الافلاس يهدد التلفزات الخاصة في تونس...تضييق مالي أم ضعف مهني؟
٢ مايو ٢٠١٣بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني عام 2011 شهدت الساحة الاعلامية في تونس انفجارا اعلاميا جسَد تعطش التونسيين إلى حرية التعبير وإلى التعددية الاعلامية. ومع أن المناخ العام كان محفزا لبعث مؤسسات اعلامية وقنوات تلفزيونية متعددة تستجيب إلى الآراء والتوجهات المتنوعة، الا ان غياب القواعد القانونية المنظمة ومخاوف السلطة من الهامش الواسع لحرية التعبير خلقا واقعا صعبا لعمل القنوات التلفزيونية بالأساس.
ويعتقد الخبراء ان الأسباب الحقيقية لأزمة الاعلام المرئي في تونس متعددة إلا ان طيفا واسعا من الفاعلين في المشهد الاعلامي يرجعون سبب هذه الأزمة إلى التضييق المالي والسياسي الذي فرضه الحكام الجدد في تونس.
ضائقة مالية أم تضييق؟
الطاهر بن حسين مالك قناة الحوار والمعارض الشرس لحكم بن علي، قال في حوار مع DW عربية "حركة بيع البقدونس التي اطلقت في فيبراير شباط الماضي لانقاذ قناة الحوار من الافلاس، كان الهدف منها توعية المواطن بأن الإعلام الحر له ثمن تماما مثل الحرية أيضا لها ثمن" وأضاف ان "الاعلام يحتاج إلى الدعم السياسي والمالي. لكن الآن هناك محاولة خنق مالي لقناة الحوار بطريقة مقصودة وممنهجة عبر منع الشركات والمؤسسات العمومية من الاشهار في القناة بدعوى أنها قناة فتنة".
لكن بن حسين أكد ان القناة لا تزال بعيدة عن أزمة الإغلاق على الأقل إلى مرحلة الصيف وان ادارة القناة بصدد التخطيط لحلول أخرى بعد "مبادرة البقدنوس". وكانت قناة الحوار الخاصة صوت المعارضة بجميع أطيافها تحت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي بما في ذلك الاسلاميين.
ومن جهته اوضح عبد الحليم المسعودي، أستاذ جامعي، ومقدم برامج في قناة نسمة الخاصة لـDW عربية "هناك تضييق واضح على الإعلام الحر. اليوم بعد الثورة التي قامت على مطلبي الحرية والكرامة فإن الحاكمين في السلطة لا يعجبهم وجود إعلام حر. لكن المجتمع المدني في تونس أثبت انه من الصعب تركيع الإعلام الحر والخاص...".
وحول رأيه في بعض الانتقادات الموجهة لقناة "نسمة" بأنها تعمل وفق"أجندة سياسية" على حساب المعايير المهنية، قال المسعودي "حدثت عملية شيطنة لقناة نسمة من قبل أطراف سياسية. لكن القناة حاولت الصمود إلى الآن وهي من القنوات القلائل إلى جانب قناة الحوار التي تؤمن بالمجتمع المدني وتعبر عن رأي القوى الديمقراطية والتقدمية في البلاد..".
وفي رده على الانتقادات الموجهة للحكومة بالتضييق على عدد من القنوات التلفزيونية، أوضح أحمد قعلول عضو مجلس الشورى(أعلى هيئة بالحزب) في حزب النهضة الاسلامي الذي يقود الائتلاف الحاكم، في حوار مع DW عربية "صحيح أن وسائل الإعلام المرئية في تونس تعاني من صعوبات لكن ليس ثابتا ان هذه الصعوبات تعود إلى تضييقات من السلطة ومنعها لرجال الأعمال من الإشهار(الاعلانات) لديها بسبب خطها التحريري"، وأشار بأن"هذه السياسة كان يتبعها النظام السابق عندما كان يضغط على رجال الأعمال لدعم عدد من وسائل الإعلام الموالية للسلطة".
الإعلام هل يكون ضحية التجاذب السياسي؟
ومجمل الاعلاميين في تونس يعتبرون أن مخاوفهم من التضييق السياسي حقيقية اليوم. وأوضح مثال على ذلك الجدل القائم بشأن قضية الاعلامي سامي الفهري مدير قناة التونسية الخاصة التي دأبت على انتقاد السلطة.
وكانت النيابة العامة قد رفضت اطلاق سراح الفهري المتهم بقضايا فساد من السجن على الرغم من صدور حكمين من أعلى هيئة قضائية في البلاد، محكمة التعقيب، لصالحه الأمر الذي طرح شكوكا عن مدى استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية ونوايا الحكام الجدد تجاه وسائل الاعلام. وفي المقابل يرفع إسلاميو حزب النهضة الحاكم، شعار "تطهير الإعلام من بقايا نظام بن علي".
وبالنسبة للنخبة السياسية فإن أزمة الاعلام لا تعدو ان تكون سوى امتدادا للتجاذب السياسي والحزبي في البلاد بين السلطة والمعارضة. وعزا خميس قسيلة النائب في المجلس الوطني التأسيسي عن حزب حركة نداء تونس المعارض، في حوار مع DW عربية، الأزمة المالية الخانقة لوسائل الاعلام إلى تحكُم السلطة في توجيه الاشهار الخاص والعام باتجاه "إعلام الموالاة".
