من المنخرطين فيه يتجاوز النصف. ومن الملاحظ أن جانب اللغة يشكل فعلا هاجسا أساسيا سواء للحكومة الفدرالية أو للمنظمات التي تهتم بقضايا الهجرة، خصوصا لدى الأطفال من أصول مهاجرة، إذ أقدمت إحدى المدارس في مدينة برلين على الدخول في تجربة جديدة مفادها ألا يتكلم التلاميذ سوى اللغة الألمانية سواء داخل الفصل الدراسي أو في الأنشطة المدرسية الأخرى بما فيها ساحة الاستراحة، ما أثار موجة غضب عارمة لدى عدد من المهتمين بالجوانب التربوية. إذ اعتبر عدد منهم أن هذا المنع لن يساعد الأطفال كثيرا في تحسين قدراتهم في اللغة الألمانية، معتمدين في ذلك على عدد من الأبحاث من بينها دراسة "بيزا" التي توصي بالاهتمام أكثر باللغة الأم، لأن إتقانها هو السبيل الوحيد كي يتقن الأطفال باقي اللغات. غير أن السيدة الوزيرة ترفض بشدة الحديث عن المنع، بل تعتبر أن قرار المدرسة ناجم عن اتفاق بين المدرسين والتلاميذ وأولياء أمورهم. وفي هذا السياق تصرح قائلة:"ما الخطأ في ذلك؟ إن الأمر لا يتعلق بإجراء من الخارج بل باتفاق داخل المؤسسة. وهذا مهم جدا في نظري. أما فيما يخص الأبحاث العلمية، فهناك أيضا العديد من الأبحاث المقنعة التي تثبت العكس".
حوار أم صراع للحضارات؟
يشكل الاعتراف بالحقوق الثقافية والدينية للمهاجرين والأقليات الإثنية إحدى نقاط السجال السياسي. ويتعامل السياسيون في ألمانيا بحذر كبير مع هذا الملف. ومؤخرا صرح رئيس وزراء ساكسونيا السفلى بضرورة إدماج الدين الإسلامي في المقررات التعليمية في المدارس الألمانية، في حين تذهب السيد بومه أبعد من ذلك إذ تقول: "إنني أدعوا إلى تخصيص مادة مستقلة باللغة الألمانية خاصة بالدين الإسلامي" وتضيف قائلة في هذا الصدد: "يجب تقييم هذه التجربة التي دخلتها بعض الولايات وتعميمها على صعيد ألمانيا". يبدو أن ألمانيا واعية كل الوعي بالخلفية الخطيرة التي خلفتها أزمة الرسوم الكاريكاتورية للصحيفة الدنمركية والتي تركت شرخا عميقا بين العالم الإسلامي والعالم الغربي رأى فيه البعض شكلا من أشكال صراع الحضارات الذي تنبأ به الباحث الأمريكي صمويل هونتينغتون. وفي هذا الصدد صرحت السيدة الوزيرة قائلة:”إننا في حاجة إلى حوار للثقافات، حوار بيننا، وليس على بعضنا البعض، وأمامنا أيضا في ألمانيا الشيء الكثير في هذا الصدد. إن درس الدنمرك علمنا أننا دائما في حاجة ماسة للحوار وبأقصى سرعة ممكنة".