الإرهاب العالمي تحت مجهر ألماني ـ تهديد للديمقراطية وعسكرة للمجتمع
٢٥ فبراير ٢٠٠٧تميزت السنوات الأخيرة بصدور كتب عديدة حول ظاهرة الإرهاب. الجديد في هذا السياق، هو أن دراسة هذه الظاهرة لم تعد حكرا على المتخصصين في شؤون الأمن الدولي أو السياسة أو العلوم الإسلامية، بل إن مثقفين من طراز آخر أدلوا بدلوهم في هذا المجال. ويعد الفيلسوف الألماني الشهير يورغن هابرماس، الذي وصفه وزير الخارجية السابق يوشكا فيشر بـأنه "يجسد الفكر النقدي في جمهورية ألمانيا الاتحادية"، و المفكر متعدد المواهب والاهتمامات هانس ماغنوس إنسنسبرغر، أبرز الأمثلة على ذلك في الخطاب الفكري الألماني المعاصر.
يورغن هابرماس: "القومية أصل مشكلة الإرهاب"
يرى هابرماس في مشكلة القومية أصل مشكلة الإرهاب. ويؤكد بأن أغلب أعضاء الحركات الجهادية الجديدة، كانوا في الماضي القريب، قوميين علمانيين. لقد ولد الإرهاب إذاً، حسب هابرماس، من رحم حركات التحرر الوطنية، التي وصلت إلى السلطة وأخفقت في الخروج ببلدانها من التخلف الاقتصادي والاجتماعي. الغضب على هذا الإخفاق كما حدث في إيران أو العراق أو السعودية أو حتى باكستان، دفع الجيل الجديد إلى استبدال نظرته السياسية العلمانية بالدين.
وفضلا عن ذلك يعتقد هابرماس أن أحد أكبر الأخطار المرتبطة بالإرهاب يكمن في تضييق الخناق على الحقوق المدنية في الدول الغربية، وهو ما يشكل "أكبر نجاح يحققه هذا الإرهاب"، مشيرا إلى ما عاينه في الولايات المتحدة الأمريكية بعد عمليات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، من عسكرة للمجتمع، وإفراط في النزعة القومية، ما من شأنه أن يعصف بقيم المجتمع المفتوح.
وانسجاما مع رؤيته النقدية، يرفض هابرماس نظرية صراع الثقافات لهنتنغتون، ويرى بأن الأسباب الكامنة وراء الإرهاب اقتصادية أكثر منها ثقافية، مطالبا بضرورة تصحيح سير العولمة. غير أن هابرماس يعتقد أن ذلك لن يتم دون خلق علاقات ديمقراطية وعادلة ومتحررة من النزعات الاستعمارية بين دول الشمال ودول الجنوب، مؤكدا بأن "الديمقراطية ليست نظاما للاستهلاك السلعي، ولا يجب اختزالها في آلية لتنظيم الأسواق."
انسنسبرغر: "الإرهابي خاسر راديكالي"
أما الكاتب والناشر والمفكر انسنسبرغر فيري بأن "الخاسر الراديكالي"، وهو الاسم الذي يطلقه على الإرهابي، يتحول الى خطر كبير حين يجد مجتمعا أو حركة أو أيديولوجيا تتماهي معه، وتعترف به وتحتفي بقدرته على اجتراح الموت. ويضرب انسنسبرغر مثلا بالايدولوجيا النازية والشيوعية وبكل الإيديولوجيات العرقية التي بإمكانها أن تشحذ الخاسر الراديكالي وتشرعن أعماله، بل وتسمو بها إلى مصاف الأعمال المقدسة. ولا يهدف الخاسر الراديكالي، في نظر انسنسبرغر، الى تحقيق النصر بالضرورة، بل هدفه الأساس هو التدمير الذاتي وتدمير الآخرين معه. وهو يضرب مثلا في هذا السياق بالقومية الاشتراكية (النازية) وزعيمها هتلر، ويرى بأن الخاسر الراديكالي لا يؤمن بالحلول الوسطى ولا بالمفاوضات ولا يطلب الإجماع، بل إن "هدفه يتمثل بالانتحار الاجتماعي." ولا شك أن هذه الكلمات تحمل أكثر من دلالة إذا ما قرأناها في سياق الحرب الدائرة اليوم في العراق، والتي قد تدور رحاها غدا في دول عربية أخرى لم تتجاوز بعد ذهنية الخاسر الراديكالي.
ويربط انسنسبرغر بين الإيديولوجية الاسلاموية والتوتاليتارية (الشمولية)، التي عرفها القرن الماضي من نازية وشيوعية، فالاسلامويين الجدد لم يتأثروا فقط بالتفكير النازي والشيوعي المعادي للغرب ولليهود الكوسموبوليتيين وبالحداثة عموما، بل تأثروا أيضا بالوسائل العملية والتنظيمية لهذه الأنظمة التوتاليتارية القائمة على الإرهاب والاغتيال والتخويف الجماعي.
ويرى انسنسبرغر بأن الخطر الاسلاموي يتمثل في "تقوية الجهاز الأمني في المجتمعات الغربية وشركات التسلح وسن قوانين تضيق الحريات العامة باسم حماية الأمن القومي". لكنه يرى الخطر الأكبر للإرهاب كامناً في إمكانية التأثر بلغة الخصم وخطابه ووجهة نظره الأحادية البعد، على غرار سياسة الولايات المتحدة بعد عمليات الحادي عشر من سبتمبر، من غوانتنامو وحتى أبو غريب.