في شارع الحبيب بورقيبة، القلب النابض للعاصمة تونس، تبدو حالة الانتظار والترقب على وجوه التونسيين، في عام يعتبر صعبا للغاية على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية في البلد المغاربي. فيما تنتشر الحواجز الأمنية في محيط النقاط الحسّاسة بالشارع الذي طالما شكل ميدانا رئيسيا للمتظاهرين في الثورة التونسية سنة 2011 وعلى امتداد السنوات العشر الماضية.
في ممر الراجلين الفسيح المظلل بالأشجار وسط الشارع، يجلس شبان في مركز لتسجيل الناخبين يترقبون المواطنين الراغبين في إضافة أسمائهم للوائح الانتخابات التشريعية التي يفصلهم عنها عشرة أسابيع، وهي الأولى من نوعها ستكون في ظل "الجمهورية الثالثة" والدستور الجديد الذي أُقر في تونس في الخامس والعشرين من يوليو/ تموز الماضي، بعد إقدام الرئيس قيّس سعيد على تعطيل العمل بدستور 2014 وحل المؤسسات الديمقراطية المنتخبة المنبثقة عنه.
أجواء الأزمة الاقتصادية تخيم على المحلات التجارية الفاخرة في شارع الحبيب بورقيبة، حيث قلة من الزبناء ترتادها، وحتى مقاهي الشارع الشهيرة تفتقد زخمها المعتاد، بينما كان عشرات من الشبان يجلسون على مدارج المسرح البلدي، أحد أهم معالم الشارع التاريخية (شيّد في بداية القرن العشرين)، مستغرقين في متابعة شاشات هواتفهم.
هامش مناورة محدود
معظم التونسيين يترقبون ما تحمله الأيام المقبلة من تطورات وخصوصا في مواجهة تدهور الأوضاع الاقتصادية وتجاوز معدل التضخم 8,6 في المائة، وذلك للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود. وبالنسبة للخبراء، كما جل المتتبعين المحليين، فإن الحكومة التونسية ليست أمامها خيارات كثيرة ويقوم رهانها الأساسي على إقناع صندوق النقد الدولي بتوقيع اتفاق بأقل شروط ممكنة، كي يمنح ميزانية الدولة قروضا قيمتها 4,5 مليار دولار من شأنها انتشالها من الإفلاس.
ويتطلب التوصل لاتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، مراجعة نظام الدعم ونهج حزمة من الإصلاحات من بينها التحكم في كتلة الأجور وإصلاح المؤسسات العمومية المتعثرة.
ورغم تفاؤل مسؤولي صندوق النقد الدولي بقرب التوصل لاتفاق، إلا أنه ليس بالضرورة سهل المنال، بسبب الشروط القاسية التي يتضمنها الاتفاق المرتقب، وخصوصا على مستوى تداعياته الاجتماعية والتي ترفضها مركزية الاتحاد العام التونسي للشغل النافذة.
ويرى محللون في تونس أنه حتى لو جرت تسوية بين مركزية الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة، فإن البلاد يمكن أن تشهد هزات اجتماعية خارج نسق الأطر الاحتجاجية المعهودة، وقد بدأت بعض مؤشراتها في مناطق وأحياء فقيرة. فقد تسبب النقص في المواد الاستهلاكية الأساسية بسبب تعثر تزويد الأسواق؛ نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا بجانب أزمة المالية العمومية، في ارتفاع كبير للأسعار ما دفع مثلا العائلات الفقيرة في الأحياء القريبة من العاصمة إلى الخروج في وقفات احتجاجية.
وفي الأيام الأخيرة شهدت منطقة مرناق جنوب العاصمة تونس احتجاجات لأهالي شاب أقدم على الانتحار شنقا؛ احتجاجا على احتجاز أعوان البلدية لمعدات يستخدمها في بيع بعض المنتوجات الغذائية بشكل غير قانوني. في حادثة تتكرر في تونس بأشكال مختلفة وتعيد للأذهان واقعة إحراق محمد البوعزيزي لنفسه في سيدي بوزيد، التي أشعلت انتفاضات "الربيع العربي" في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2010.
