الاعتصام بوزارة الثقافة: ما علاقة المثقف المصري بالدولة؟
١٩ يونيو ٢٠١٣الشاعر زين العابدين فؤاد يرى مشاركته في اعتصام وزارة الثقافة من منظور مشاركته العامة في الثورة. ويقول ل DW عربية: "التواجد في الشارع مهم للمثقفين. نحن نريد سياسة ثقافية مغايرة، وهذا جزء من كفاح المثقفين للدفاع عن الحرية وعن دستور يشمل جميع أطياف الشعب. ولا علاقة لنا بتحركات الموظفين، ولا ندافع بالأساس عن الموظفين المقالين".
وعما يصدر من اتهامات بأن المعتصمين يشكلون جزءا من الدولة القديمة يجيب قائلا: "من يقول عن صنع الله إبراهيم وبهاء طاهر وعني أننا جزء من الدولة القديمة فإنه أعمى. المثقفون في مصر نصفان. نصف مندمج في وزارة الثقافة ونصف يعمل خارجها ومنهم المعارضين. أنا أو الأديب صنع الله إبراهيم، لم ننشر حرفا واحدا في الوزارة، كما وقف صنع الله بقوة ضد تسلم جائزة الرواية من يد فاروق حسني، منددا بوزارة الثقافة كلها في أوائل الألفية الجديدة."
ويتساءل: " لماذا لم يكن احتجاج المثقفين على فساد فاروق حسني بهذه القوة التي يحتجون بها الآن على الوزير الجديد؟" ويستدرك المتحدث قائلا: "هذا السؤال يمكن توجيهه أيضاً لكل المصريين ؟ لماذا سكتوا على فساد مبارك طيلة ثلاثين عاماً؟ الحقيقة أن الثورة كسرت حاجز الخوف في قلوب المصريين جميعاً، وأصبح من غير الممكن تجاهل الفساد كيفما كان".
في أحد أيام الاعتصام تم قراءة بيان على لسان المثقفين يطالب الجيش بتولي مسئولية دار الكتب والوثائق، وغضب كثير من المثقفين المعتصمين من هذا البيان معتبرين أنه لا يمثل موقفهم. وعن ذلك يقول فؤاد: "أنا ضد استدعاء الجيش إلى التحرك في الحياة المدنية. فجزء من نضالي هو ضد العسكر. عملي كله يتم في الشارع وبحماية من الشارع. عندما علمت ببدء الاعتصام كنت خارج مصر، ولكنني قلت للمعتصمين أني أأيدهم ولكن لدي وجهة نظر أخرى. وقد كتبت أنه حتى لو استقال هذا الوزير وأتى عوضه الأديب بهاء طاهر مثلاً ليتولى منصب الوزارة، فسوف أتظاهر أمام بيته لأطالبه بالاستقالة حتى لا يتم تجميل وجه النظام. فمعركتي ليست معركة مع الأشخاص".
تغير الأجيال عنصر أساسي
الممثلة معتزة صلاح عبد الصبور شاركت في الاعتصام منذ يومه الأول. ورغم تحفظاتها على بعض المشاركين في الاعتصام من بين موظفي وزارة الثقافة القدامى، فإن ذلك لم يمنعها من المشاركة. وفي هذا السياق تؤكد ل DW/ عربية مشيرة أنها رفضت نظام مبارك، والمجلس العسكري كما ترفض الآن الإخوان المسلمين.
وتحلل معتزة الانقسامات داخل معسكر الاعتصام وتقول: "الجيل الذي قام بالثورة لم يكن هو الجيل الذي كان كبيرا وناضجا أيام مبارك. الجيل الذي كبر أيام مبارك هو جيل ميئوس منه، فهو جيل تربى على أفكار عبد الناصر السلطوية".
