الأبحاث الجينية بين المطالب الأخلاقية والآفاق العلمية
ألقى المستشار الألماني غيرهارد شرودر كلمةً أمس بمناسبة حصوله على درجة الدكتوراة الفخرية من جامعة جوتنجن. وقد تركزت الكلمة على حرية البحث العلمي وخاصةً الوضع القانوني لأبحاث الخلايا الجنينية، حيث دعا شرودر إلى تخفيف القوانين المعمول بها في ألمانيا حالياً بحيث يتمكن الباحثون من إجراء تجاربهم. وقال شرودر: "علينا أن لا نتخلف عن ركب التطور العلمي الذي يشهده مجال الأبحاث الحيوية والجنينية في العالم بأسره، فتخلفنا سيحرمنا من المشاركة في صياغة طرق استخدام والتحكم في هذه التقنية".
وتابع شرودر: "نريد أن نُنشأ بيئة علمية حرة في ألمانيا، بيئة تسمح بإجراء الأبحاث بدون قيود ولكن دون أن تتعدى الحدود". وأضاف أنه من الطبيعي أن يتم مراجعة القوانين بعد فترة من تراكم التطورات العلمية، بحيث تتناسب القوانين مع التغيرات الجديدة. ووصف شرودر القانون المنظم لعملية استنساخ الأجنة البشرية لأغراض البحث العلمي في ألمانيا، والذي سن عام 2002، وصفه بأنه "يضع ألمانيا في خانة الدول الرجعية في هذا المجال". ورفض شرودر الانتقادات الموجهة ضد العلماء والباحثين، وقال: "إن التشكيك بدوافع العلماء والأطباء وبمقاصدهم هو نوع من التطاول عليهمشخصيا وعلى جهودهم العلمية"، مطالباً بإتاحة المزيد من الحرية للعلماء والباحثين الألمان للحاق بنظرائهم في مجال الأبحاث الحيوية.
ردود أفعال سلبية
ويعيد شرودر في هذه الكلمة ما سبق وصرح به الشهر الماضي بعد الإعلان عن نجاح تجارب كورية جنوبية وبريطانية في مجال أبحاث الخلايا الجذعية، حيث طالب بتسهيل القوانين المنظمة للأبحاث الحيوية. غير أن المستشار لا يتمتع بمساندة من حزبه في هذه المطالب، وذلك باستثناء وزير العمل والاقتصاد ولفغانغ كليمينت الذي دعم مطالب شرودر يوم أمس منتقداً القوانين الألمانية المعيقة لحرية البحث على حد قوله، وضرب مثلاً بشركة شيرنج العملاقة للصناعات الأدوية التي اضطرت إلى نقل قسم الأبحاث الجنينية الخاص بالشركة إلى اليابان وبذلك خسرت ألمانيا من 500 - 600 مكان عمل متخصص.
كما لم تلقَ مطالب المستشار دعماً من حلفاءه في الحكومة، فقد علق رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الخضر راينهارد لوسكه على مطالب شرودر بأن الخضر لن يشاركوا في أية مبادرة لتعديل قانون عام 2002. وأشاد بالقانون الألماني لكونه حلاً معتدلاً بين المطالب الأخلاقية وبين فرص الشفاء الجديدة التي تعد بها الأبحاث الحيوية. وطالب عدد آخر من النواب الخضر بعدم التضحية بالمطالب الأخلاقية لمصلحة قطاع الصناعات الدوائية. وهو موقف يلتقي مع موقف الهيئات الدينية التي تعارض مثل هذه الأبحاث لأنها لا تحترم حق الحياة للأجنة، كما يلتقي مع موقف المعارضة الرافض لبدء أي نقاش حول تعديل القانون والمصر على أن الموقف الأخلاقي حول قضية استنساخ الأجنة لا ينبغي أن يربط بالنجاحات في المجال العلمي أو الاقتصادي.
جدل أخلاقي
يقضي القانون الألماني الصادر عام 2002 بتحريم استنساخ الأجنة البشرية بهدف الحصول على خلايا جذعية جنينية لأغراض علمية تحريماً مطلقاً، أما استيراد هذه الخلايا من مصدر خارجي فمصرح به بشرط أن ترد من أجنة مخصبة قبل يناير/كانون ثاني 2002. وبذلك يكون القانون الألماني أكثر تشدداً من قوانين دول أخرى مثل بريطانيا وأمريكا حيث يسمح هناك باستنساخ أجنة بشرية لأغراض طبية فقط.
وخلفية هذا القانون هو الجدل الحاد الذي اندلع قبل أعوام بين العلماء من ناحية وبين رجال القانون والدين من ناحية أخرى حول استنساخ الأجنة البشرية لأغراض البحث العلمي، تمخض عنه إصدار قانون عام 2002. وسبب هذا الجدل هو الطريقة التي تعتمدها هذه الأبحاث، فهي تحتاج إلى الحصول على خلايا جذعية لإجراء الاختبارات عليها، والخلايا الجذعية (أو خلايا المنشأ) هي الخلايا الأولية التي تتكون في الجنين في الأيام الثلاثة الأولى من عمره، وتعد هذه الخلايا خلايا غير متخصصة، أي لا ينشأ عنها نوع بعينه من الخلايا ولكن يمكن اعتبارها الحالة الخام لكل أنواع الخلايا. وبعد الأيام الثلاثة تبدأ الخلايا في التكاثر والتخصص. لذلك يعمد العلماء إلى تلقيح البويضات صناعياً لتكوين الخلايا الجذعية ثم يتم التخلص من الجنين. وهذه هي نقطة الخلاف الرئيسية بين أنصار أبحاث الأجنة ومنتقديها.
فرجال الدين والقانون يقولون إن التخلص من الجنين يشبه قتل النفس التي حرم الله، وبالتالي لا يجوز السماح بذلك تحت أي مسمى. أما العلماء فيقولون إن الأبحاث على الخلايا الجذعية تعد بإمكانيات كبيرة لعلاج الأمراض المستعصية، مثل مرض النسيان أو تلف النخاع الشوكي ، أو أمراض شرايين القلب أو التخفيف من أعراض الشيخوخة بشكل عام، بل وحتى أمراض السرطان. وتقوم الطريقة الجديدة على فكرة استخراج خلايا سليمة من الخلايا الجذعية وزرعها لتحل محل الخلايا التالفة وهو ما يدعى بالعلاج الترميمي.
أمل جديد
في شهر مايو/ايار الماضي قام العالم الكوري الجنوبي هو انغ بنشر نتائج أبحاثه والتي قد تؤدي إلى تغيير جذري في طريقة الحصول على الخلايا الجذعية الجنينية. فقد تمكن فريق الأبحاث من تخصيب بويضة امرأة في المعمل باستخدام نواة خلية من إنسان آخر، سواء كان طفلاً صغيراً أو شيخاً، بنجاح! ونمت هذه البويضات وتكاثرت خلاياها في المختبر، بمعنى أنه تمكن من صناعة خلايا جنينية لإنسان بعينه وهو بالغ مكتمل النمو! ومن ثم الحصول على خلايا جذعية لا حدود لكميتها. وإذا ما تم استخدامها بالحقن في جسم نفس الإنسان فإن الجسم لا يرفضها البتة. ويرى بعض الباحثين أن هذه التجربة قد تشكل مخرجاً من المشكلة الأخلاقية المصاحبة للأبحاث الحيوية، إذ لم يعد هناك حاجة للجوء إلى الأجنة مطلقاً.