وخارج سيناريو الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، يبدو هامش المناورة أمام الرئيس سعيّد وحكومته في مواجهة الأزمة الإقتصادية، محدودا للغاية. إذ ينحصر في الاعتماد على بعض المساعدات التي تصله من حين لآخر من الاتحاد الأوروبي أو من الجارة النافذة الجزائر، وبالكاد يتم انفاقها في سد العجز المتفاقم في ميزانية الدولة وخصوصا لتسديد رواتب الموظفين، أو في مواجهة تداعيات جائحة كورونا وحرب أوكرانيا.
مشاريع سعيّد الغامضة؟
في غضون ذلك، أطلق الرئيس سعيد مؤخرا "مشروعه" الاقتصادي الغامض الذي طالما وصفه بأنه سيكون "أداة لتغيير حياة التونسيين وخلق الثروة"، ويتعلق الأمر بمشروع "الشركات الأهلية". وبدأت النواة الأولى لهذه الشركات من بلدة بني خيار الزراعية (70 كيلومترا شرق العاصمة تونس)، وقال سعيّد إنه سيتم تعميمها على مختلف مناطق البلاد، وإنّ أنشطتها ستكون متنوعة، زراعية وصناعية وخدماتية وغيرها.
وفي انتظار صدور قانون يوضح نظام "الشركات الأهلية"، يثير خبراء محليون أسئلة عديدة حول الطبيعة القانونية لهذه الشركات وجدواها الاقتصادية. فهي تقوم على نظام أسهم متساوية بين المساهمين (سهم واحد لكل مشارك) بوحدة جغرافية وإدارية صغيرة، وتعود أرباحها على المساهمين ويُخصم 20% من أرباحها للدولة.
وسبق للرئيس سعيّد أن وعد بأن يتم تمويلها من الأموال التي تتم مصادرتها من رجال الأعمال "الفاسدين". لكن عددا من الخبراء المحليين يشككون في نجاح الفكرة ويعتقدون بأن عجز الدولة - على الأقل في المدى القصير - عن مكافحة الفساد المستشري في الإدارة وفي الاقتصاد، قد يدفع سعيّد للجوء إلى تمويل هذه الشركات مثلا بالاعتماد على استغلال أراضٍ تابعة للدولة أو تقع في ملكيات مشتركة أو بالاعتماد على جانب من القروض التي سيمنحها صندوق النقد الدولي لتمويل الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد.
منذ ظهوره في المشهد السياسي التونسي، لم يقدم الرئيس سعيّد برنامجا اقتصاديا أو سياسيا بديلا، بل يركز خطابه على نقد المنظومة السياسية التي كانت قائمة قبل 25 يوليو/ تموز 2021، ويعتبر أنه ليس فقط رئيسا منتخبا بأغلبية كاسحة بل يحمل "رسالة تاريخية" بتفويض من الشعب وتتمثل في تمكينه (الشعب) من آليات ليحكم نفسه بنفسه، وهو من سيستنبط الحلول لمشاكله على المستوى المحلي ثم المركزي.
وفي غياب بيانات واضحة من سعيّد، حول الأفكار الرئيسية التي تحدث عنها قبل انتخابه سنة 2019، يتولّى "مفسرون" شرح أفكاره ومنها فكرة "مجالس الحكم المحلي أو القاعدي" أو فكرة "الشركات الأهلية"، وإذا كانت هذه الأخيرة قد بدأت ترى النور ولو على استحياء، فإن ما أطلق عليه "نظام الحكم القاعدي" يبدو أنه مؤجل أو ربما سيتم تمريره تدريجيا ضمن الانتخابات المحلية والجهوية المقبلة.