ورغم إعجابها الشديد بأبيها فإن معتزة تنظر بانتقاد تجاه والدها الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور: "الهزيمة تميز أعماله، والبطل غير قادر على القيام بفعل شيء ما. هذه سمة جيل كامل". وحسب رأيها هناك جيل تعود على التحايل وكان يفضل البكاء والعويل ضد الفساد أو يحذر من خطر الإسلام السياسي، غير أنه لم يقم بفعل شيء في مواجهة ذلك.
في نفس الوقت، تنتقد معتزة أيضاً الرافضين للمشاركة في الاعتصام: "هناك من يتعالون على الاعتصام لاحتواء الفلول أو موظفي فاروق حسني القدامى. أعتقد أن الحرب الأساسية هي هنا. يمكننا، نحن الذين رفضنا وزارة الثقافة في عهد فاروق حسني أن نرفضها في عهد علاء عبد العزيز... ".
ولاتعتقد المتحدثة أن المثقفين سكتوا عن الفساد في وزارة فاروق حسني، وتتذكر معتزة حادث حريق مسرح بني سويف والصدمة والغضب اللذين أثارهما هذا الحريق: "كل تلك العناصر أثارت الثورة فيما بعد، مثله مثل مقتل خالد سعيد أوغرق العبارة. كل هذه العوامل اختمرت إلى أن سقط نظام مبارك كله في النهاية".
الاعتصام عمل سهل
وهناك على الجانب الآخر من له وجهة نظر متحفظة من الاعتصام. المغنية فيروز كراوية تقول لـ DWعربية إن الاعتصام لا يسمح بطرح بديل تصوري عن الوزارة إذا ما رحل الوزير الحالي. "لا أحد يؤكد على إمكانية وجود تعايش في الثقافة في بلد دون جهد من المؤسسة الرسمية، سواء كانت هذه المؤسسة ممثلة في وزارة الثقافة أم في غير ذلك. والمجتمع المدني غير كاف للقيام بهذا الجهد في دعم الثقافة. وأنا أيضا من أنصار دعم الثقافات المهمشة بآليات مختلفة في الأقاليم، مع أخذ العدالة في التوزيع بعين الاعتبار".
على صعيد آخر ترى المتحدثة أن المؤسسة الثقافية عاجزة عن القيام بدورها، لأن بها فساد. فمستوى الميزانية غير لائق بثقافة مصر وتوزيعها غير عادل ودون شفافية. وتضيف قالة: "الإخوان بكل كراهيتهم للفن، عندما يديرون وزارة الثقافة سيكون أملهم الكبير هو إغلاق الوزارة، لأنهم عاجزون تماما عن الإتيان بكوادر بديلة، ويعني ذلك إنهاء انتداب الموظفين العاملين بالوزارة. فالوزير الجديد لا يستطيع توفير البديل بشكل صحيح، لذا ليس هناك من حل سوى الإغلاق".
غير أن التحرك الثقافي ممكن خارج جدران المؤسسة. فيروز تعمل ضمن إطار "المجموعة الوطنية للسياسات الثقافية"، وهو مشروع ترعاه مؤسسة المورد المستقلة الهادفة إلى وضع سياسة ثقافية لمصر. وقد قدمت المجموعة مشروعها للبرلمان السابق، ذي الأغلبية "الإخوانية"، واعتمدته لجنة الثقافة هناك، وكان من المفترض أن يتم عرضه على البرلمان ككل لولا حدوث حله في نفس اليوم.
وتشكو المتحدثة من أن المشروع الثقافي يعاني من عدم استجابة المثقفين وتقول: "كانت لديهم مشاكل داخل منظمات المجتمع المدني، وكان هناك من يتصور عدم إمكانية العمل الثقافي خارج وزارة الثقافة، وكان منهم من لم يكن مهتماً. لذا أعتقد أن الاعتصام أمام وزارة الثقافة يشكل العمل الأسهل، بينما الأصعب هو العمل على مشروع ثقافي طويل الأمد".