الصراع في غزة.. كيف تعزز الأنظمة الاستبدادية سلطتها؟
٥ سبتمبر ٢٠٢٤خلال عطلة نهاية الأسبوع، وبعد تبادل كبير للصواريخ بين إسرائيل وجماعة حزب الله، تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع أحد كبار الجنرالات الأمريكيين محذرًا من خطر أي تصعيد إضافي في الصراع في غزة.
وقال السيسي وفقًا لبيان صادر عن مكتبه بعد زيارة الجنرال الأمريكي تشارلز كوينتون براون، بعد ساعات من تبادل النيران بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله في لبنان : "يجب على المجتمع الدولي أن يبذل كل الجهود ويكثف الضغوط لنزع فتيل التوتر ووقف حالة التصعيد التي تهدد أمن واستقرار المنطقة بأكملها". وتعتبر دول عديدة حزب الله اللبناني، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ "منظمة إرهابية".
إلى جانب الأمريكيين والقطريين، يشارك المصريون في فريق الوسطاء الذين يحاولون التفاوض على وقف إطلاق النار في غزة، حيث تستمر الحملة العسكرية الإسرائيلية منذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 الإرهابية التي نفذتها حركة حماس المسلحة المتمركزة في غزة. وحركة حماس، هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
ويرى حسام الحملاوي، الباحث والناشط المصري المقيم الآن في ألمانيا والذي يكتب نشرة إخبارية منتظمة عن السياسة المصرية: أن "مثل هذه الكلمات الدبلوماسية تساعد السيسي على تلميع صورته". وأضاف الحملاوي في حديثه لـDW: "لقد ساعدت الحرب في غزة على تعزيز نظامه بشكل أكبر".
خلال ما يقرب من 11 شهرًا من الصراع في غزة، أصبحت فكرة أن مصر - الدولة الأكثر سكانًا في الشرق الأوسط، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 111 مليون نسمة - "أكبر من أن تفشل" أكثر إقناعًا.
لقد أدى القتال إلى خنق مصادر الدخل الهامة لمصر مثل السياحة والشحن عبر قناة السويس. وهذا أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية الخانقة في مصر والتي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها نتيجة سنوات من سوء الإدارة المالية من قبل السيسي.
وقال الحملاوي مشيرًا إلى القروض الأخيرة والصفقات الاستثمارية التي تجاوزت قيمتها 50 مليار دولار والتي ساعدت في منع انهيار الجنيه المصري: "لذلك يندفع الأوروبيون والأمريكيون وصندوق النقد الدولي وقوى دولية أخرى لإنقاذ مصر".
ويتابع الحملاوي: "السيسي يذهب إلى الغرب ويقول إنه يحارب الإرهاب وأنه ضروري لاستقرار المنطقة، لكنه في الوقت نفسه يقمع المعارضة الداخلية"، ويتابع: "إنه ببساطة منافق. من بين المعتقلين مؤخرًا كان أشرف عمر، رسام كاريكاتير، وبسبب رسوماته، يتم الآن احتجازه بتهم تتعلق بالإرهاب، مثل معظم الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام المصرية الآخرين الموجودين خلف القضبان".
ويبدو أنالسيسي "يأمل في أن يتركز الغضب الشعبي على إسرائيل، وإلى حد أقل، على الولايات المتحدة لدعمها لإجراءاتها (إسرائيل) في غزة"، وفقًا لباحثين من مؤسسة "تشاتام هاوس" البريطانية في مقال حديث.
كيفية الاستفادة من الأزمة
السيسي ليس الحاكم الاستبدادي الوحيد في المنطقة الذي يأمل في ذلك. خلال العامين الماضيين، تمكنت حكومات الجزائر وتونس وليبيا والمغرب من الاستفادة بمهارة من عدة أزمات عالمية - بما في ذلك الحروب والهجرة وارتفاع الشعبوية في أوروبا - لـ"إنعاش حكمهم المتعثر"، كما كتبت علياء الإبراهيمي وكريم ميزران، وكلاهما من كبار الزملاء في مركز أبحاث المجلس الأطلسي، في منشور للمنظمة في يوليو/ تموز 2024.
