بعد سلسلة من فضائح التجسس ـ مؤتمر في برلين لمناقشة سبل حماية البيانات الشخصية
٥ مايو ٢٠٠٩انطلقت اليوم (05 مايو/أيار) في برلين أعمال مؤتمر حول سبل تحسين حماية البيانات الشخصية للمواطنين. ويشارك في هذا المؤتمر، الذي يستمر يومين، عدد من رجال السياسة والاقتصاد والمصالح الإدارية. وتخيم على أجواء هذا المؤتمر تداعيات عدد من الفضائح حول انتهاك سريّة البيانات الشخصية في عدد من الشركات الألمانية وكذلك في عدد من المحلاّت التجارية الكبرى في ألمانيا. هذا الأمر جعل من النظر في مطالب المنادين بتشديد القوانين لحماية البيانات الشخصية للموظفين، أكثر إلحاحا من ذي قبل. بيد أنّه، وعلى الرغم من صياغة عدد من مشاريع القوانين بهذا الشأن، إلاّ أن تطبيقها على أرض الواقع مازال أمرا بعيد المنال.
فجوة قانونية اتسعت بتطور وسائل الاتصال
وفي هذا السياق طالب آليكسندر ديكس، مفوّض ولاية برلين في شؤون حماية البيانات الشخصية، بوضع قوانين أكثر دقة وتشدّدا، مشيرا إلى أن القوانين الحالية تتسم بصياغة عامّة، علاوة على أنه تمت المصادقة عليها قبل عشرات السنين، أي أنّها لا تشمل كلّ المجالات، لاسيما مع تطوّر وسائل الاتصال والانترنيت وبالتالي تطوّر وسائل التجسّس. وفي سياق متّصل شدّد ديكس على "ضرورة حظر التجسّس على البيانات الشخصية للموظفين وتجميع المعلومات عنهم بهدف التأكد من شكوك تحوم حولهم". وأشار المسؤول الألماني إلى وجود ثغرات قانونية في مجال حماية البيانات الشخصية، مطالبا المُشرّع في بلاده بضرورة ملئ هذه الفجوة.
وطالب ديكس ليس فقط تشديد القوانين فحسب، وإنّما أيضا بضرورة تعويض ضحايا فضائح انتهاك سرية البيانات الشخصية للموظفين والعمالة. أمّا بيتر شار، المفوض الحكومي في شؤون حماية البيانات الشخصية، فقد طالب بتوسيع صلاحيات المكتب الحكومي لمراقبة حماية البيانات الشخصية، بهدف التدخّل إذا اقتضى الأمر ذلك في حالات انتهاك سرية البيانات الشخصية بصفة غير قانونية.
فضائح التجسّس على الموظفين
ففي اجتماع لممثلين عن مكاتب حماية البيانات الشخصية في الحكومة الألمانية وحكومات الولايات الستة عشرة نهاية شهر مارس/آذار الماضي تبين أن قائمة الفضائح التي تتعلّق بانتهاك سرية البيانات الشخصية في الشركات الألمانية طويلة، ولعلّ إحدى هذه الفضائح قيام شركة القطارات الألمانية (Deutsche Bahn) بالتجسّس على موظفيها من مستويات قيادية وإدارية مختلفة. وتعمّدت الشركة تجميع معلومات شخصية لحوالي 170 ألف موظف لديها لمعرفة ما إذا كانت لهم اتصالات مع شركات أخرى تتعامل معها شركة دويتشه بان. وكانت الشركة علّلت هذه العملية، التي أجرتها خلال عامي 2002 و2003 بمكافحة الفساد في الشركة. بيد أن مراقبين شكّكوا في ذلك وأشاروا إلى أنّه حتى في حال صحة هذا الإدعاء فإن تلك الإجراءات تعد خرقا واضحا للقوانين التي تنصّ على عدم انتهاك سرّية البيانات الشخصية للموظّفين.
جدل حول مدى ضرورة تشديد القوانين
يشار إلى أن وزير الداخلية الألماني فولفغانغ شويبله كان قد تقدّم العام الماضي بمشروع قانون يحظر تبادل البيانات الشخصية للمواطنين بين الشركات لأهداف تجارية، ولتي تتضمّن أيضا عناوينهم الشخصية ومعلومات عن حساباتهم البنكية. جاء ذلك عقب كشف النقاب عن شركات ألمانية كانت تتاجر بالبيانات الشخصية لآلاف المواطنين لأغراض تجارية. وعلى الرغم من أن ذلك لا يخالف القانون الحالي، إلاّ أن الكثيرين طالبوا بضرورة الحصول على موافقة الأشخاص المعنيين قبل الاتّجار في بياناتهم الشخصية.
بيد أنّه فيما يتعلّق بتجميع المعلومات شخصية عن الموظفين، فلا يرى شويبله ضرورة في حظر هذه العمليّة، مشيرا إلى ضرورة أن يبقى الأمر في يد الشركة نفسها. ففي رأيه "يجب أن يكون للشرّكات أيضا إمكانية تجميع المعلومات ومقارنتها حول موظفيها"، مشدّدا في الوقت نفسه على تقييد تلك العملية "بشروط محدّدة"، وألاّ تصب فقط في "صالح أرباب الأعمال وإنما أيضا في صالح الموظفين العمال".
...لكن البرلمان في في إجازة
بيد أن بعض الساسة الألمان لديهم لا يشاطرون وزير داخليتهم هذا الرأي، منهم على سبيل المثال غيزلا بيلتس، من الحزب الليبرالي الحرّ، التي تعدّ من أكثر المنتقدين للقانون الجاري العمل به حاليا فيما يتعلّق بحماية البيانات الشخصية. وتروّج السياسية المعارضة منذ سنوات في البرلمان الألماني (البوندستاغ) من أجل تشريع قوانين أكثر تشددا في هذا الشأن. وحذّرت بيلتس بأن يصبح المجتمع تحت المراقبة الكاملة، بما في ذلك الحياة الخاصة للفرد.
غير أن مراقبين يستبعدون في الوقت الحالي إدخال تعديلات قانونية على القانون الحالي، ذلك أن أعضاء البرلمان الألماني سوف يذهبون بعد شهرين إلى عطلتهم الصيفية. وفي شهر سبتمبر /أيلول المقبل سوف تجرى الانتخابات البرلمانية في البلاد، الأمر الذي يخشى معه الكثيرون أن يُدفن موضوع تشديد حماية البيانات الشخصية، مثلما كان عليه الحال عقب كلّ فضيحة انتهاك لسرية البيانات الشخصية.
الكاتب: مارسيل فورستيناو / شمس العياري
تحرير: عبده جميل المخلافي