اضطرابات في مجلة دير شبيغل الألمانية وهدوء ما قبل العاصفة
٥ سبتمبر ٢٠١٣رفع المعنويات والتطلع إلى الأمام، كلمات تبدو وكأنها كلمات لمدرب يلقيها بعد خسارته في مباراة لكرة القدم. لكن هذه الطريقة يعتمدها المدراء أيضا لدعم فريق العمل وتلطيف الأجواء أو لتهدئة الأوضاع بين الموظفين. في موضوعنا نتطرق إلى وضع شبيه لذلك في قسم تحرير مجلة -دير شبيغل- أكبر مؤسسات وسائل الإعلام الألمانية الذي يعيش حالة من الاضطراب كما يقول شتيفان غريمبيرغ. ويضيف غريمبيرغ الصحفي في راديو شمال ألمانيا بمدينة هامبورغ بأن المؤتمر الذي عُقد في مقر مؤسسة مجلة -دير شبيغل- كان يهدف إلى تلطيف الأجواء بين صحفيي المؤسسة ورفع معنوياتهم وتشجيعهم للتطلع إلى المستقبل.
تسمُمُ الأجواء في مجلة -دير شبيغل- بدأت عندما قرر فولفغانغ بوشنر قبل أن يتسلم مقاليد إدارة قسم التحرير مع بداية شهر سبتمبر، توظيف نيكولاوس بلوم كنائب له. نيكولاوس بلوم الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس تحرير صحيفة -بيلد تسايتونغ- أكبر صحيفة شعبية في ألمانيا تُعتبر منافسة لدودة لمجلة -دير شبيغل-.
اختلاف كبير في التحليل والمصداقية الصحفية
تعتمد جريدة -بيلد تسايتونغ- في تقاريرها نهجا ينشر انشقاقات في المجتمع من أجل الإثارة، كما حصل مؤخرا في الحملة الإعلامية التي صدرت تحت عنوان كبير "اليونان البلد المفلس"، على خلفية أزمة الديون والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تتخبط فيها البلاد. هذه التقارير خلفت وراءها استياءا كبيرا وبالخصوص في اليونان. مجلة -دير شبيغل- انتقدت جريدة -بيلد تسايتونغ- على نشر هذا التقرير بشدة، ولم تكن هذه المرة الأولى التي تهاجم فيها مجلة -دير شبيغل- الجريدة. "قبل عامين تطرقت مجلة -دير شبيغل- لهذه الجريدة وانتقدتها بشكر كبير متهمة إياها بتأجيج الرأي العام" كما تقول صحفية راديو شمال ألمانيا بمدينة هامبورغ أستريد كورال وتضيف: "والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن لشخص اشتغل من قبل في الجريدة المنافسة -بيلد تسايتونغ- أن يغشل منصبا في المجلة؟ فهذه مشكلة العديد من الصحفيين في هيئة تحرير المجلة. وهذه نقطة أتفهمها".
انتفض موظفوا المجلة على إقدام الرئيس الجديد تعيين نيكولاوس بلوم من جريدة -بيلد تسايتونغ- خلفا له في رئاسة قسم تحريرالمجلة، واستمروا في ضغطهم لأنهم يملكون 50 فاصلة 5 من حصة المجلة. هذا الضغط أدى إلى البحث على حل وسط بأن يكون نيكولاوس بلوم ابتداء من بداية شهر ديسمبر جزءا من رئاسة التحرير بالمكتب الرئيسي للمجلة عوض أن يشغل منصب نائب رئيس تحرير. وتعتقد أستريد كورال أن هذا الحل لن يشفي غليل المنتفضين وتضيف قائلة: "فقد موظفون مجلة -دير شبيغل- كثير من الثقة".
