الانتخابات التونسية ـ خروج من عنق الزجاجة أم تعميق للأزمة؟
١٥ ديسمبر ٢٠٢٢
الأجواء السائدة في تونس قبيل الانتخابات التشريعية التي ستجرى السبت (17/12/2022) في تونس لا تبعث على الأمل. ففي أحد شوارع تونس العاصمة، قال لطفي بلهادي، وهو موظف عمومي، إنه قرر عدم المشاركة في الانتخابات، مضيفا في مقابلة مع DW "لن أصوت بسبب غياب المصداقية و الشفافية. الانتخابات ستكون صورية والبرلمان سيكون كيانا بلا صلاحيات".
ويبدو أن بلهادي ليس الوحيد الذي قرر المقاطعة إذ انضمت إليه سمية الصالحي التي تعمل في تدريس اللغة الإنجليزية.
وفي مقابلة مع DW، قالت "مشاركتي ستكون بمثابة تطبيع لوضع غير قانوني وغير ديمقراطي، وأيضا ما الهدف من انتخاب نواب لا يمكنهم اتخاذ قرارات أو حتى محاسبة الرئيس والوزراء؟"
تعكس مثل هذه التصريحات مشاعر خيبة بين بعض التونسيين حيال نتاج عملية الإصلاح السياسي التي دشنها الرئيس قيس سعيد في يوليو/ تموز العام الماضي.
وتعصف بتونس أزمة سياسية طاحنة منذ قيام سعيد بتجميد البرلمان وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي ومنح نفسه صلاحيات وفق قانون الطوارئ في يوليو / تموز العام الماضي، ليقدم على حل المجلس الأعلى للقضاء الذي يمثل السلطة القضائية المستقلة في البلاد في فبراير/ شباط الماضي.
وقبل شهور، حقق قيس سعيّد نجاحا في الاستفتاء بموافقة غالبية كبيرة من الناخبين على مشروع دستور جديد يمنحه صلاحيات واسعة قد تعرض الديموقراطية التونسية للخطر.
انتخابات وفق قواعد جديدة
وعلى وقع ذلك وتحديدا في سبتمبر/ أيلول، قام قيس سعيد بتغيير قانون الانتخابات ما يعني أن الانتخابات السابع من ديسمبر ستكون أول استحقاق انتخابي يُجرى في ظل القواعد الانتخابية الجديدة.
بموجب التعديلات الجديدة، يتوجب على المرشح أن يتقدم للانتخابات فرديا وليس عبر قائمة انتخابية فيما جُرى إلغاء مبدأ التناصف بين الجنسين فيما يتعين على كل مرشح الحصول على 400 تزكية موقعة من 200 ناخب و200 ناخبة.
وحظر القانون التمويل العام لحملات المرشحين فضلا عن تقسيم البرلمان إلى 161 دائرة انتخابية بدلا من 217 دائرة انتخابية.
وفقًا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، فقد انضم إلى السباق الانتخابي خمسة أحزاب و 1500 شخصية مستقلة معظمهم شخصيات غير معروفة فيما قرر 12 حزبا من بينهم حزب النهضة مقاطعة الانتخابات المقبلة.
وفي ذلك، قال عز الدين الحزقي، العضو المؤسس لـ "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة، "لا يمكننا أن نضع أيدينا في أيدي شخص دمر مؤسسات الدولة". وأضاف في مقابلة مع DW، "المقاطعة في ظل نظام ديمقراطي ستكون خطأ، لكننا نواجه انقلابا".
لكن في المقابل، يرى أنصار الرئيس قيس سعيد على أن الانتخابات ستكون اللبنة الأخيرة في "خارطة الطريق" التي أطلقها في منتصف العام الماضي.
وفي هذا السياق، قال سامي حمدي، المدير التنفيذي لشركة "إنترناشونال إنترست" المتخصصة في المخاطر العالمية والاستخبارات الدولية، "بالنسبة لقيس سعيد، فإن قضية اعتراف الشعب التونسي بالانتخابات أمر لا يهم. ولا أحد يصدق أن تونس تشهد عملية ديمقراطية".
وقال حمدي في مقابلة مع DW إن الانتخابات المقبلة تعد محاولة من قبل قيس سعيد لطي صفحة البرلمان الذي قام بتجميد عمله عن طريق إنهاء شرعيته عبر إجراء انتخابات جديدة تحظى باعتراف دولي، مضيفا "كل المؤشرات تدل على أن المجتمع الدولي سيعترف بذلك".
