استفتاء الاستقلال يقرب الأكراد من حلمهم التاريخي..ولو نظريا!
٢٥ سبتمبر ٢٠١٧فيما تتواصل عملية الاقتراع حول استقلال إقليم كردستان العراق الإثنين (25 سبتمبر/ أيلول)، في استفتاء تاريخي يريد من خلاله الأكراد فتح باب التفاوض من أجل إنشاء دولة، يناضلون من أجلها منذ قرن تقريبا، يبقى هذا الاستفتاء يشكل تحديا واضحا للحكومة المركزية في بغداد وكذلك دول الجوار.
ويتوقع أن تصدر نتيجة الاستفتاء، الذي تشارك فيه أيضا محافظة كركوك، المتنازع عليها بين بغداد وكردستان، بعد أربع وعشرين ساعة من إقفال مراكز الاقتراع. وعلى الرغم من أن النتيجة شبه محسومة، وستكون لصالح الاستقلال، الا أن مسعود بارزاني، رئيس الاقليم الشمالي، الذي يتمتع بحكم ذاتي، والمنتهية ولايته، سبق أن أعلن أن الاستفتاء لن يكون إعلانا تلقائيا للاستقلال، لكنه سيشكل بالأحرى نقطة الانطلاق "لمفاوضات جدية مع بغداد" حول هذه المسألة.
ملايين الأكراد يشاركون في الاستفتاء
ويشارك أكثر من خمسة ملايين مقترع في الاستفتاء، الذي يجري في المحافظات الثلاث من إقليم كردستان العراق: أربيل والسليمانية ودهوك، كما في مناطق متنازع عليها بين الأكراد والحكومة المركزية العراقية، مثل كركوك وخانقين في محافظة ديالى شمال شرق بغداد.
وتوافد الناخبون منذ الصباح إلى صناديق الاقتراع في أربيل والسليمانية، ووقفوا في طوابير أمام بعض المراكز، بحسب مراسلي وكالة فرانس برس. وأدلى بارزاني بصوته في ساعة مبكرة من الصباح في أربيل، وبدا مبتسما وهو يرتدي الزي الكردي. وقام مقترعون بذبح عجل أمام أحد مراكز الاستفتاء الرئيسية بوسط أربيل، تعبيرا عن فرحتهم.
عيد وطني للكرد
وقال دلكاش عبد الله (محام، 27 عاما) "جلبت هذا العجل لأن اليوم هو ولادة الدولة، وطبقا للتقاليد نذبح عجلا عند الولادة". أما ديار أبو بكر (33 عاما) فقال بعد أن انتظر أكثر من نصف ساعة للإدلاء بصوته "جئت مبكرا كي أكون أوّل شخص يصوت بنعم للدولة الكردية"، مؤكدا أنه "يوم عيد لنا".
في السليمانية، ثاني مدن إقليم كردستان العراق، توافد الناخبون الى مركز كانيسكان في شرق المدينة. وقال ديار عمر (40 عاما، موظف)الذي ارتدى أيضا الزي الكردي، "سننال استقلالنا عن طريق صناديق الاقتراع"، مضيفا "إنني فرحان، هذه أول مرة في حياتي أرى استفتاء للاستقلال".
وأقيم 12072 مركز اقتراع في عموم إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها. كما شارك الكثير من أكراد المهجر في الاستفتاء عبر الهاتف. فيما هنأ الكرد بعضهم بعضا في أرجاء العالم بتلك المناسبة.
كركوك متعددة الآراء والثقافات
وفي مدينة كركوك، علا التكبير في مساجد المدينة، كما يحدث في أيام العيد. وقالت ابتسام محمد بعد الإدلاء بصوتها "صوَّتُ بكل شرف. لو كان لدي عشرين أصبعا لكنت صوت بالأصابع العشرين من أجل دولتي".
لكن في هذه المدينة، الآراء متباينة. وقال متين عبد الله اوجي، وهو مدرس تركماني عمره 42 عاما، "لم أشارك في التصويت لأنه يشعرني بأن هويتي وقوميتي ومكانتي وتراثي وتاريخي كلها ستضيع".
أما في خانقين، فكانت أم علي، وهي في الثلاثين من عمرها، أول من صوت داخل مدرسة. وقالت "الاستفتاء سيحدد مصيري ومصير أطفالي، لا نريد الانفصال ولكننا نريد معرفة مصيرنا"، مضيفة "لا نريد عنفا ولا حروبا"، داعية الدول التي عارضت الاستفتاء إلى تغيير موقفها.