ومن هنا تبدو الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي تجري في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول المقبل، بمثابة قطعة من رقعة الشطرنج التي يسعى من خلالها سعيّد لرسم مشهد سياسي جديد في البلاد، وضع أسسه في دستور 25 يوليو/ تموز الماضي، ويقوم على محورية مطلقة لسلطة رئيس الجمهورية في غياب أي رقابة أو محاسبة لأي مؤسسة أخرى، وأدوار وظيفية فرعية للمجلس النيابي المنتخب (بغرفتيه)، كما للحكومة والقضاء.
وفي ظل نهج واضح لتحييد دور الأحزاب وتهميش المجتمع المدني، أقر القانون الانتخابي الجديد (صدر في شكل مرسوم رئاسي) نظام اقتراع أحادي وتمت إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، ومن شأنه إفراز نخب برلمانية جديدة، تتضارب قراءات الخبراء في ملامحها. بين من يعتقد بأنها ستفسح المجال لأصحاب النفوذ المحلي وشراء الأصوات، وبين من يعتقد أن أنصار الرئيس سعيّد وخصوصا من جمعيات الشبان العاطلين المحلية، ربما سيشكلون قوة أساسية داخل المجلس النيابي الجديد، إضافة لمرشحين من بعض الأحزاب القومية العروبية أو اليسارية القريبة من سعيّد.
برلمان بدون أحزاب سياسية؟
في مقهى "لوجرنال" بمدينة الرقاب بولاية سيدي بوزيد، مهد "الربيع العربي" التي سقط فيها أولى شهداء الثورة برصاص قوات نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، يتبادل شبان من المنطقة الآراء حول دورهم في الانتخابات المقبلة وبماذا يمكنها أن تساهم به لحل مشاكلهم.
يعتمد سكان المنطقة في حياتهم على الزراعة والتجارة المحلية، ورغم موجة الهجرة المتفاقمة من معظم مناطق البلاد نحو أوروبا نتيجة انسداد الآفاق وتفشي اليأس، لا تعتبر منطقة الرقاب مصدرا تقليديا للهجرة نحو الخارج باستثناء ليبيا قبل أن تتدهور فيها الأوضاع الأمنية، إذ تقتصر هجرة أبنائها سواء خريجي الجامعة أو العمال اليدويين نحو المدن الكبرى مثل صفاقس ثاني كبريات المدن التونسية أو سوسة أو العاصمة تونس. وحديثا بدأت دول الخليج العربية تشكل مقصدا لبعض شبان الرقاب.
وفي ظل مقاطعة الأحزاب الرئيسية للانتخابات واعتماد نظام الاقتراح الأحادي، تبدو المشاركة في السباق الانتخابي بالنسبة لعدد من شبان المنطقة بمن فيهم عاطلون عن العمل، بمثابة مغامرة تستحق المجازفة.
محمد علي كداشي، شاب وخريج جامعي في الإعلاميات، أمضى حوالي عقدين وهو عاطل عن العمل باستثناء فترات قصيرة متقطعة يعمل فيها مدرسا احتياطيا. وتجرّع كداشي مرارة البطالة في ظل نظام بن علي، وفي الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، وها هو عاطل عن العمل في ظل حكم الرئيس سعيّد. على حسابه بفيسبوك يدوّن كداشي (الملقب "الكدشة") عادة يومياته المريرة ولا تخلو من سخرية لاذعة. كان يعتزم المشاركة في الانتخابات المقبلة، اعتقادا منه بأن شخصيته المعروفة في المنطقة وتجربته المريرة ستكون حافزا لكثيرين لدعمه. بيد أنه عدل في نهاية المطاف عن الترشح، كما يقول، بسبب كثرة المرشحين والتقارب المحتمل لحظوظهم وما يمكن أن ينتج عنه من تشتت للأصوات في دائرة انتخابية تتضمن ثلاث معتمديات (دائرة محلية) وتتسم بتضاريس اجتماعية وقبلية معقدة.
