استفتاءات الاستقلال ومفعول "الدومينو" عربيا وأوروبيا؟
٤ أكتوبر ٢٠١٧استفتاء الاستقلال عن إسبانيا، الذي شهدته منطقة كاتالونيا قبل ثلاثة أيام، لا يزال يلقي بظلاله وبقوة على المشهد السياسي ليس في إسبانيا فحسب بل وفي خارجها أيضا. فالحديث الآن لم يعد يقتصر على مدى دستورية الاستفتاء أو حق الكتالان في تقرير مصيرهم فقط، وإنما أيضا يشمل الخطوات المقبلة التي ستقدم عليها الحكومة المركزية الإسبانية وحكومة منطقة كاتالونيا.
فقد دخل الملك الإسباني فيليبي السادس بدوره على الخط، وقال في خطاب استثنائي إن "سلطات كاتالونيا خالفت القانون والدستور من خلال الاستفتاء، الذي اعتبره "إعلان استقلال بطريقة غير شرعية". مقابل ذلك أعلن رئيس حكومة إقليم كتالونيا، كارليس بيغديمونت أن "الإقليم سيعلن استقلاله عن إسبانيا في غضون أيام"، تصريحات مضادة تنذر بخريف ساخن في إسبانيا.
ورغم تباعد المسافة بين كاتالونيا وكردستان العراق، فإن الوضع بين الإقليمين غير مختلف كثيرا. كردستان العراق يتطلع أيضا من خلال الاستفتاء، الذي نظمه الإقليم الشهر الماضي إلى الاستقلال عن حكومة بغداد، في حين ترفض هذه الأخيرة ذلك، وتؤكد على تشبث العراق بوحدة أراضيه.
وما يمكن تسجيله أيضا في الملفين الكردي والكتالوني هو وقوف الكثير من الدول وخاصة المجاورة، إلى جانب الحكومات المركزية في بغداد ومدريد وعدم تأييدها لمطالب الانفصال.
وبدوره يلتزم الاتحاد الأوروبي، حتى إشعار آخر، دور المراقب بخصوص الوضع في إسبانيا، وإن كانت المفوضية الأوروبية قد أوضحت بأن كاتالونيا لن تصبح بشكل تلقائي عضوا في الاتحاد الأوروبي في حال انفصالها عن إسبانيا.
فما الذي يبرر هذه المواقف وهل تخشى دول عربية وأوروبية أخرى من أن تشهد بدورها مطالب مشابهة بالانفصال ويتحول استفتاءا كردستان وكاتالونيا إلى ما يشبه لعبة "الدومينو" التي إذا سقطت قطعة منها تُسقط معها قطعا أخرى؟
تمتيع الأقليات بحقوقها لتفادي خطر الانفصال
الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، يزيد الصايغ، لا يستبعد أن تؤدي مطالب الاستفتاء في كردستان وكاتالونيا إلى فتح شهية أقليات أخرى في الدول العربية للمطالبة بالاستقلال أو الانفصال، ويقول الصايغ في حوار مع DW عربية "هناك أقليات في بعض الدول العربية تشعر بأن هويتها غير محمية بالشكل الكافي، قانونيا ودستوريا...وإذا لم يتم تمتيع مثل هذه الأقليات بحقوقها الكاملة فليس من المستبعد أن تلجأ هي أيضا إلى التلويح بشعار الانفصال".
الكثير من البلدان العربية وخاصة المجاورة للعراق أكدت على ضرورة دعم وحدة الأراضي العراقية ورفضت الاستفتاء. فمثلا تركيا التي تواجه بدورها مشاكل مع الأكراد، رفضت خطة انفصال إقليم كردستان عن العراق معتبرة ذلك "خطأ فادحا وتهديدا وخطرا على مصالحها وحدودها وسيادتها". وهو نفس موقف إيران، الجار الآخر للعراق. غير أن مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، يرى أن سبب الرفض التركي - الإيراني للإستفتاء على استقلال الإقليم يعود الى وجود الأكراد في بلدانهم.
وإلى جانب كردستان العراق هناك مناطق أخرى في دول عربية مختلفة تطالب بالاستقلال أو الانفصال، مثل الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو وجنوب اليمن الذي يرغب في تأسيس دولة منفصلة عن الشمال وليبيا أيضا التي يتهددها التقسيم منذ مدة ليست بالبسيطة، كل ذلك يدفع في نظر الخبير يزيد الصايغ الكثير من البلدان العربية إلى اتخاذ مسافة من مطالب الانفصال المرفوعة، لخوفها من أن يأتي الدور عليها أيضا في يوم من الأيام.
ويرى الصايغ أنه "بدل من لجوء الدول العربية لقمع أو مقاطعة الحركات الانفصالية، عليها إعادة النظر في سياسستها التي تدفع أصلا مواطني نفس الدولة إلى التفكير في الانفصال". ويضيف الخبير في مركز كارنيغي للشرق الأوسط "أيَّ دولة عربية تفشل في احتواء واحترام وضمان حقوق ومصالح كل مواطنيها بغضّ النظر عن انتماءاتهم المختلفة، ليسَ لها الحق في منع هذه الشرائح المجتمعية في اختيار بديل آخًر".
