استفتاء كردستان.. إجماع كردي على التوجه واختلاف حول التوقيت
٢٢ سبتمبر ٢٠١٧وسط رفض إقليمي شديد وتحذيرات وتوجس دوليين و"تهليل" كردي في كل العالم يمضي قرابة "خمسة ملايين ونصف المليون" كردي عراقي للاستفتاء على استقلال كردستان العراق يوم الاثنين المقبل (25 أيلول/ سبتمبر 2017)، حسب بيانات "مفوضية الانتخابات والاستفتاء" في الإقليم.
أظهرت المهرجانات والاحتفالات في كردستان العراق حجم التأييد للاستفتاء والاحتفاء به. "كما بينت عدة استطلاعات للرأي أن حجم التأييد يتجاوز 70 بالمئة". وبالتالي سيكون التأييد "جارفاً"، حسب ما يذهب إليه الدكتور بيار دوسكي من الجامعة الأمريكية في دهوك في حوار مع DW عربية. ويرى دوسكي أن زيارة بارزاني إلى السليمانية والاستقبال الجماهيري والحفاوة أظهرت مدى الدعم الشعبي للاستفتاء وحسمت الجدل بأن المدينة لا تتزعم حركة الرفض. وكان بارزاني قد قام بزيارة يوم الأربعاء الماضي (20 أيلول/ سبتمبر 2017) إلى السليمانية وألقى خطاباً أمام عشرات الآلاف من المواطنين على ملعب السليمانية الدولي ونقلته محطات التلفزة.
ويوافق الدكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس، الدكتور بيار دوسكي الرأي تماماً في وصفه لشعبية الاستفتاء بين أكراد العراق بـ"الجارفة". ويذهب أبو دياب في حوار مع DW عربية أبعد من ذلك ليقول: "وحتى وإن لم يجرِ الاستفتاء الاثنين المقبل، فقد تم الاستفتاء عملياً وقال الشعب كلمته".
غير أن باهرة صالح المحللة بالجامعة الأمريكية في العراق بالسليمانية تعتقد أن الاستفتاء سبب "استقطاب المجتمع الكردي، مثلما لم تفعل أي قضية من قبله".
تحقيق حلم قومي أم مصالح شخصية لبارزاني؟
يقول مؤيدو مسعود بارزاني (71 عاماً) أنه يسعى لتحقيق حلم إنشاء دولة، بينما يرى معارضوه في مشروعه هذا مجرد محاولة للبقاء في السلطة. فبعد فوزه في الانتخابات غير المباشرة عام 2005، أعيد انتخاب بارزاني مرة أخرى في 2009 بنحو 70 في المئة من الأصوات في أول انتخابات عامة، ليبدأ ولاية جديدة من أربع سنوات. وبعد انقضاء المدة، مدد برلمان الإقليم ولاية بارزاني لعامين. لكن بارزاني لم يغادر منصبه مع انتهاء هذين العامين في 2015، ما أثار أزمة داخل الإقليم.
ويرى مراقبون أن "توقيت" الاستفتاء ليس مناسباً بالنظر إلى القتال الجاري في محيط كردستان مع "داعش" والأوضاع الاقتصادية الصعبة في الإقليم بسبب تراجع أسعار النفط وأزمة التمويل القادم من بغداد. والإقليم مدين بمليارات الدولارات وتم تخفيض الرواتب الحكومية كثيراً منذ 2014 وتأثر بذلك الموظفون الحكوميون ومقاتلو البشمركة والمدرسون.
وتقول الباحثة دونيز ناتالي من "معهد دراسات الاستراتيجية الوطنية" إنه تم تحديد هذا الموعد "عمداً"، موضحة أن الاستفتاء يأتي فيما "يواجه مسعود بارزاني أزمات داخلية كبيرة وفي حاجة لتعزيز موقعه كزعيم قومي". ويشير كريم باكزاد من "معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية" (إيريس) إلى أن "جميع الأطراف، تطلب منه تنظيم انتخابات على رئاسة السلطة من دون ترشيح نفسه".
حملة "لا للاستفتاء حالياً"
قبل نحو أسبوعين قال رجل الأعمال الثري ورئيس مجموعة شركات ناليا ومن ضمنها قناة NRT التلفزيونية، شاسوار عبد الواحد (39 عاماً) في تصريحات صحفية بعد تجمع ضم حوالي 2500 شخصاً في إستاد لكرة القدم بالسليمانية "التصويت بلا أفضل لشعبنا ولمستقبل كردستان". وعلى الرغم من أن خصومه السياسيين وصفوه بالخائن فإنه أطلق حملة "لا للاستفتاء حالياً" لشرح المخاطر السياسية والاقتصادية للتصويت لصالح الاستقلال.