وقال قسيلة إنه لا بد من فسح المجال في تونس إلى كل الآراء سواء الموالية أو المعارضة أو المستقلة وأن لا تكون للدولة أي تدخل في الخط التحريري في المؤسسات الاعلامية، مشيرا إلى الضغوط التي كانت تعرضت لها في هذا السياق التلفزة العمومية وصحيفة الصباح شبه الحكومية، وهي أكبر صحيفة في تونس.
وفي حديثه مع DW عربية قال محمد البراهمي النائب في المجلس الوطني التأسيسي عن حركة الشعب (معارضة)" في تونس قمنا بثورة لكن بعض القوى التي لا تؤمن بالديمقراطية تحاول أن تسير هذه الثورة لصالحها وتضايق الاعلاميين الأحرار في بعض المؤسسات عبر قطع الاعلانات عنها للاجهاز عليها".
بينما يرى احمد قعلول عضو مجلس الشوري في حزب النهضة الإسلامي، ان"التدخل والضغط الذي كان مفروضا على رجال الاعمال، في عهد النظام السابق، قد رفع اليوم وهو ما يفسر الشحَ في الاشهار والاعلانات".
أما بالنسبة للرأسمال العمومي، فيرى قعلول فيه مفارقة، ويقول إن"احجام السلطة عن التدخل فيه أبقى على استغلاله على الشكل الذي كان عليه في السابق وبطريقة غير متوازنة. ونحن نطالب باصلاح هذا التوازن لأن كل وسائل الاعلام، وخاصة تلك التي ظهرت بعد الثورة، لها الحق كذلك في الرأسمال العمومي". وتابع قعلول "السلطة لم تتدخل لأن المطلوب الآن إصلاح القطاع الاعلامي دستوريا عبر تشكل الهيئة الوطنية للاعلام".
هل يدفع الإعلام ثمن ضعف المهنية؟
لكن وبخلاف النخبة السياسية ونشطاء المجتمع المدني يركز خبراء الإعلام في تشخيص الأزمة الاقتصادية لوسائل الاعلام، وبشكل خاص الاعلام المرئي على أهمية الاستثمار والتشريعات والتخصص في المجال إلى جانب إصلاح منظومة الإعلام برمتها.
ويصنف الأستاذ الجامعي بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار المنصف العياري في حديثه مع DW عربية باعثي القنوات التفزيونية إلى نوعان، الأول على دراية بالانتاج التلفزي ومع ذلك فهو يظل في حاجة إلى رأسمال قوي حتى يضمن تماسك المشروع.. ويضيف العياري إن "عائدات الاشهار تظل المصدر الأول لتأمين السيولة للقنوات التلفزيونية، لكن واقع الحال الآن يكشف عن فوضى في سوق الاشهار بسبب غياب اطار قانوني ينظم القطاع وعملية توزيع الاعلانات".
كما يشير العياري إلى صنف ثان من المستثمرين في الإعلام المرئي، "لا علاقة لهم بالصناعة الإعلامية والانتاج التلفزي وإنما دخلوا القطاع بدافع تحقيق الربح في أقل وقت ولكن بمجرد الانطلاق في المشروع يبدأ الاستنزاف المالي والصعوبات في مجابهة المصاريف منذ الشهر الأول ما يؤدي في النهاية إلى فشل المشروع".
وقال العياري "الاعلام التلفزي وعلى عكس وسائل الاعلام الأخرى، يسمى بالصناعة الاعلامية "الثقيلة"... فالخبرات والكفاءات والأفكار وحدها لا تكفي من دون سند مالي مهم. وبالتالي فمن المهم الآن تركيز تشريعات متخصصة لانصاف اهل القطاع والعاملين فيه".
أما بالنسبة لجمال الزرن الاستاذ الجامعي بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار فإن إصلاح منظومة الاعلام هي عملية متعددة الأوجه تبدأ أولا بالاسراع في إرساء منظومة قانونية. وتم بالفعل احداث مرسومين (115 و116) بعد الثورة في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2011 لتنظيم قطاع الاعلام لكن لم يقع تفعيلهما إلى اليوم بينما لا يزال الوسط الاعلامي في تونس في انتظار بعث الهيئة الوطنية للاعلام التي ستشرف على ادارة ملفات الاعلام بما في ذلك توزيع حصص الاشهار(الاعلانات).
ويوضح الزرن لـ DW عربية "لا يمكن ان ندير الإعلام من دون منظومة قانونية. واقترح احداث صندوق لدعم اعلام الانتقال الديمقراطي. فلا يمكن أن نضمن انتقالا بديمقراطية "فقيرة". ويقترح جمال الزرن تمويل الصندوق عبر رسوم على الاعلانات تصرف لدعم الصحافيين والفاعلين في المشهد الاعلامي إلى جانب المؤسسات الاعلامية التي تعاني من مشكلات مالية. ولا تقف متطلبات الاصلاح عند هذا الحد إذ يشدد جمال الزرن في نفس الوقت على أهمية تكوين الصحفيين وإعادة هيكلة المؤسسات الاعلامية العمومية التي تشكوا من الروتين والبيروقراطية والفساد وتخضع إلى نمط الوظيفة العمومية أكثر من الوظيفة الاعلامية.