الإنترنت: سلاح حزب "البديل" اليميني في الانتخابات الألمانية
٣ سبتمبر ٢٠٢١تعمل وسائل التواصل الاجتماعي على قلب المشهد السياسي في ألمانيا رأساً على عقب. وصحيح أن المسيحيين والاشتراكيين الديمقراطيين، أصحاب الائتلاف الحاكم، لديهم أكبر عدد من أعضاء بين الأحزب، لكن تواجدهم على الفيسبوك وشركاه ضئيل للغاية.
لقد قطع حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي لا يزال حزباً يمينيا حديث المنشأ شوطا طويلاً مقارنة بالأحزاب الأخرى. وهذا أمر لافت للنظر في ضوء الأهمية المتزايدة التي باتت تحظى بها وسائل التواصل الاجتماعي في الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية. ويبدو أن الأحزاب الأخرى في ألمانيا، مثل حزب الخضر أو الليبراليين مجهزة بشكل أفضل؛ للقتال من أجل الأصوات على الإنترنت، من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU) مع شقيقه حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي( SPD) .
من أجل مقارنة عروض السياسيين والأحزاب المرشحة قامت DW بتقييم منشوراتهم على منصات فيسبوك، إنستغرام، يوتيوب وتويتر، بين الفترة الممتدة من الأول من يونيو/ حزيران حتى الـ15 من أغسطس/ آب 2021 . وتم استخدام أداة التحليل "Storyclash" لهذا الغرض. وتتيح هذه الأداة على سبيل المثال مقارنة عدد مشاهدات مقاطع الفيديو أو تفاعلات المستخدمين مع عروض السياسيين على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
عروض أقل مقابل نجاح أكبر!
السياسية الألمانية ومرشحة حزب البديل من أجل ألمانيا، أليس فايدل تحصد نجاحاً كبيراً على الشبكة العنكبوتية. على الرغم من أنها لا تملك أي فرصة للفوز في الإنتخابات أو حتى الوصول إلى منصب المستشارة، فقد شوهدت مقاطع الفيديو الخاصة بها حوالي 4.9 مليون مرة على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الفترة المذكورة.فيما حصل المرشحون الآخرون على نسب ضئيلة من المشاهدات.
320 ألف مشاهدة فقط، حققها مرشح حزب الإتحاد المسيحي الديمقراطي، أرمين لاشيت، على الرغم من أنه أحد المرشحين في السباق لخلافة المستشارة أنغيلا ميركل. وتتفوق فايدل أيضاً في المنافسة كثيراً عندما يتعلق الأمر بمشاركة المنشورات والتعليق عليها. هذا مهم من أجل كسب ولاء المستخدمين للعروض الخاصة بالمرشح. النجاح ليس مصادفة بالنسبة للمستشار السياسي للإتصالات يوهانس هيلجى "الجمهور على منصات وسائل التواصل الاجتماعي هو شكل متطرف من "اقتصاد جذب الانتباه"، وهناك ترابط بين خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي والاستقطاب الشعبوي اليميني والانفعالات".
يعتمد حزب البديل من أجل ألمانيا بشكل كامل على العواطف، وبالأخص الخوف والغضب. الخوف من المهاجرين والجريمة والانحدار الاجتماعي - والغضب من أنغيلا ميركل والحكام والنخب. يسوق الحزب في الغالب محتواه عن طريق شعارات مثيرة مثل "ألمانيا تتحول إلى جمهورية موز". هذا من شأنه أن يسهل على المستخدمين المشاركة والتعليق. من ناحية أخرى، لا تزال منشورات لاشيت مرشح المسيحي الديمقراطي باهتة، إذ لم يحشد عنوانه الرئيسي "الحماية الذكية للمناخ مهمة مشتركة" سوى عدد قليل من المستخدمين على الإنترنت.
الفوز في الانتخابات بفضل فيسبوك!
لعب فيسبوك دوراً مهما في صعود حزب البديل من أجل ألمانيا. منذ تأسيسه في عام 2013 ، اشتكى الحزب من نقص تمثيله في وسائل الإعلام الرئيسية. لكن على فيسبوك، وجد حزب البديل من أجل ألمانيا منصة يمكن لمتابعيها التواصل من خلالها. ويمكن للحزب أن ينشر جزءاً من حملاته العنصرية والقومية دون تنقيح. وفي مقابلة مع DW، صرح المتحدث الصحفي باسم الكتلة البرلمانية للحزب اليميني، حزب البديل من أجل ألمانيا، ماركوس شميت: "بدون فيسبوك، أعتقد أن البديل من أجل ألمانيا لم يكن لينجح بهذه السرعة".
