مصر وتركيا.. عودة العلاقات عبر إسكات الإعلام المعارض؟
٢٥ يونيو ٢٠٢١على مدار قرابة سبع سنوات، لم تكن تركيا فقط ملاذاً للسياسيين المعارضين المصريين، شأنها شأن دول كثيرة عبر العالم استقبلتهم سواء عبر اجراءات الهجرة أو اجراءات اللجوء، ولكنها شكّلت المكان الأبرز لما يُعرف بالإعلام المعارض المصري.
ومن الأراضي التركية كانت تبث مجموعة من القنوات المصرية التي تتخذ من انتقاد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي أساساً للعمل، وحظيت هذه القنوات بشعبية كبيرة داخل مصر وخارجها، ومن الأدلة على ذلك الأرقام الكبيرة التي حققها إعلاميوها على مواقع التواصل. غير أن التغيّر الحاصل في العلاقة المصرية-التركية منذ أشهر أضحى يهدّد بشكل كبير استمرار هذه القنوات.
آخر الفصول توصّل مجموعة من الإعلاميين المصريين في هذه القنوات ببلاغ من الحكومة التركية يطلب منهم تعليق نشاطهم الإعلامي، سواء على قنواتهم الفضائية، أو على مواقع التواصل بما في ذلك حساباتهم الشخصية، وذكر موقع عربي 21 أن الإعلاميين المقصودين هم معتز مطر، ومحمد علي ناصر، حمزة زوبع، وهشام عبد الله.
وأكد محمد ناصر الخبرَ، ونشر مقطع فيديو على قناته في يوتيوب، عنونه بـ"لا نقول وداعاً، ولكن إلى لقاء"، ذكر فيه أنه سيغيب عن مواقع التواصل "ليس برغبة منه ولكنها لظروف لم تعد تخفى على أحد"، وأضاف أن الغياب "ليس انسحاباً ولا هزيمة وإنما جولة بعد جولات".
معتز مطر بدوره أكد الخبر بدوره، وقال في حلقة خاصة على برنامجه "مع معتز" إنه لأول مرة يطلب منهم إيقاف البرنامج تماما تلفزيونيا أو من خلال مواقع التواصل"، إذ كانت حلقة يوم 24 يونيو آخر حلقة إلى "حين".
لكن معتز مطر ذكر أن الأمر مجرد "استراحة محارب"، لافتا إلى أن الخلاف الحالي بين مصر وتركيا في المفاوضات الجارية يعود إلى الوضع في ليبيا وكذلك إلى استمرار برنامجه.
وأشار معتز صاحب البرنامج الشهير "مع معتز" الذي كان يبث على قناة الشرق، أنه بعد التقارب التركي-المصري وقعت مساومة بأن يتم اعتراف القاهرة بحقوق تركيا في البحر المتوسط مقابل تغيير خط برنامجه وتجاهله في برنامجه للسيسي واثنين من معاونيه، لكن رفض ذلك.
وقرر معتز لاحقاً ألا يكون عبئا على تركيا ولا على قناة "الشرق" وفق قوله، ولذلك توقف البرنامج على القناة واستمر على يوتيوب فقط لبضعة أسابيع كما انفصل هو عن القناة، لكن بقي النظام المصري يضغط حتى جاء القرار بوقف تام للبرنامج على كل الأصعدة.
صفقة إسكات الإعلام المعارض
توترت علاقة مصر وتركيا بسبب موقف هذه الأخيرة من عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي ثم احتضانها لقيادات معارضة بينها قيادات إخوانية ثم نشاط القنوات الإعلامية المعارضة. ضغط أنقرة على الإعلاميين المعارضين لوقف برامجهم سيسرّ القاهرة، لكن ليس ذلك هو السبب الوحيد الذي يعرقل تقوية العلاقات.
ولا يخفي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغبته بعودة العلاقات مع مصر، وأكد قبل أيام لقناة محلية أن "بلاده تأمل في زيادة تعاونها مع مصر ودول الخليج إلى أقصى حد على أساس نهج يحقق الفائدة للجميع"، وذلك بعد مفاوضات جرت في القاهرة بين وفد تركي ومسؤولين مصريين، غير أنه في الجانب الآخر، لا يزال هناك تحفظ مصري، ومن ذلك ما صرّح به وزير الخارجية المصري سامح شكري بأن "الأقوال وحدها لا تكفي".
ويرى سمير صالحة، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كوجالي التركية، أن الشق الإعلامي ليس سوى أحد ملفات الخلاف بين الجانبين، وأنه لا يشفي غليل المطالب المصرية التي تتجاوز ذلك لطلب تسليم قيادات إخوانية محكوم عليها غيابيا في مصر، ومنهم محكومون بالإعدام، أو حتى أن يتم إخبار مصر برحيلهم عن تركيا في حال قرّروا ذلك.