خطوة محفوفة بالمخاطر
ويشكل الاستفتاء الذي دعا إليه الزعيم الكردي مسعود بارزاني رهانا محفوفا بالمخاطر. وعبرت دول مجاورة للعراق مثل تركيا وإيران عن رفضها الاستفتاء، خشية أن تحذو الأقليات الكردية على أراضيها حذو أكراد العراق. ويتوزع الأكراد، الذين يقدر عددهم بين 25 و35 مليون نسمة بشكل أساسي في أربع دول هي تركيا وإيران والعراق وسوريا .
وكان بارزاني قد اعتبر، الأحد، أن "الشراكة مع بغداد فشلت ولن نكررها. لقد توصلنا إلى اقتناع بأن الاستقلال سيتيح عدم تكرار مآسي الماضي"، مضيفا "توصلنا إلى قناعة بأن أيا كان ثمن الاستفتاء، فهو أهون من انتظار مصير أسود".
بغداد تهدد
في المقابل، كان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد أكد الأحد في بغداد أن حكومته لن تعترف بالاستفتاء حول استقلال كردستان. وقال في خطاب موجه إلى الشعب العراقي إن "التفرد بقرارٍ يمس وحدةَ العراق وأمنه ويؤثر على كل مواطنيه وعلى أمن المنطقة (...) هو قرار مخالف للدستور وللتعايش السلمي بين المواطنين ولن يتم التعامل معه ولا مع نتائجه وستكون لنا خطوات لاحقة لحفظ وحدة البلاد ومصالح كل المواطنين".
وأصدر البرلمان العراقي الإثنين مجموعة من القرارات ضد الاستفتاء، أبرزها "الزام القائد العام للقوات المسلحة (حيدر العبادي) للحفاظ على وحدة العراق ونشر القوات في كل المناطق، التي سيطر عليها الاقليم بعد 2003".
أردوغان يتوعد
من جانبه، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإثنين أنه سيغلق قريبا الحدود البرية مع كردستان، وهدد بوقف صادراته النفطية عبر تركيا. وقال أردوغان خلال منتدى في اسطنبول "هذا الأسبوع سنتخذ إجراءات. سنوقف حركة الدخول والخروج" عند معبر خابور الحدودي، مضيفا أن صادرات النفط من كردستان العراق ستتوقف حين تقوم تركيا "بإغلاق الأنبوب".
وطلبت الحكومة العراقية الأحد من كل الدول أن تحصر التعامل معها في كل العمليات المرتبطة بالنفط. ويبلغ متوسط إنتاج كردستان العراق من النفط 600 الف برميل يوميا يتم تصدير 550 ألفا منها إلى تركيا عبر ميناء جيهان.
إيران نفذت تهديداتها
وأغلقت إيران اليوم الإثنين حدودها مع كردستان العراق. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي "بطلب من الحكومة العراقية، أغلقنا حدودنا البرية والجوية" مع الإقليم، واصفا الاستفتاء بأنه "غير قانوني وغير مشروع". وكانت إيران أعلنت عشية الاستفتاء حظر جميع الرحلات الجوية مع كردستان العراق حتى إشعار آخر.
وتثير هذه الضغوط، التي يمكن أن تخنق إقليم كردستان اقتصاديا، قلق الناخبين الأكراد، رغم حماستهم لإجراء الاستفتاء. كما أن الضغوط تحول استفتاء كردستان العراق إلى خطوة رمزية سوف لا تجد ترجمتها في الأمد المنظور على أرض الواقع.
ولسوريا رأي أيضا
واعتبر وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن الاستفتاء، الذي يجريه الأكراد العراقيون حول استقلال إقليم كردستان "مرفوض"، مشدداً على أن بلاده لا تعترف إلا بعراق "موحد".
الاستفتاء قضية دولية
ويبدو أن معظم دول العالم، باستثناء إسرائيل قد اتفقت، في حالة نادرة، على اعتبار الاستفتاء محاولة لتجزئة العراق، رغم تأكيد القيادات الكردية على أن الاستفتاء لا يشكل سوى أرضية معنوية لفتح حوار مفتوح مع القيادة العراقية في بغداد.
وما أثار الكرد بشكل كبير هو موقف الإدارة الأمريكية للرئيس ترامب، الذي كان الأكراد يعتبرونه حليفا أساسيا، إلا أن إدارة ترامب أعلنت رسميا بأنها لا ترحب بهذه الخطوة في الظروف الحالية، مبررة موقفها بضرورات الكفاح ضد تنظيم ما يسمى "بالدولة الإسلامية في العراق وسوريا"، وهو أمر يقف على صدارة أولويات ترامب في المنطقة.
ح.ع.ح/ص.ش (أ.ف.ب/رويترز)