نظر الباحثون في الغالب في آثار الحرب في أوكرانيا وصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا التي أعطت الأولوية لسياسات الهجرة على حقوق الإنسان من خلال تمويل الحكومات التي تقول إنها تستطيع مراقبة الهجرة. لكن الصراع في غزة كان له تأثير أيضا.
وقال الإبراهيمي وميزران إن ذلك سمح للجزائر باستخدام مقعدها المؤقت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، "لعرض أوراق اعتمادها القومية العربية، فضلا عن موقفها التاريخي والمبدئي المناهض للاستعمار". وأضافوا أنه في الوقت نفسه، تزداد العقوبات ضد النشطاء الجزائريين المؤيدين للديمقراطية وتحظر منظمات حقوق الإنسان في البلاد.
غزة وسيلة "إلهاء"
وفي تونس، يقول نشطاء إن رئيس دولتهم الاستبدادي على نحو متزايد، قيس سعيد، يستخدم موقفا مؤيداللفلسطينيين "لإلهاء" السكان المحليين عن الأزمة الاقتصادية في البلاد وحملة القمع ضد المعارضة التونسية.
غزة هي من الثوابت في خطابات الرئيس وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، حسب ما ذكرت الكاتبة التونسية ثروت بوليفي في مقال رأي نشر في آذار/مارس في مجلة "العربي الجديد". وروت قائلة: "منذ تشرين الأول/أكتوبر (2023)، أصبح الناشطون الذين يحتجون من أجل إطلاق سراح السجناء السياسيين غير ذي صلة بوسائل الإعلام المحلية، التي تركز في الغالب على الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين".
كما يروج السياسيون لمشروع قانون، قدم في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي يمكن أن يؤدي إلى تعليق المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في تونس باعتبارها "عملاء أجانب"، كرد فعل على الصراع في غزة. يحظر القانون صراحة على أي هيئة تونسية إقامة علاقة مع الدولة الإسرائيلية. لكن في الوقت نفسه، يشير النشطاء إلى أنه يهيئ الظروف التي يمكن للحكومة التونسية من خلالها إغلاق منظمات حقوق الإنسان بمجرد القول إنها تحصل على تمويل أجنبي.
موازنة صعبة
وعلى الرغم من المكاسب التي قد يحققها بعض السلطويين نتيجة للصراع في غزة، إلا أنه غالبا ما يشار إلى أن القضية يمكن أن تكون سيفا ذا حدين. فالقضية الفلسطينية قريبة من قلوب غالبية المواطنين العاديين في الشرق الأوسط، حتى لو لم يعيشوا في ظل أنظمة ديمقراطية.
وبالنسبة لبعض البلدان، يؤدي هذا الآن إلى تحقيق توازن صعب. كان هناك الكثير من الاتهامات من المواطنين بأنه على الرغم من التشدق بالقضية الفلسطينية، فإن معظم القادة العرب لم يفعلوا ما يكفي لتحقيق وقف إطلاق النار.
ولا يعتقد مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، أن الأمور يمكن أن تستمر على هذا النحو. ويقول إن القادة العرب "هم من بين أكثر ممارسي السياسة الواقعية خبرة في العالم، ولديهم سجل في تجاهل رغبات شعوبهم"، كما كتب في مجلة "فورين أفيرز" في أبريل/ نيسان الماضي وأضاف: "يبررون تحركاتهم، حتى الأكثر أنانية، بأن ذلك يصب في مصلحة الفلسطينيين أو يحمي الشرف العربي، ومع ذلك قد يجدون قريبا أن عيوب الصراع في غزة تفوق أي مزايا". كما يقول لينش.
ويوضح لينش، أستاذ العلوم السياسية: "البقاء في السلطة ... لا يعني فقط منع الاحتجاجات الجماهيرية التي تهدد النظام بشكل واضح، ولكن أيضا الانتباه إلى مصادر السخط المحتملة". ويضيف أن معظم الدول العربية خارج منطقة الخليج تعاني من مشاكل اقتصادية خطيرة، مما يجعل الأنظمة أكثر قمعًا لشعوبها، وبالتالي يجب أن تكون أكثر حذرًا في التعامل مع قضايا مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على حد تعبيره.
أعده للعربية: علاء جمعة