الإعلامية الموريتانية..طموح يواجه قيود المجتمع
١١ أبريل ٢٠١٤شهدت الساحة الإعلامية الموريتانية خلال السنوات الخمس الأخيرة ولوجاً قويا للمرأة الإعلامية، سواء تعلق الأمر بدورها كصحفية مذيعة لنشرات الأخبار أو منتجة ومعدة للبرامج الإخبارية أو محررة في الصحف الورقية أو المواقع الإلكترونية. وهو حضور ساهم في تغيير الصورة النمطية للمرأة في المشهد الإعلامي الموريتاني. تلك الصورة التي ارتبطت في أذهان الكثيرين بعدم قابلية المرأة لأن تكون مصدرا للمعلومة الدقيقة، وبارتباطها عادةً في المخيلة الاجتماعية بالثقافة الشائعة، وبعدم التحري في الوصول إلى المصادر الموثوق بها.
لكن الحضور الجديد للمرأة الإعلامية في موريتانيا بدأ يتجاوز مجرد شغلها للأدوار الثانوية في المؤسسات الإعلامية إلى الإسهام في صناعة المادة الإعلامية. وذلك من خلال المشاركة في التأثير في صنع القرار وتوجيه الرأي العام، ومن هنا جاءت مبادرات إعلامية نسائية مثل: موقع حذام ، موريتانينا ، الريم ... وغيرها.
إرادة سياسية لتحرير الإعلام
هذا الحضور الإعلامي يبرره عبد الله ولد حرمة الله مدير إدارة الصحافة الإلكترونية بموريتانيا في حديث لـ DW حين يقول: "رغم أنه ليست لدي إحصائيات دقيقة لعدد المؤسسات الإعلامية التي تديرها نساء إلا أنني أستشعر مناخ الحرية الذي باتت فيه المرأة تنعم بسهولة الولوج إلى عالم ظل إلى عهد قريب حكرا على الرجل. وبتصوري أن الإجراءات التي قام بها النظام الحالي من إلغاء لعقوبة حبس الصحفيين ومنع المصادرة وتحسين أوضاع المؤسسات الصحفية دفع الكثيرات إلى فتح مؤسسات إعلامية خاصة في مختلف مجالات الإعلام بغض النظر عن عددها".
وأضاف ولد حرمة الله أن هؤلاء النساء استطعن تجاوز المحاذير التى ظل يضعها المجتمع في طريقهن، بل إن المرأة صاحبة المبادرة أو المديرة أو الإعلامية أثبتت لدى المجتمع الموريتاني أنها أكثر قبولا من الرجل نظرا لتحملها للمسؤولية الأخلاقية ولعدم تورطها في اختلاس المال العام".
وإذا كان عبد الله ينطلق في رؤيته تلك من موقعه كرجل متابع للساحة الإعلامية، فما هو رأي الإعلامية الموريتانية نفسها؟ السالمة منت الشيخ الولي صحفية موريتانية شابة، وإحدى مؤسسات موقع حذام الإلكتروني الذي يهتم بقضايا المرأة العربية، تلخص أبرز التحديات التى تواجهها في "الاضطراب والهشاشة التي تطبع المؤسسات الإعلامية في موريتانيا بشكل عام، من حيث نقص التمويل وقلة الخبرة. فضلا عن كون الساحة الإعلامية الموريتانية لم تتمكن لحد الآن من غربلة الإعلاميات الحقيقيات القادرات على البقاء في الساحة، وذلك بسبب كثرة الوافدات على الحقل الإعلامي ممن لا تربطهن أية علاقة بالإعلام، ونحن نعلق الآمال على السنوات القادمة كي تتحقق قاعدة البقاء للأصلح".
البقاء للأصلح
وتؤكد منت الشيخ الولي خلال حديثها لـ DW على أن ذلك يتطلب المزيد من الصبر "مادمنا تمكنا من تجاوز القيود الاجتماعية التي كانت تمنع المرأة من الولوج إلى الإعلام، حيث غيرنا الصورة الذهنية للمرأة لدى المتلقى الذي أصبح يتعاطى معنا بشكل إيجابي باعتبارنا مرجعا للخبر المتعلق بالمرأة الموريتانية والعربية".
منت الشيخ الولي وزيملاتها الصحفيات يسعين إلى تجاوز النمط التقليدي لتغطية قضايا المرأة، كما تقول، ويؤصلن لنمط جديد يقوم على تقديم المرأة العربية بعيدا عن قضايا الزينة والحمية وغيرها.
وتشرح قائلة: "تعود المجتمع الموريتاني والعربي عموما على متابعة إعلام نسائي غير منتج ولا يقدم وجهة نظر، بينما نحن نسعى إلى تغيير ذلك بتركيزنا على المرأة الوزيرة والسياسية والشاعرة والكاتبة وبائعة الكسكس. ولهذا استطعنا تقديم صورة مغايرة لسيدات صنعن مكانا لهن في دول مثل الصومال وجيبوتى وجزر القمر".
وإذا كانت منت الشيخ الولي تعتبر أكثر تفاؤلا تجاه واقع المرأة الإعلامية اليوم في موريتانيا، فإن مقدمة البرامج الاجتماعية المعروفة مريم منت اسباعي ترى الواقع بشكل مغاير إلى حد ما "حيث مازال حضور المرأة الإعلامية يقتصر على لعب دور الواجهة الإعلامية دون أن يكون لها أي تأثير في الواقع".
واجهة إعلامية
والسبب، بحسب منت إسباعي، يعود إلى "تأثير العادات الاجتماعية التي لا يرى أصحابها في المرأة الإعلامية سوى مذيعة جميلة الشكل، بالإضافة الى عدم رغبة صناع القرار في دعمها حتى تكون فاعلة وموجهة. ولهذا من الصعب أن يتم الاعتماد عليها في تقديم البرامج السياسية التى تؤثر على الرأي العام كما لا يتم تعيينها في المناصب التي تسمح لها بالتأثير في سياسات المؤسسات الإعلامية".
ورغم كل ذلك تحاول منت اسباعي من خلال إدارة مؤسستها الإعلامية الخاصة "موريتانينا" أن تركز على التحقيقات الاجتماعية الجريئة، محاولة قدر الإمكان مواجهة التحديات الكثيرة التي تعترضها كعدم رغبة الكثيرين في الكشف عن هوياتهم أو ذكر أسماهم أو نشر صورهم في قضايا مثيرة كالتحرش مثلا. وترفض المذيعة الشابة الغالية منت أعمر شين أن يكون السبب في منع المرأة من تبوّؤ مراكز التأثير في المؤسسات الإعلامية عائد إلى ضعف المستوى، وإنما يعود الأمر إلى رواسب نظرة المجتمع أصلا لعمل المرأة.
وأضافت لـ DW "من خلال عملي في مجال الإعلام منذ عشر سنوات أحس دائما بأن هنالك تهميشا للمرأة الصحفية، إذ لا تسند إليها المهام الثقيلة كالبرامج السياسية أو مرافقة المسؤولين أو مرافقة الرئيس في أسفاره خارج البلاد او داخلها". وطالبت منت أعمر شين بأن يكون لدى المرأة الصحفية الإرادة القوية لتحدي تلك النظرة.