الانتخابات العراقية - هندسة توافقات هشة أم انفرادية الحكم؟
٢٩ أبريل ٢٠١٤بترقب يحدوه الأمل ولا يخلو من خشية توجه العراقيون الأربعاء (30 نيسان/ أبريل 2014) إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية، التي تأتي هذا العام وسط جمود سياسي وانقسام حاد طال جميع الكتل المذهبية والقومية من شيعية وسنية وكردية، فالكتل المبنية على أساس طائفي تفتت في هذه الانتخابات إلى كيانات أصغر، تتنافس فيما بينها على أصوات الطائفة. وإذا اختلفت برامج الكيانات في هذه الانتخابات، التي تعتبر الأولى بعد الانسحاب الأمريكي من العراق نهاية 2011، إلا أن الكتل تكاد تتفق جميعها على شيء واحد: هو عدم تولي المالكي رئاسة الحكومة لولاية ثالثة. وربما الجديد في الأمر أن أشد هذه الأصوات وطأة في رفض حكومة يترأسها المالكي، يتأتى من حلفائه في التحالف الوطني (الشيعي). عن ذلك يقول سعد سلوم، أستاذ الفكر السياسي في الجامعة المستنصرية ببغداد إن "طموح المالكي ومساعيه إلى تشكيل حكومة أغلبية وانفراده مع كتلته في عملية صنع القرار السياسي وتجاهله لشركائه، سواء في البيت الشيعي أو خارجه، دفع بالكثير من الكتل السياسية -رغم اختلاف برامجها الانتخابية- إلى الدعوة لعدم إبقاء المالكي في الحكم لولاية ثالثة من أجل كسر هيمنة الحزب الواحد أو الكتلة الواحدة على السلطة.
لكن هادي جلو مرعي، مدير مركز القرار السياسي في مرصد الحريات الصحفية، يتحدث عن "اتفاق غير معلن على إبعاد المالكي من رئاسة الوزراء في ولاية ثالثة، حتى لو نال أعلى نسبة من الأصوات وذلك عن طريق التحالفات". ويضيف مرعي أن "هذه الكتل على اختلاف انتماءاتها الدينية والمذهبية والقومية - وحتى وإن كانت تمتلك برامج عمل - لكنها تركز على الخلاف مع المالكي فقط، من دون أن تقدم رؤية لمستقبل البلاد وتتجاهل نقاط الخلاف والانقسام الأخرى".
حكومة أغلبية أم شراكة؟
على الرغم من أنه يمكن القول إن هذه الانتخابات تدور أساساً حول المالكي نفسه واحتمال توليه رئاسة الحكومة لولاية ثالثة، وتقدم تكتل المالكي "ائتلاف دولة القانون" في استطلاعات الرأي، إلا أنه من غير المتوقع أن يفوز أي كيان سياسي بالأغلبية المطلقة، ما يفتح الباب أمام تحالفات ما بعد نتائج الانتخابات، والتي ستحدد شكل الحكومة المقبلة.
وشكل الحكومة المقبلة نفسه من نقاط خلاف المالكي مع خصومه، إذ يطمح إلى تشكيل حكومة أغلبية سياسية، يمكن من خلالها تجاوز عثرات حكومة الشراكة السابقة، التي يحملها العراقيون وسوء الخدمات وتراجع الأمن وعدم أقرار الكثير من القوانين كقانوني النفط والغاز والأحزاب، وحتى ميزانية الدولة لعام 2014. في هذا السياق يقول سلوم إن سبب ركون المالكي إلى طرح فكرة حكومة الأغلبية "هو محاولته لتحريك الكثير من الملفات بسهولة بمعنى اتخاذ قرار من قبل حكومة الأغلبية دون الرجوع إلى أكثر من كتله سياسية أو مشاورة الشركاء". لكنه يعيب على شكل الحكومة هذا بأن "قراراتها ستكون ذات لون واحد، ما يجعلها لا تقل عن حكومة الديكتاتورية الفردية، وهذا ما لا ينسجم مع طبيعة النظام التوافقي الذي أُريد به بعد تغيير عام 2003".