الشروط القانونية للانفصال
من جهته يرى الدكتور فالتر أوبفيكسر، أن الانفصال حسب القانون الدولي العام لا يمكن أن يتم إلا إذا كانت الدولة التي يٌرغب في الانفصال عنها تخرق بشكل كبير حقوق الإنسان أو أن الطرف الراغب في الانفصال مهدد في كيانه. ويؤكد أوبفيكسر، وهو بروفسور في معهد القانون الدولي بجامعة إينسبروك النمساوية، أن الشرطين غير متوفرين في مطلب الانفصال الذي يرغب فيه إقليم كاتالونيا. لذلك فإن تنظيم استفتاء لوحده أيضا غير كاف لاستقلال أو انفصال كاتالونيا عن إسبانيا، فهذا الأمر يحتاج إلى موافقة الحكومة المركزية في مدريد، مثلما حصل مع اسكتلندا التي منحتها الحكومة البريطانية الموافقة على تنظيم استفتاء الانفصال عن المملكة المتحدة في نهاية 2014.
وحتى إذا أعلنت كاتالونيا الاستقلال من جانب واحد فلا بد من توفر أركان الدولة المنصوص عليها في القانون الدولي العام، وهي الشعب والإقليم والسلطة السياسية. وسيكون عنصر الإقليم هنا محل خلاف، لأن إسبانيا ترى في كاتالونيا جزءً من أراضيها وهو ما سيجعل من الصعب على الإقليم الحصول على صفة الدولة المعترف بها قانونيا، حسب الخبير أوبفيكسر.
دعوات للعودة لطاولة المفاوضات
الاتحاد الأوروبي، الذي تنتمي إليه إسبانيا، بدوره لا يمتلك أي سند قانوني يسمح له بفرض شيء على طرفي النزاع في إسبانيا، فأقصى ما يمكن فعله هو التوسط في الأزمة بين الحكومة الإسبانية وحكومة كاتالونيا المحلية، وحتى هذه الخطوة تشترط موافقة مدريد ولا يمكن للاتحاد الأوروبي التوسط ولو طلبت منه كاتالونيا ذلك.
وقد صرح متحدث باسم المفوضية الأوروبية بالقول بأن الصراع بين الحكومة المركزية في مدريد وحكومة كاتالونيا هو "صراع حول شكل الدولة الإسبانية العضو في الاتحاد الأوروبي، وأن المفوضية الأوروبية لا تتدخل في ذلك". لكن مارغاريتيس شيناس يؤكد أيضا على ضرورة توجه أطراف النزاع إلى الحوار بدل المواجهة.
وهو ما شدد عليه أيضا النائب الألماني في البرلمان الأوروبي، مانفريد فيبر الذي قال "الجميع عليه إبداء الاستعداد للدخول في حوار والجلوس معاً، لايجاد حلول للمشاكل المطروحة".
ويضيف النائب عن الحزب المسيحي الاجتماعي، الذي يرأس أكبر كتلة في البرلمان الأوروبي، في حوار مع DW "أطالب المؤيدين لانفصال كاتالونيا بالعودة لطاولة المفاوضات واحترام دولة القانون"، مضيفا "النزعة القومية والانفصالية أظهرت في العقود الأخيرة بأنها ليست أبدا النهج الأفضل في أوروبا".
"الانفصال لا يحل المشاكل القائمة"
وسواء تعلق الأمر بكاتالونيا أو كردستان العراق أو جنوب السودان أو غيرها من الأقاليم التي انفصلت أو تحلم بالانفصال، فإن القاسم المشترك بينها في الغالب هو الرغبة في التمتع بحقوق أكثر والتطلع لمستقبل أفضل، لكن الواقع قد يظهر عكس ذلك. فجنوب السودان مثلا الذي انفصل عن الشمال في 2011، يعيش حاليا حالة من الانهيار والانقسامات ويغرق في العنف والفوضى.
لذلك فإن الانفصال حسب يواخيم روده، من معهد إفريقيا وآسيا في ماربوغ يمكنه أن يحجب المشاكل السياسية والاقتصادية لكنه لا يحلها. ويضيف روده في حوار مع DW عربية "فساد المسؤولين في الحكومة والمؤسسات المتهالكة أو الأزمات الاقتصادية لا تحل بشكل تلقائي مع الانفصال".
ويتابع روده "أنظر بعين الريبة للمطالب الانفصالية الدائرة حاليا. فمن جهة أتفهم رغبة الأكراد والكاتالان في الانفصال، لكن من جهة أخرى أخشى أن يتسبب ذلك في اندلاع مواجهات مسلحة يؤدي ثمنها الكثير من الناس، كما أن الاستقلال أو الانفصال لا يحل بالضرورة المشاكل التي كانت قائمة من قبل".
هشام الدريوش/ ع. ح/ ب.ر