وفي تصريحات لـDW عربية استبعد صالحة أن تقوم أنقرة بتسليمهم للقاهرة ما دام ذلك يتعارض مع تعهداتها الحقوقية الدولية، خصوصاً أن عدداً من هذه القيادات حصلوا على الجنسية التركية وقد تكون الجنسية المصرية قد أُسقطت عنهم نظير حيازة الجنسية الجديدة.
ونقل موقع قناة "العربية" السعودية نقلاً عن مصادر مصرية أن القاهرة هددت بتعليق التنسيق الأمني مع تركيا إن استمرت قوات هذه الأخيرة في ليبيا، كما لن تتنازل عن تسلّم عناصر مطلوبة أمنياً، كما أبدت القاهرة استياءها من مواقف مسؤولين أتراك، منهم ياسين أكطاي، مستشار أردوغان. كما ذكر موقع قناة "الشرق" السعودية (تبث من دبي) أن القاهرة رفضت إرسال وفد للتفاوض في تركيا إلّا في حالة الاستجابة لشروطها.
وأرسلت أنقرة رسائل مسبقة عبر مستشارها ياسين أكطاي بأنها ترفض التماهي مع سياسة السيسي في الحكم بإعدام الإخوان المعارضين، ولم يتخل المستشار في مقال رأي عن وصف صعود عبد الفتاح السيسي للسلطة بـ"الانقلاب العسكري" وما رافقه من "قتل أكثر من ألف إنسان بأقسى الطرق وحشية".
وندّد المستشار في مقاله بقرارات الإعدام التي أعلنتها المحاكم المصرية (آخرها إصدار قرار بإعدام 12 قياديا إخوانيا"، معتبراً أن الإعدامات السياسية "تتحول إلى جريمة ضد الإنسانية لا تهم مصر وحدها، بل الإنسانية جمعاء".
صحافيون مصريون كورقة سياسية؟
بيدَ أن الواقع الإعلامي في تركيا لا يجعل منها مكانا لحرية الرأي والتعبير، ففي الوقت الذي تحتل فيه مصر المركز 166 في سلّم منظمة "مراسلون بلا حدود"، تحتل تركيا المرتبة 153 عالمياً على السلم نفسه، وتضع المنظمة ذاتها تركيا "ضمن قائمة أكبر السجون بالنسبة للفاعلين الإعلاميين في العالم".
وتُتهم أنقرة بأن احتضانها لقنوات عربية تبث محتوى معارضاً ضد دول متعددة تعرف انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان كمصر جاء في سياق توتر علاقات الطرفين، ما يعني استخدام الإعلام كورقة، عكس قنوات عربية أخرى معارضة تنشط في دول تحظى بعلاقات مستمرة مع مصر كبريطانيا، ويُتوقع أن ينتقل عدد من الإعلاميين المصريين المعارضين إليها قادمين من تركيا بعد الضغط عليهم هناك.
ويرى سمير صالحة أن استقبال تركيا للمعارضين المصريين كان لأسباب إنسانية واجتماعية، لكن كذلك لا يمكن فصله عن إطار توتر العلاقات المصرية- التركية، ولا يعتقد صالحة أن التقارب المصري-التركي سيجعل تركيا تتخلى عن التزاماتها الإنسانية تجاههم، وأن التغيير الذي سيحصل هو أن تطلب من الإعلاميين المصريين التقيّد بتدابير معينة في خطابهم تجاه مصر/ الهدف منها عدم الإضرار بالعلاقات الجديدة بين الدولتين.
وإلى حد كتابة هذا التقرير، لا يوجد إجراء تركي بإغلاق القنوات المصرية العاملة فوق أراضيها، وهو ما أكده الليبرالي أيمن نور مالك قناة "الشرق" لقناة الحرة.
وهناك توقعات بأن لا ترمي أنقرة كل ما تملكه من بيض في سلة واحدة وألّا تستجيب بالمطلق للمطالب المصرية، ما قد يجعل القاهرة تتنازل عن بعض المطالب في سبيل إنجاح العلاقة الجديدة، أو أن يصل التفاوض بين الجانبين لطريق مسدود رغم الرغبة التركية الجارفة، وبالتالي تسحب أنقرة القيود التي وضعتها على القنوات المصرية المعارضة.
وسألت DW مسؤولين بمنظمة "مراسلون بلا حدود" إن كانت المنظمة التي يوجد مقرها بباريس قد توصلت بمعلومات حول اجراءات جديدة من السلطات التركية بحق صحافيين مصريين معارضين، وما هي الخطوات التي يمكن أن تتخذها المنظمة الدولية المدافعة عن حقوق الصحافيين وحرية الصحافة، لحماية هؤلاء الصحافيين. لكن لم يتسن لـ DW الحصول على رد من المنظمة.
إسماعيل عزام