"تحتاج المنطقة لنائب نظيف ونزيه يخدم قضايا السكان" يقول "الكدشة". وبالنسبة لفيصل كدوسي، وهو شاب من الرقاب عاد مؤخرا من الكويت وأقام مشروعا زراعيا بالمنطقة، فإن الأحزاب السياسية التي تداولت على الحكم في السنوات الأخيرة مسؤولة عن الأزمة الخانقة التي وصلت إليها البلاد، وعن "الفساد والفوضى وغياب سلطة القانون". ويعتقد كدوسي أن حكم الرئيس سعيّد فرصة "لاستعادة سلطة الدولة ومحاسبة الفاسدين والمسؤولين عن الانهيار الذي وقع في الاقتصاد والمؤسسات".
لكن الشباب، سواء كانوا مرشحين أو غير مرشحين للانتخابات، ليس لديهم تصورات واضحة عن الدور الذي يمكن أن يلعبه مثل هذا النائب في مجلس سيكون أعضاؤه لا يجمع بينهم سوى خلفياتهم المحلية، في غياب دور أساسي للأحزاب السياسية التي يفترض أن تضع البرامج الشاملة على المستوى الوطني.
ورغم غياب رؤية واضحة حول أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه البرلمان الذي سينتخب في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، إلا أنه يثير اهتمام فئة من الشباب والنخب المحلية التي شعرت بالتهميش في السنوات العشر الماضية.
بينما حسمت الأحزاب الرئيسية في المعارضة المتكتلة في جبهتي معارضة موقفها بمقاطعة الانتخابات باعتبارها جزءا من مسار "انقلابي" على دستور 2014، وهي جبهة الخلاص الوطني التي يتزعمها اليساري المخضرم أحمد نجيب الشابي، وتضم حزب "النهضة" الإسلامي وأحزاب ليبرالية وحزب "حراك الإرادة" و"حراك مواطنون ضد الانقلاب" و"حركة أمل وعمل" ونشطاء مستقلون، وتحالف الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية وتضم "الحزب الجمهوري" و"التيار الديمقراطي" والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" و"حزب العمال".
كما ألمحت عبير موسى، زعيمة الحزب الدستوري الحر، إلى أن حزبها، الذي يعتبر سليلا من حزب التجمع الدستوري الحاكم في عهد الرئيس السبق بن علي، يعتزم مقاطعة الاستحقاقات المقبلة باعتبارها "غير شرعية وغير دستورية".
خيارات المعارضة وسيناريوهات الأوضاع؟
بيد أن الاتفاق الواسع بين أحزاب المعارضة على مقاطعة الانتخابات، يتزامن مع حديث بعض الأوساط السياسية عن احتمال مشاركة بعض الأحزاب المعارضة بشخصيات غير قيادية في الانتخابات كمرشحين مستقلين.
وأبعد من ذلك فإن معارضي الرئيس سعيّد لا يبدو أنهم يمتلكون هوامش مبادرة كبيرة في مواجهته. وذلك لأسباب معقدة:
أولا: يعود بعضها لاستمرار تمتع الرئيس سعيّد بشعبية نسبية رغم التذمر الذي بدأ يظهر في الأوساط الشعبية نتيجة تدهور المستوى المعيشي وتفاقم الأزمة الاقتصادية. واستمرار توظيفه، وبخطاب شعبوي مكثف، للأزمة الاقتصادية والصحية التي عاشتها البلاد في ظل الحكومات السابقة، لتحميل الطبقة السياسية مسؤولية تلك الأوضاع، دون أن يقدم تصوراته وبدائله لحل المشاكل التي تتخبط فيها البلاد.
ويذهب بعض المحللين في تونس للحديث عن عدم وضوح تطور الأوضاع بصيغة مفارقة مفادها أن "أكبر معارض للرئيس سعيّد هو سعيّد نفسه!"
وفي كتاب صدر له مؤخرا بتونس بعنوان "جمهورية الخطر الداهم"، يرى الصحفي المخضرم والنائب السابق الصافي سعيد، بأنه عندما يقوم بعملية مسح لأهم ظواهر الشعبوية في العالم من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية إلى أفريقيا وصولا إلى آسيا، فإنه "لا يجد نظيرا للشعبوية التي تتسم بها شخصية قيس سعيّد، فهو لا يقدم أي مشروع أو بديل اقتصادي أو مجتمعي للبلاد".