ومن شأن هذا الاعتراف أن يمهد الطريق أمام حصول تونس على دعم مالي لإخراجها من أزمتها الاقتصادية الحادة.
تدهور الاقتصاد
يشار إلى أن الاقتصاد التونسي يعاني من وضع صعب حتى قبل وصول سعيد إلى سدة الحكم، بينما تفاقمت الأزمة الاقتصادية جراء وباء كورونا لترتفع أسعار الوقود والسلع الغذائية على وقع الحرب في أوكرانيا فيما اقترب معدل التضخم من نسبة 10 بالمائة في معدل قياسي.
ومع ذلك، لم تحصل تونس حتى الآن على حزمة الإنقاذ المالية من صندوق النقد الدولي والحكومة التونسية وعدم موافقة الاتحاد العام التونسي للشغل ذو النفوذ الذي يضم مليون عضو والقادر على شل الاقتصاد من خلال الإضرابات، على أي خطوة لخفض رواتب موظفي القطاع العام.
بيد أن في 15 أكتوبر / تشرين الأول، توصل صندوق النقد الدولي إلى اتفاق مبدئي مع الحكومة بشأن حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار لمدة 48 شهرا لمساعدة البلاد على استعادة استقرار اقتصادها.
ومع ذلك، ما زال يتعين الموافقة على الاتفاق المبدئي من قبل المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في وقت لاحق من ديسمبر / كانون الأول الجاري.
يهدف البرنامج الوطني التونسي الجديد المدعوم من صندوق النقد الدولي إلى استعادة استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي والعدالة الضريبية وتكثيف الإصلاحات التي تدعم بيئة مواتية للنمو الشامل وخلق فرص عمل مستدامة.
يشار إلى أن الحكومة التونسية كانت تخطط في بادي الأمر للاقتراض نحو 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.
بدوره، قال حمدي إن "صندوق النقد الدولي يبدي اهتماما أقل بالانتخابات، لكنه يولي اهتماما أكبر بالعلاقة بين قيس سعيد والاتحاد العام للشغل. خاصة ان تونس لم تلتزم بالاتفاقيات الأخيرة التي وقعتها مع الصندوق. هذا يعد المشكلة الأساسية لصندوق النقد الدولي".
الجدير بالذكر أن الاتحاد العام للشغل أكد على عدم التزامه "بالاتفاقيات السرية التي أبرمتها الحكومة مع [صندوق النقد الدولي]، مشددا على انه "سوف يقف في وجهها".
تزامن هذا مع انتقاد الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي الانتخابات المقبلة التي وصفها بأنها "انتخابات بلا لون ولا طعم، جاءت وليدة دستور لم يكن تشاركيا ولا محلّ اجماع وموافقة الأغلبية وصيغ على قانون مُسقط احتوى ثغرات وخلل".
قلق وخوف
ومع ذلك، يرى مراقبون أن تردي الوضع الاقتصادي وتوقعات الحصول على مساعدات مالية من صندوق النقد قد تكون الدوافع وراء الانتخابات المقبلة.
وفي ذلك، قال أنتوني دوركين، زميل بارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن "أحد الأشياء التي ينتظرها الناس من الانتخابات تدور حول هل ستسفر عن فرصة لإنجاز تخطيط اقتصادي وعملية سياسية منسقة".
وفي مقابلة مع DW، أضاف "لكن لسوء الحظ لا يوجد أي مؤشر يدل على أن قيس سعيد سوف ينتهز الفرصة للقيام بذلك."
يأتي ذلك وسط ترقب حيال الخطوة التالية التي سيُقدم عليها قيس سعيد بعد الانتخابات التي تمثل الخطوة النهائية للخارطة السياسية التي وضعها قبل عام ونصف.
وفي ذلك، قال دوركين "هناك مخاوف من أن قيس سعيد سوف يقوم بعد ذلك بالضغط على العناصر الأخرى" في إشارة إلى منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والأحزاب السياسية.
وأضاف "ما رأيناه حتى الآن هو أن (قيس سعيد) يعمل على إنشاء نظام لتضييق الخناق على الجهات الفاعلة المستقلة".
ورغم كل ذلك، قرر عبد المجيد الطيب، وهو موظف متقاعد، التوجه صوب صندوق الاقتراع للإدلاء بصوته السبت المقبل، قائلا في مقابلة مع DW" "نأمل في عودة المؤسسات الدستورية وأن يقوم البرلمان بواجباته بما في ذلك تعديل القوانين".
جينفر هوليس، طارق القيزاني/ م.ع