رد فعل موظفي مجلة -دير شبيغل- على هذا الاختيار راجع إلى الاختلاف الكبير بين هذه الأخيرة وجريدة -بيلد تسايتونغ- اختلاف الليل والنهار. شتيفان فايشرت أستاذ للصحافة في جامعة هامبورغ شرح ذلك كما يلي: "لجريدة -بيلد تسايتونغ- تقليديا مواقف تؤيد فيها الحكومة وتسلك خطا شعبويا وسطا، في حين تسلك جريدة -دير شبيغل- دائما اتجاه يساري يعتمد على تنوير الرأي العام وتوعيته فيما يخص سياسة البلاد".
تحول في الوسط الإعلامي
الخلاف حول صحفي جريدة -بيلد تسايتونغ- بلوم يعكس عمق الصراع الهيكلي، هذا الصراع لا يشمل فقط مجلة -دير شبيغل- وحدها وإنما الوسط الإعلامي بأكمله. المقصود بذلك النقلة النوعية التي يعرفها الإعلام نتيجة الثورة الرقمية، حيث أن قطاع الصحافة المطبوعة يشهد مند فترة تراجعا خلافا لوسائل الإعلام الإخبارية على الإنترنت التي تزداد شعبية. إضافة إلى أن الصحافة الرقمية لا تَدِرُّ على الناشرين بأي أموال والأرباح التي يمكنهم تحقيقها تأتي إلى حد كبير عن طريق المطبوعات. الوضع لا يختلف عند مجلة -دير شبيغل- التي لا تحصد أرباحا كثيرة بمطبوعات خلاف لشعبية مجلتها على الإنترنت -شبيغل أولاين- التي تتزعم الصحف الرقمية في ألمانيا.
كل المراقبين متفقين على أن الفجوة بين دخل موظفي المجلة المطبوعة أكثر بكثير عن دخل موظفي المجلة الرقمية. بالإضافة إلى أن صحفيي المجلة الرقمية يحررون ثلاثة تقارير في الأسبوع بينما يحرر زملائهم في المجلة المطبوعة ثلاثة في الشهر. ويؤكد شتيفان غريمبيرغ على أن المسألة مادية محضة وكل طرف يحاول توسيع نفوذه والاستفادة من ذلك. ويبقى موظفو المجلة المطبوعة أكثر استفادة من الأرباح ويساهمون بشكل كبير في قرارات المؤسسة. ويضيف الخبير الإعلامي -شتيفان غريمبيرغ- قائلا: "موظفو مجلة -دير شبيغل- الرقمية لا يساهمون كثيرا في قرارات المجلة الأم على الرغم أنهم ساهموا كثيرا في شعبية المجلة".
فقدان وسائل الإعلام لخاصياتها
سواء كانت صحافة رقمية أو صحافة مطبوعة، صحافة تمثل اليسار السياسي أو صحافة تمثل اليمين السياسي، صحافة شعبوية أو صحافة متميزة، فالاتجاه أصبح اليوم غير واضح، وبالتالي أصبحت القناعة بكل جهة مشكوك فيها. فقد استحوذت جريدة -فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ- المحافظة على جريدة -فرانكفورتر روندشاو- وفي الولايات المتحدة الأمريكية اشترى شخص معروف جدا مجلة -نيو إيكونومي- الاقتصادية حاذيا بذلك حذو "جيف بيزوس" مؤسس شركة -أمازون- الذي اشترى صحيفة -واشنطن بوست- التقليدية.
مأمورية فولفغانغ بوشنر كرئيس جديد لقسم التحرير في مجلة -دير شبيغل- لن تكون سهلة، ووفقا لما قاله الصحفي الإعلامي شتيفان غريمبيرغ تكمن صعوبة هذه المهمة في تحقيق توافق في: "الانشقاق بين الصحافة المطبوعة والصحافة الرقمية". أولا يجب عليه تخطي عقبات الاجتماع الاستثنائي الذي سيعقده موظفو -دير شبيغل- منتصف سبتمبر وتفادي النزاع الذي يمكن أن يقع بين الموظفين وترى أستريد كورال بأن بداية غير موفقة.