ثانيا: يكمن السبب الثاني في طبيعة العملية السياسية التي قام بها سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو/ تموز 2021 وفرض حالة الاستثناء في مواجهة "الخطر الداهم" دون تحديده بدقة. واعتبرها خصومه السياسيون بـ"انقلاب على الدستور وعلى الديمقراطية"، فيما يصفها بعض الباحثين، مثل الفرنسي فينسون غيسار بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، بـ"انقلاب صحي"، نسبة للأزمة الصحية وتداعيات جائحة كورنا التي وظفها الرئيس سعيّد للإطاحة بالمؤسسات الديمقراطية. وقد اعتمد في حركته على مؤسستي الأمن والجيش لشل أي تحرك مضاد من معارضيه. كما أُطلقت سلسلة ملاحقات أمنية وقضائية ضد نواب وشخصيات وأحزاب معارضة وعلى رأسها حزب "النهضة الإسلامي"، تحت عناوين مختلفة مثل "مكافحة الفساد" أو "مكافحة الإرهاب" أو "المس بالأمن القومي".
ثالثا: السبب الثالث، أنه بعد حل البرلمان والحكومة وإيقاف العمل بدستور 2014 وإصدار دستور جديد، مضى الرئيس سعيّد في اتجاه إرساء نظام "رئاسوي" يشكل رئيس الجمهورية محوره الوحيد، وهو بصدد وضع ترسانة من القوانين (يصدرها في شكل مراسيم رئاسية) من شأنها كبح حريات الإعلام والتعبير وتبادل المعلومات سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك على غرار مرسوم "مكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال"، الذي أصدره مؤخرا، ويثير جدلا واسعا، لكونه يتضمن تدابير عقابية بالسجن تصل إلى خمس سنوات، كما تخول قوات الأمن سلطات واسعة لاختراق البيانات الشخصية.
رابعا: يبدو أن غياب بدائل واضحة لدى الطبقة السياسية المعارضة حول تصوراتها لمستقبل تونس وخصوصا في القضايا الاقتصادية والاستراتيجية التي تتخبط فيها البلاد، وكذلك إحجام الأحزاب التي تولت المسؤولية في السنوات الماضية عن القيام لحد الآن بنقد ذاتي ومراجعات عميقة لأسباب الانهيار الدراماتيكي للمؤسسات الديمقراطية، يمنحان قيس سعيّد حجة إضافية لدى قطاعات شعبية واسعة تحمل نظرة سلبية عن تلك الأحزاب.
خامسا: في ظل حالة الانتظار والترقب المريرة التي تعيشها البلاد منذ سنوات واستمرار تدهور الأوضاع المعيشية وتفاقم ظواهر الاقتصاد الموازي وسطوة الفساد وعجز الإدارة، لم يعد بمقدور فئات من الشباب وحتى النساء والأطفال في المناطق المهمشة والأحياء الشعبية في كبريات المدن، تحمل تداعيات الأزمة على حياتهم فباتوا يلقون بأنفسهم بشكل متزايد في مغامرات الهجرة غير القانونية نحو أوروبا. وتفيد دراسة حديثة للمرصد التونسي للهجرة بأن 20 في المائة من التونسيين يفكرون في الهجرة خارج البلاد. كما يتسبب نزيف هجرة الكفاءات في مغادرة حوالي 36 ألفا سنويا، ضمنهم أطباء ومهندسون وكفاءات تعليمية.
تبدو مؤشرات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية مكثفة في مناحي الحياة المختلفة بتونس، ورغم قبضة الرئيس سعيّد على السلطة، من الصعب رصد درجة وحدود صبر التونسيين، ولا كيفية ردود أفعالهم في المستقبل، خصوصا في ظل تراجع دور الأحزاب والنقابات وحتى مؤسسات المجتمع المدني.
منصف السليمي