دولة القانون أمام تحدي الإرهاب ـ التجربة الأوروبية نموذجاً
٢٠ فبراير ٢٠٠٧أثار قرار القضاء الألماني الإفراج عن القيادية السابقة في منظمة الجيش الأحمر برجيتا مونهاوبت جدلا حادا في ألمانيا حول كيفية التعاطي مع الإرهابيين السابقين، اللذين هددوا كيان الديمقراطية الألمانية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. كما أحيى هذه التطور لدى الألمان مزيجاً من الذكريات الأليمة المرتبطة بأعمال عنف دموية قامت منظمة "تحالف الجيش الأحمر" باقترافها. الجدير بالذكر أن الحركات اليسارية المتطرفة قامت بأعمال إرهابية ليس فقط في ألمانيا، بل أيضا في بعض الدول الأوربية مثل فرنسا وايطاليا. ووصلت هذه الأعمال الإرهابية إلى حد اختطاف رئس الوزراء الإيطالي الأسبق الدو مورو عام 1978 على يد منظمة "الألوية الحمراء" وقتله، الأمر الذي تسبب حينها في اهتزاز كيان المجتمع الإيطالي آنذاك.
"العنف الثوري" عقيدة الحركات اليسارية المتطرفة
وحسب تحليل رالف توبهوفن، مدير معهد بحوث الإرهاب والسياسة الأمنية الألماني، فإن هذه الحركات، التي أطلقت على نفسها في ألمانيا اسم "تحالف الجيش الأحمر"، وفي ايطاليا "الألوية الحمراء" وفي فرنسا "العمل المباشر" كانت "تسعى إلى تكوين جبهة أوروبية مضادة للرأسمالية."
ويضيف الخبير الألماني في إطار وصفه لدوافع نشطاء هذه المنظمات: "كان نضالهم موجها ضد مؤسسة الدولة وضد الاستغلال الرأسمالي ومن أجل خدمة الطبقة العاملة. لقد سعوا إلى إعادة تشكيل المجتمع على أساس النهج الاشتراكي ـ اللينيني". وفي هذا السياق ينبغي الإشارة إلى أن قادة الحركة المتمثلين بمجموعة من الطلاب والمثقفين آمنوا بقدرتهم على إشعال انتفاضة جماهيرية شيوعية عن طريق تعبئة الطبقة العاملة. كما ركزت آليات عمل هذه الحركات على القيام باغتيال كبار المسئولين في مؤسسات الدولة بهدف استفزاز الحكومة وحملها على إقامة دولة بوليسية، الأمر الذي كان يفترض انه سوف يمهد الطريق للشيوعية كبديل مرغوب جماهيريا.
"العنف لا يولد إلا العنف"
لكن هذه السلوكيات الدموية لم تجد بطبيعة الحال التأييد الشعبي، بل إنها ألبت الرأي العام على هذه الحركات، كما دفعت السلطات الأمنية إلى ملاحقة قياداتها وأعضائها ومحاكمتهم والزج بها في السجون. فألمانيا مثلا تمكنت بالتدريج من اعتقال غالبية قيادات وأعضاء "تحالف الجيش الأحمر" ومحاكمتهم. وقد انتحر فيما بعد بعضهم في السجن، بينما قامت المنظمة بحل نفسها في عام 1990 بعد أن أعلنت فشلها واعترفت بأن نضالها "غير مجد". يشار هنا إلى أن بعض أعضاء وقيادات الجيش الأحمر تحولوا إلى العمل السياسي السلمي والعمل في إطار مؤسسات الدولة الديمقراطية. وقد ساهم الأسلوب الذي اتبعته السلطات الحكومية في مواجهة عنف هذه الحركات في تفكيكها، فهي لم تواجه العنف بالعنف فقط، بل لجأت إلى إتباع طريقة تفريغ هذه الحركات من الداخل من جهة، والاحتكام إلى المؤسسات الديمقراطية والقانونية، بدلا من الاقتصار فقط على الاجراءت البوليسية أو الاستخدام المفرط للقوة في مواجهة الإرهاب.
غياب القاعدة الشعبية للحركات الإرهابية
وحسب الخبير الألماني توبهوفن كانت ايطاليا السباقة في هذا المجال، حيث منحت السلطات القانونية هناك صفة "الشاهد الملك" لكوادر المنظمات الإرهابية التي تتعاون معها، وبالتالي كانت الأحكام مخففة عليهم وهو ما أدى إلى انهيار منظمة ألوية الجيش الأحمر في عام 1982. كما اتبعت ألمانيا بعد ذلك الأسلوب نفسه مع منظمة الجيش الأحمر. فبالرغم من انه قد حكم على قيادات وأعضاء هذه المنظمة بالسجن المؤبد، إلا انه أطلق سراح الكثيرين منهم، ولم يبق سوى ثلاثة منهم في السجن، من المتوقع أن يفرج عنهم في عام 2009. وعلى النقيض من ذلك لا تزال غالبية أعضاء "الألوية الحمراء" في ايطاليا و"العمل المباشر" في فرنسا خلف القضبان.
وفضلا عن ذلك فإن هذه الحركات لم تنجح في استقطاب القاعدة الشعبية التي كانت تراهن عليها والمتمثلة في الطبقة العاملة، لأنه كان بمقدور الطبقة العمالية في ألمانيا الغربية سابقا معرفة طبيعة الحياة الصعبة في ظل الشيوعية في ألمانيا الشرقية المجاورة والـتأكد من سوء النظام الشيوعي. كما أن الحقوق القانونية والمميزات التي حصلت عليها هذه الطبقة في المجتمع الرأسمالي الألماني كانت كفيلة بتحصينها من الاختراق الإيديولوجي الإرهابي وجرها إلى حلبة الصراع الطبقي الذي بشرت به الماركسية.
إينا روتشايدت / إعداد: عبده جميل المخلافي