الأنظمة الدكتاتورية تقمع شعوبها بأنظمة تجسس مصنعة في الغرب
٢ يناير ٢٠١٢استعانت الأنظمة القمعية في الآونة الأخيرة بتكنولوجيا حديثة تراقب عمل الإنترنيت وتتجسس على الناشطين السياسيين المعارضين لها، فعلى سبيل المثال استعملت السلطات السورية برامج مراقبة لغلق مواقع المعارضة ومنع تدفق المعلومات التي تشجب النظام، وأغلب هذه البرامج مصنع في الولايات المتحدة. والنظام الإيراني اشترى أنظمة تجسس على الرسائل الالكترونية من شركة "ألوت" الإسرائيلية عن طريق شركة دنمركية، رغم العداء الكبير والحظر الاقتصادي بين البلدين.
وبعد سقوط نظامي مبارك والقذافي وجد الثوار في مراكز الأمن التابعة للنظامين المنهارين اتفاقيات شراء عقدتها هذه الأنظمة الديكتاتورية مع شركات غربية لتزويدها بأجهزة تجسس لمراقبة الإنترنيت، مما يشير بوضوح إلى أن الأنظمة القمعية في العالم تحاول بالاستعانة بتكنولوجيا مصنعة في الغرب لإسكات أصوات الاحتجاجات ولمنع حرية التعبير في الشبكة الالكترونية ولملاحقة معارضي النظام في تلك البلدان.
تحايل على الحظر الاقتصادي
ووفقاً لتقرير نشرته الخدمة الاقتصادية لمؤسسة بلومبيرغ الإعلامية، استعان النظام السوري بعد الاحتجاجات الأخيرة ببرامج ومهندسي شركة "أريا أس با" الايطالية المختصة بأنظمة التجسس على البيانات الالكترونية لمساعدة النظام في مراقبة معارضي نظام البعث في سوريا وملاحقتهم. ونقلت مؤسسة بلومبيرغ عن أحد العاملين السابقين في الشركة أنه "بعد بدء الأحداث الأخيرة في سوريا، تم إرسال مهندسي الشركة إلى سوريا في وجبات عمل إضافية لإتمام تنصيب نظام التجسس هناك". بلوميبرغ أشارت أيضاً إلى أن أنظمة القمع الأمنية السورية وباستخدام تكنولوجيا شركة "أريا أس با" الايطالية نجحت في تعقب معارضي النظام عن طريق تجسسها على معلوماتهم الالكترونية في الإنترنيت ومراقبتها لهواتفهم النقالة.
المثير في الأمر أيضاً أن الشركة الايطالية استطاعت تزويد النظام السوري بهذه الأنظمة بالتعاون مع شركات ألمانية وأمريكية، إذ استخدمت تكنولوجيا خاصة بالتجسس من صنع شركة "نيت أب" الأمريكية التي يمنع إرسالها مباشرة إلى سوريا بسبب الحظر الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة ضد نظام الأسد. وتعاونت شركة "أريا أس با" الايطالية أيضاً مع شركة "التيماكو" الألمانية، التي تتخذ من مدينة فرانكفورت مقراً لها.
برامج التجسس تملئ الأسواق وسهلة الاقتناء
ايفكيني موروتسوف، الأستاذ المحاضر في جامعة ستانفورد الأمريكية، انتقد أسلوب الرقابة المتبع في الغرب على بيع هذه التكنولوجيا المتطورة إلى الدول القمعية، حيث وصف مثلاً عملية شراء أنظمة تجسس من الولايات المتحدة بأنه أسهل من فتح حساب مصرفي هناك. موروتسوف، الذي ينحدر أصلاً من إحدى الدول القمعية وهي روسيا البيضاء، شبه العلاقة التي تربط هذه الشركات المصنعة لتكنولوجيا التجسس مع الأنظمة القمعية بـ"زواج من الجحيم"، مشيراً إلى أنه سيسلط الضوء على هذه المسالة الحساسة في محاضرته التي سيلقيها في الكلمة الافتتاحية للاجتماع القادم لاتحاد قراصنة الحاسوب في ألمانيا المعروف باسم "كاوس كمبيوتر كلوب Chaos Computer Clubs" أو "نادي فوضى الحاسوب".
ويعتبر خبراء اتحاد قراصنة الحاسوب في ألمانيا من الخبراء المهمين في شؤون القرصنة والتجسس في الإنترنيت بألمانيا ويتم الاستعانة بهم في بعض الأحيان من قبل الدوائر الأمنية والتشريعية الألمانية كخبراء مختصين في هذا الأمر. ويعرف عن هذا الاتحاد معارضته الشديدة لاستخدام برامج التجسس من قبل الشرطة والأمن في ألمانيا.
نظام عقوبات غير فعال
وينتقد الخبير في شؤون التجسس من خلال الإنترنيت ايفكيني موروتسوف نظام العقوبات الحالي المفروض على الأنظمة القمعية كسوريا وإيران، إذ تتخلله الكثير من الثغرات، إذ يتم مثلاً بسبب هذا الحظر إيقاف استعمال برنامج المحادثة الأمريكي "سكايب" في سوريا. وبسبب إيقاف سكايب عن العمل يتضرر فقط المستخدم البسيط لهذا البرنامج الذي يفضله السوريون للاتصال بمعارفهم وأقاربهم المقيمين في خارج سوريا بسبب خاصيته الصوتية والأمنية المتميزة. وفي الوقت نفسه يتم إبرام صفقات تجارية كبيرة لبيع أجهزة وبرامج تجسس مصنعة في الغرب، كبرامج شركة "نيت أب" الأمريكية، إلى هذه الدول القمعية.
استعمال مزدوج لبرامج التجسس
الخبير موروتسوف ينوه إلى أن برامج التجسس المصنعة في الغرب أُنتجت أصلاً للاستعمال المحلي، حيث تستعملها الشرطة والأمن الداخلي في البلدان الغربية لمكافحة الجريمة في الإنترنيت ولمتابعة ملف الإرهاب. أما الأنظمة القمعية فتستخدمها من أجل تقويض حرية التعبير وملاحقة الخصوم السياسيين، لذلك ينصح موروتسوف الشركات الغربية مراعاة الاستخدام المزدوج لهذه البرامج في المستقبل.
زمن البدري/ ماتياس بولينغر
مراجعة : عماد غانم