ولا يسعى عبد الواحد لرفض الاستقلال "إلى الأبد". لكنه يخشى أن يثير تأييد الاستقلال "غضب حكومات العراق وإيران وتركيا وسوريا". وقد وصف البعض "الخشية" على خسارة المكاسب التي حققها الإقليم في العقود الماضية بـ"كلمة الحق التي يراد بها باطل".
وحملة "لا للاستفتاء حالياً" لم تستطع جمع أكثر من "خمسة آلاف توقيع" وفي أحسن الأحوال "ثمانية "آلاف"، حسب ما أفادنا به الدكتور بيار دوسكي. وتجدر الإشارة هنا أن الحملة ليست حزباً سياسياً. ويخلص الدكتور دوسكي، في حديثه الهاتفي مع DW عربية، إلى أن حملة "لا للاستفتاء حالياً" كانت "مجازفة غير محسوبة النتائج".
الجدير ذكره هنا أن صعوبات عدة اعترضت إتمام الحوار الهاتفي مع الدكتور بيار دوسكي، إذ دخلت أصوات أشخاص آخرين على الخط مما أضطرنا لإعادة الاتصال معه لأكثر من خمس مرات.
"إعلان" أم "بناء" دولة؟
بين المعسكرين السابقين يتأرجح كل من حزب "حركة التغيير الكردية" (حركة غوران) وحزب "الجماعة الإسلامية في كردستان العراق". وعن موقف الحزبين يرى الدكتور دوسكي أن كلاً الحزبين لا يعترضان على الاستفتاء "بحد ذاته"، بل على "التوقيت" و"آلية إجراء الاستفتاء" و"أسلوب الإعلان عنه". ويصف دوسكي موقفهما بـ"المتردد" ويتوقع أن ينظما في اللحظة الأخيرة "لمعكسر نعم".
تأسست حركة غوران على يد نوشيروان مصطفى عام 2009 بعد تركه حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة جلال طالباني. وفي انتخابات 2013 البرلمانية في الإقليم حصلت الحركة على 24 مقعداً من أصل 111 مقعداً على حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" وليصبح القوى الثانية في برلمان كردستان العراق. وقال محمد توفيق رحيم، القيادي في الحركة، إن على الحكومة الإقليمية قبل إجراء الاستفتاء أن "تعد الإقليم اقتصادياً حتى تستطيع أن تكفل نفسها".
ويقول عضو المكتب التنفيذي للحركة، الدكتور شورش حاجي، لفرانس برس إن "قرار الاستفتاء حزبي وغير قانوني". ويضيف "الدولة لا تُعلن، بل تُبنى، بدءاً من البنية التحتية الاقتصادية القوية". ويعتقد أبو دياب أن إيران "ربما" تقف وراء موقف حركة "التغيير".
أما حزب "الجماعة الإسلامية في كردستان العراق" فقد تأسس عام 2001 على يد علي بابير، العضو السابق في "الحركة الإسلامية في كردستان العراق". ويمتلك الحزب الآن 6 نواباً في برلمان كردستان العراق. الدكتور أبو دياب يرجع الموقف "الملتبس" للحزب لعدم إيمانه بالقوميات وبالأوطان، بل بالأمة.
وماذا عن أكراد سوريا وتركيا وإيران؟
من خلال متابعة وقراءة الدكتور أبو دياب يجد أن الأحزاب المرتبطة بـ"حزب العمال الكردستاني"، أي "حزب الاتحاد الديمقراطي" في سوريا و"حزب الحياة الحرة الكردستاني"في إيران، يؤيدان الاستفتاء "بشكل هائل". أما في تركيا فيعتقد أن زيارة بارزاني لديار بكر عام 2013 واستقبال أردوغان له هناك ترك آثاراً "سلبية" عند أكراد تركيا. ومن هنا يقرأ أبو دياب وجود "بعض الفتور" لدى أكراد تركيا.
الدكتور بيار دوسكي من الجامعة الأمريكية في دهوك لا يوافق الدكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس، الرأي ويقول إن الحماس الشعبي الكردي في سوريا وتركيا "ربما يفوق مثيله في كردستان العراق". ويخلص الباحثان إلى أن الإجماع على الاستفتاء تجاوزت الخلافات السياسية والإيدلوجية، وخصوصاً بين "حزب الديمقراطي الكردستاني" و"حزب العمال الكردستاني". هذا فيما يرى البعض الآخر أن الحزب الأخير "موافق على مضض وغير راض بالمطلق" عنه.
خالد سلامة