البرنامج النووي الإيراني وتداعياته على مستقبل الشرق الأوسط
يبدو أن التقرير الذي نشرته أمس صحيفة "صندي تايمز" البريطانية والذي أشارت فيه الى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية شارون أعطى الجيش الإسرائيلي الضوء الأخضر للاستعداد والتحضير الدقيق لشن هجوم محتمل على مواقع تخصيب اليوارنيوم في ايران، يبدو أنه لم يكن مفاجئا للأوساط الأمنية والعسكرية في الدولة العبرية. فقد قال عاموس جلعاد، كبير واضعي الخطط الاستراتيجية والأمنية بوزارة الدفاع الإسرائيلية، أن بلاده "لا تستبعد عملا عسكريا ضد البرنامج النووي لإيران ولكنها تفضل حاليا ان تترك الفرصة كاملة أمام الضغوط الدبلوماسية الأجنبية على طهران". وبينما نفى المسؤول الإسرائيلي صحة ما نشرته الصحيفة البريطانية، ذكر أن إسرائيل قد تفكر في نهاية الأمر في عمل عسكري ضد ايران مشابه لقصف مفاعل اوزيراك النووي العراقي في عام 1981. وكانت الصحيفة قد كشفت أيضا إنها استقت معلوماتها من مصادر عسكرية إسرائيلية موثوقة ادعت ان ايران اقامت مفاعلات لتخصيب اليورانيوم في مناطق مدنية. وقالت المصادر انه اذا ما تم بالفعل المصادقة على الخطة، فان اسرائيل ستقوم في عملية التنفيذ بدمج قوات خاصة وسلاح الجو بهدف ضرب عدة مفاعلات نووية ايرانية في آن واحد بهدف عرقلة الخطة النووية الإيرانية لعدة سنوات. وتدعي اسرائيل ان ايران ستصل في نهاية اذار القادم الى نقطة اللاعودة من حيث قوتها النووية، وستمتلك في حينه قوة تكنولوجية تمكنها من تخصيب اليورانيوم خلال عامين او أربعة اعوام.
تصاعد نغمة الكلام المعادي
تقرير الصحيفة البريطانية يأتي في خضم حرب كلامية بين مسؤولين ايرانيين واسرائيليين كبار. بعض المحللين السياسيين الإسرائيليين أشار الى تصاعد نغمة الكلام المعادي لايران قبل الانتخابات العامة في اسرائيل والتي ستجرى في 28 مارس/ اذار القادم، يقابلها على الطرف الآخر صدور تصريحات نارية من قمة الهرم السياسي في ايران، وذلك في اشارة الى دعوة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في اكتوبر/ تشرين الاول الماضي لمحو الدول اليهودية من على الخريطة أتبعها باقتراح بنقل دولة اسرائيل الى ألمانيا والنمسا. وفي وقت سابق من هذا الشهر دعا بنيامين نتنياهو ابرز المرشحين لقيادة حزب ليكود اليميني الى عملية "جرئية" ضد ايران على غرار الهجوم على مفاعل اوزيراك. وابتعد شارون بوضوح عن اقتراح شن هجوم بشكل مباشر، وحين سئل عن امكانية هذا البديل سواء بالنسبة لاسرائيل او قوى اجنبية قال "القدرة موجودة". غير ان محللين مستقلين يشيرون الى ان المنشات النووية الايرانية على عكس اوزيراك عديدة ومتناثرة ومحاطة بقدرات دفاعية جيدة وهو تحد رئيسي اذا ما قررت اسرائيل ان تشن هجوما من جانب واحد. وقال خبير الشؤون الدفاعية الاسرائيلي ريئوفين بيداتسور لراديو الجيش "اعتقد ان هناك ادراكا لعجز قوتنا الجوية امام ايران. يمكن ان ينتهي الحال بتملك ايران اسلحة نووية وينبغي على اسرائيل ان تتعامل مع هذا الواقع الجديد."
تداعيات كارثية على الشرق الأوسط
لا يختلف اثنان على أن ايران سترد على أية ضربة عسكرية إسرائيلية لبرامجها النووية، فقد أكد ذلك المسئولون الإيرانيون في أكثر من مناسبة. الاختلاف يكمن في طبيعة وحجم الرد وعن القوى والدول التي ستتدخل عندئذ، الامر الذي قد يحول أي ضربة عسكرية الى حرب اقليمية شرسة. تداعيات أية ضربة استباقية اسرائيلية على منطقة الشرق الاوسط لا يمكن لاي محلل سياسي وعسكري الآن أن يتنبأ بها، ولنا في العراق خير مثال. من ناحية أخرى تعتبر ايران رابع اكبر منتح للنفط في العالم وتمكنت في العقدين الأخيرين من بناء ترسانة عسكرية ضخمة تضم فيما تضم صواريخ بعيدة المدى قادرة ربما على حمل رؤوس كيماوية والوصول الى الدولة العبرية، وهذا سيناريو مرعب بالنسبة لاسرائيل. هذه الاخطار الاستراتيجية دعت اسرائيل دائما الى تطبيق استراتيجية الضربات الاستباقية كما حصل أيام حرب الايام الستة عندما دمر الطيران الاسرائيلي سلاح الجو المصري قبل البدء بالحرب البرية ومن ثم قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981. وفي هذا السياق حذر رئيس الوكالة الدولة للطاقة الذرية محمد البراذعي الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2005، حذر في حديث لصحيفة نرويجية "من أن العمل العسكري لن يثني أي بلد من السعي لامتلاك أسلحة نووية."
مستقبل مجهول للمفاوضات النووية
من المتوقع أن تبدأ في وقت لاحق من هذا الشهر جولة جديدة من المفاوضات بين الاتحاد الاوروبي وايران حول عملية تخصيب اليورانيوم. وقد أبدى الدبلوماسيون الاوروبيون تشاؤما من احراز تقدم خلال المحادثات وذلك على ضوء رفض ايران اي اقتراح يمنعها من تخصيب اليورانيوم على اراضيها. واعلنت ايران في الاونة الاخيرة عن خطط لبناء عدة مفاعلات تعمل بالطاقة النووية وسيتم طرح بناء اثنين منها في مناقصة دولية خلال الاشهر المقبلة. وعند سؤاله عما اذا كان سيتم السماح لشركات امريكية بالمشاركة في المناقصة قال حميد رضا اصفي المتحدث باسم الخارجية الايرانية: "اذا توافرت لديهم المعايير الضرورية والمؤهلات فبامكانهم المشاركة." ودعت ايران مرارا المنتقدين لبرنامجها النووي ومنهم الولايات المتحدة الى مساعدتها في بناء منشاتها النووية حتى يتسنى لهم التحقق عن كثب من تأكيدات ايران بانها لا تقوم بتحويل مواد ذرية الى الدرجة التي تستخدم في صنع القنابل.