يظهر تحليل DW أنه حتى يومنا هذا، لا يزال الفيسبوك يلعب دوراً بارزاً في حضور حزب البديل من أجل ألمانيا على وسائل التواصل الاجتماعي. مرشحة الحزب، أليس فايدل حققت حوالي 84 في المائة من التفاعلات على منشوراتها هناك. من أجل تدريب موظفيه على وسائل التواصل الاجتماعي، يبدو أن حزب البديل من أجل ألمانيا يحظى أيضاً بدعم خاص من فيسبوك. هذا ما أكده موظف في كتلة حزب البديل من أجل ألمانيا في مقابلة مع DW. يمكن ملاحظة ذلك من خلال عروض السياسيين. تبدو ملموسة ومفهومة أكثر من باقي عروض السياسيين المنافسين، وغالباً ما يكون خط العناوين والنصوص أكبر وأسهل للقراءة من خطوط الأحزاب الأخرى، والتصميم أكثر اتساقاً وتوحيداً. كل هذه الأمور تعد لبنات صغيرة للنجاح الرقمي.
التضليل وسيلة العمل؟
هناك قاسم مشترك بين جميع العروض، وهو أنها أكثر عاطفية. يقول هيلجى، مستشار الإتصالات: "أعتقد أن العاطفة بمعنى التواصل القائم على القيمة له أهمية كبيرة للنجاح على وسائل التواصل الاجتماعي". وتابع "لسوء الحظ، يحدث في كثير من الأحيان أن يتم الخلط بين العاطفة وعدم اللامبالاة لدى الأحزاب الأخرى".
كتب هيلجى كتاباً عن استراتيجية حزب البديل من أجل ألمانيا على الإنترنت، وحذر من أن الحزب يسعى لإنشاء "مجتمع معلومات مضلل يميني راديكالي" "من خلال أجهزته الإعلامية. فقد كانت التقارير الكاذبة والمعلومات المضللة جزءاً لا يتجزأ من حملات حزب البديل من أجل ألمانيا منذ البداية. سبق أن زعم أعضاء بأن المستشارة أنغيلا ميركل ستغادر منصبها خلال وجودها في الحجر الصحي بعد الإصابة بفيروس كورونا (لم تفعل)، و في بعض الأحيان يتم تداول اقتباسات مفتراة على أفواه السياسيين المعارضين.من جهة أخرى يبدو أن الحزب يحذو حذو الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي لم يكترث كثيراً بالحقيقة في تصريحاته على "تويتر". كل ما يهم هو جذب الانتباه.
يُظهر تحليل DW لأحد مقاطع الفيديو على يوتيوب والذي يعود إلى عضو حزب البديل من أجل ألمانيا في البرلمان، شتيفان براندر، استراتيجية مماثلة. من جانبه يرفض الحزب مثل هذه الاتهامات. وقال ماريو هاو، رئيس فريق وسائل التواصل الاجتماعي في الكتلة البرلمانية لحزب البديل من أجل ألمانيا ، لـ DW عن عمل الكتلة البرلمانية: "نعتمد في كل شيء بالأساس على الحقائق. على سبيل المثال، على الإستفسارات والأبحاث، نحن لا ننتج أخباراً كاذبة".
"الغرب المتوحش على الإنترنت"
في ضوء الأهمية المتزايدة التي باتت تحظى بها وسائل التواصل الاجتماعي، يدعو تحالف مدني للنقابات العمالية والمبادرات في ألمانيا الأحزاب إلى الالتزام بحملة انتخابية نزيهة وشفافة على الإنترنت وضرورة تصنيف الرسائل السياسية المدفوعة. بالإضافة إلى حذف تعليقات الكراهية على المنشورات بشكل مسؤول. يشير فيليكس كارته من مبادرة "إعادة الضبط" (Reset) إلى أنه منذ مدة طويلة كانت هناك قواعد صارمة للحملات الإنتخابية في الشوارع ولإعلانات الانتخابات على التلفزيون. "ولكن لا يتم تطبيق أي من هذه القواعد على الإنترنت. إنها تشبه الغرب المتوحش على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تصب في صالح حزب البديل من أجل ألمانيا إلى حد كبير"، كما يقول القائم على المبادرة.
من جانبه يرفض حزب البديل من أجل ألمانيا دعوات جميع الأحزاب السياسية إلى الالتزام بحملة انتخابية نزيهة وشفافة. وفي مقابلة مع DW، وصف الناطق الصحفي باسم الكتلة البرلمانية لحزب البديل من أجل ألمانيا، ماركوس شميت، مثل هذه المبادرات بأنها "استعراض" يسعى إلى تشويه سمعة حزبه.
في مواجهة المعلومات الخاطئة، يرى النقاد أن المسؤولية تقع على شركات التكنولوجيا الكبرى. "مهمة المنصات هي عدم مساعدة المقالات التي تحتوي على معلومات كاذبة والأكاذيب حتى لا تصل إلى مستويات أعلى من المتابعة والتفاعل"، كما يطالب يوهانس هيلجى، مستشار الاتصالات. بالإضافة إلى ذلك، يطالب بضرورة إعلام المستخدمين بالتقارير الكاذبة.
هانس بفايفر/ إ.م