لكن مرعي يرى أن المالكي "يصر على حكومة أغلبية سياسية لأنه يعتقد أن الشراكة كانت السبب في تعطيل كل مشاريع الدولة ومستقبلها لأسباب مرتبطة بالمحاصصة الطائفية والقومية ووجود شركاء سياسيين معطلين للعملية السياسية بسبب الشراكة الوطنية نفسها. لذلك يعتقد المالكي بأن تشكيل حكومة الأغلبية سيمضي بمشاريعه دون أن يعطل البرلمان عمله كما كان في السابق".
عثرات حكومة الشراكة
وعن فشل حكومة الشراكة في انتشال العراق من واقعه بعد فترة نظام البعث يشير أستاذ الفكر السياسي في الجامعة المستنصرية إلى أنه بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق ظهرت "هندسة من التوافقات" داخل البيئة السياسية الداخلية حتى أن الكثير من التيارات التي كانت تحمل السلاح ضد الحكومة، بدأت تنخرط في العملية السياسية. ويضيف بالقول: "لكن تلك اللحظة المفصلية لم تستمر لفترة طويلة بسبب بوادر الانفراد بالسلطة وإدارة الملف الأمني من قبل رئيس الوزراء ومن ثم ضربه للشركاء، والعمل بنهج القائد الأوحد وليس بدولة المؤسسات والقادة، التي كان الكل يطمح إلى تأسيسها. وكل هذه العوامل انعكست سلباً على تردي الملف الأمني والخدمي في العراق".
لكن هادي جلو مرعي يرى أن "حكومة شراكة لم تكن سوى حكومة مكونات ومحاصصة طائفية وعرقية، وبالتالي كل طرف لا يبحث عن مصلحة الوطن، وإنما عن مصالحه الخاصة، فالسنة يعتقدون بأنهم مهمشون ويطالبون بإعادة التوازن في الحكم والإدارة، وكذلك الشيعة يعتقدون بأنهم لم يحصلوا على ما يوازي نسبتهم من تعداد السكان. أما الأكراد فيعتقدون بأنهم يجب أن يحققوا أكبر قدر ممكن من المكاسب ويخشون من قوة مركز الدولة، الذي سينعكس على ضعف إقليمهم".
الطائفة لإثبات الوجود؟
في ظل انقسام طائفي متزايد، تعمق هوته الحرب الدامية في سوريا المجاورة، تنعدم فرص فوز كيانات سياسية عابرة للطوائف بمقاعد نيابية في كل أنحاء البلاد. في هذا السياق يرى سلوم أنه ليس هناك انقساماً طائفياً اجتماعياً في العراق، "وإنما ما موجود هو انقسام سياسي مترجم إلى انقسام ثقافي طائفي بسبب انتهاج بعض الكتل السياسية والأحزاب هذا الأسلوب لتبريد صراعها على السلطة على أنه صراع طائفي من أجل جذب القواعد الشعبية بإضفاء شرعيتها بالخوف من الآخر".
من جانبه، يذهب مرعي إلى أن "الانقسام الطائفي أصبح جزءا من الثقافة العراقية، وبالتالي ستكون مشاركة الناخب العراقي في هذه الانتخابات كواجب شرعي، وتصويته سيكون على أساس انتمائه الديني والطائفي من أجل إثبات وجوده في المرحلة القادمة".
وتقام هذه الانتخابات في 18 محافظة عراقية ويشارك فيها 9040 مرشحاً من كلا الجنسين، لتمثيل جميع المحافظات العراقية ومن مختلف المكونات العرقية والدينية لاختيار 328 نائباً.
وفي خضم جملة من التوقعات يبقى الصندوق الانتخابي وحده كفيلاً بتحديد طبيعة التحالفات القادمة وشكل الحكومة التي من المقرر لها أن تحكم العراق للسنوات الأربع القادمة.