الاتفاق السياسي في السودان.. خطوة للأمام لكن لصالح من؟
١٧ يوليو ٢٠١٩وأخيرا تم توقيع وثيقة الاتفاق السياسي التي تحدد أطر مؤسسات الحكم في السودان بين المجلس العسكري الحاكم وقادة الاحتجاج. وهي الوثيقة التي شكلت مطلبا رئيسيا للمحتجين السودانيين، بينما ينتظر الشارع السوداني إصدار "إعلان دستوري" يوم الجمعة.
هذه الخطوة يُفترض أن تخفف من حدة الأزمة التي أدخلت السودان في مأزق سياسي منذ شهور من احتجاجات تلت سقوط حكم عمر البشير الذي حكم السودان بقبضة من حديد لمدة ثلاثين عاما. لكن الآراء حول الوثيقة تتباين بين من يرى فيها أساسا معقولا لبناء المرحلة الانتقالية، ومن يشكك فيها وفي نوايا العسكر. فإلى أين يتجه السودان بعد هذه الخطوة؟
خوف من السيناريو الليبي
الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير تم التوصل إليه في 5 يوليو الجاري وجرى برعاية الاتحاد الإفريقي ووسطاء إثيوبيين بعد مفاوضات مكثفة وعسيرة بين طرفي الصراع. وبدا المجلس العسكري متحمسا لخطوة توقيع الاتفاق فقد وصفها نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو "حميدتي"، الذي يعتقد على نطاق واسع أنه الرجل الأول في المجلس، بـ"اللحظة التاريخية" للسودان.
ويرى منتصر أحمد محمود الناشط السوداني المعارض وعضو تجمع المهنيين أن الاتفاق "خطوة إلى الأمام لكنه يبقى أدنى من طموحات الشارع وإن كان لا يرضي طموحات العسكر". ويضيف الناشط السوداني في اتصال مع DW عربية أن "الكل مجبر على هذا الاتفاق حتى يحافظ على استقرار السودان ولا ينجر إلى أتون صراع مسلح".
بدوره يرى عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية، أن كل الأطراف تجد هذا الاتفاق أفضل من الوضع الحالي بما في ذلك القوى الإقليمية، "فلا أحد يريد سيناريو ليبي جديد، والجميع يحاول تفادي الأسوأ" كما يقول ميرغني في حوار مع DW عربية.
ويرى معارضون أن الاتفاق الجديد يعتبر تنازلا كبيرا من قوى الاحتجاج وتراجعا على مكتسبات كان يتضمنها اتفاق أشمل كان يفترض أن يوقع في الثالث من الشهر الماضي لكن عوضا عن ذلك، بلغ التوتر مداه في ذلك اليوم بعد أن اقتحم رجال بزي عسكري مكان اعتصام المحتجين في الخرطوم وعنفوا المحتجين وقتلوا العشرات منهم مما أدى إلى توقف المفاوضات.
خلافات داخل المعارضة
ويقول الناشط السوداني منتصر أحمد محمود إن قوى إعلان الحرية والتغيير قد تقابل ببعض السخط أحيانا من الشارع لتقديمها هذه التنازلات التي رغم كل شيء لا يقدرها المجلس العسكري فهو يريد السلطة كاملة.
لكن ليس كل أطياف المعارضة مستعدة للتنازل، حتى إن كان الهدف تحريك المياه الراكدة والخروج من حالة الاحتقان الحالية، فهناك خلافات مبدئية بين قوى الاحتجاج نفسها وهذه إحدى العقبات التي قد تواجه الاتفاق السياسي كما يقول ميرغني، "فالحزب الشيوعي مثلا أصدر بيانا يرفض فيه الاتفاق، بل ويرفض أصلا أن يضع الثوار أيديهم في أيدي العسكر ويتمسك بشروط يمكن أن تجعل التوصل إلى اتفاق مع المجلس العسكري أمرا مستحيلا".
شخصية "حميدتي" نفسها تشكل نقطة خلافية، فالرجل الذي يعتبر الرقم واحد في المجلس متورط في جرائم حرب وإبادة في دارفور وقوات الدعم السريع التابعة له متهمة بالتورط في فض الاعتصام الذي لقي استنكارا عالميا. فكيف يمكن الوثوق بشراكة مع شخصية بهذه الخلفية؟ يقول ميرغني إن "وجود حميدتي أمر واقع. هو رجل نافذ وقوي وله قوات على الأرض. والغالبية في المعارضة أصبحت ترى ضرورة عبور هذه المرحلة دون التدقيق في شخصية بحد ذاتها لأننا أصبحنا أمام خيارين هما: عبور هذه المرحلة إلى مرحلة تشكيل هياكل السلطة التنفيذية وتحقيق التغيير بعد ذلك، أو البقاء في الجمود الحالي".
أدوار لاعبين آخرين
مع الاتفاق الحالي سيقترب السودان خطوة في اتجاه الحكم المدني بعد ثلاثين عاما من الحكم العسكري، لكن نسب المجلس السيادي بين المدنيين والعسكر تشكل نقطة خلافية كبيرة، بالإضافة إلى نسب المجلس التشريعي وهو ما بدا واضحا في الاتفاق السياسي. إذ تؤكد المادة 13 من الاتفاق على تمسك قوى إعلان الحرية والتغيير بنسبة 67 بالمائة من عضوية المجلس التشريعي ونسبة 33 بالمائة للقوى الأخرى غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير، ثم تأتي مباشرة بعدها المادة 14 التي تقول إن "المجلس العسكري الانتقالي يؤكد موقفه بمراجعة نسب عضوية المجلس التشريعي".
هذا التضارب جعل بعض الأصوات المعارضة تتساءل حول ما إذا كان هذا اتفاقا سياسيا أو بالأحرى مجرد إعلان سياسي. بالإضافة إلى التساؤل حول مدى إمكانية نجاح الطرفين في التوصل لإعلان دستوري بحلول يوم الجمعة مع استمرار هذه الخلافات.
ويقول ميرغني إن ما ورد في المادتين ليس تناقضا بل هو "اتفاق على الاختلاف". ويضيف الصحفي السوداني أن كل طرف سجل موقفه في الاتفاق على أن يتم التفاوض خلال الأشهر الثلاثة المقبلة حول مسألة نسب عضوية المجلس التشريعي. والإعلان الدستوري سيصدر يوم الجمعة دون أن يشمل مسألة المجلس التشريعي".
تضارب مصالح الأطراف المتدخلة في المشهد السوداني يزيد من تعقيده أكثر، فلطالما أبدى نشطاء ومعارضون مخاوفهم من أن تجهض تدخلات أطراف خارجية بالإضافة إلى فلول النظام السابق التحول الديمقراطي في السودان. ويقول منتصر أحمد محمود إنه من الواضح أن هناك أيدٍ خفية تتبع للنظام تطبق على مفاصل الدولة وتقود البلاد نحو العنف. ويضيف أن المحاور الدولية تريد استقرار السودان بأي كلفة كانت وإن كانت ضياع الدولة المدنية وحياة الناس إن كان ذلك سيضمن استقرار هذه الأطراف.
سهام أشطو