استراتجية الظواهري ـ استقلالية الفروع ضمان لاستمرارية المركز
٥ أغسطس ٢٠٢٢
تلقى تنظيم القاعدة الإرهابي صفعة موجعة بعد إعلان الولايات المتحدة قتل زعيمهاأيمن الظواهريبضربة صاروخية بطائرة مُسيرة أثناء وجوده في شرفة بيته في وسط العاصمة الأفغانية كابول. الضربة الأمريكية تعتبر الأكبر من نوعها منذ استهدافها لزعيم التنظيم ومؤسسه أسامة بن لادن قبل نحو عشر سنوات. ويذكر أن واشنطن رصدت مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يساعد في الوصول له، خصوصا وأنها كانت تعتبر أنه لعب دورا رئيسيا في تنسيق هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على الولايات المتحدة والتي أودت بحياة زهاء ثلاثة آلاف شخص. رسالة البيت الأبيض الأمريكي كانت واضحة وجاءت على لسان الرئيس جو بايدن الذي قال "الآن تحققت العدالة ولم يعد لهذا الزعيم الإرهابي وجود. بغض النظر عن الوقت الذي يستغرقه الأمر، وبغض النظر عن المكان الذي تختبئ فيه، إذا كنت تمثل تهديدا لشعبنا، فستجدك الولايات المتحدة وتقضي عليك".
مقتل الظواهري، ورغم انشغال العالم بالحرب في أوكرانيا وبالتوتر في تايوان، إلا أنه عاد ليسلط الضوء على الحرب العالمية على الإرهاب وبالتحديد تنظيم القاعدة والدور الغامض الذي لعبه فيها الظواهري. كما أنه من غير الواضح التأثير المحتمل لغيابه على رأس التنظيم الذي تتمتع خلاياه باستقلالية تكتيكية كبيرة. غير أنه من الواضح أن الرئيس بايدن قد لا يجني نفس الثمار من حيث زيادة شعبيته لدى الأمريكيين، كما حدث لسفله باراك أوباما حين تمكن من تحييد أسامة بن لادن. وبهذا الصدد كتبت صحفة "تاغسشبيغل" البرلينية (الثاني من أغسطس / آب 2022) أن مقتل الظواهري "سيجلب لبايدن بعض الرضا في أحسن الأحوال، لكن لا شيء أكثر من ذلك. فعندما اقتحمت وحدة سرية للغاية في تابعة للبحرية الأمريكية، بيت أسامة بن لادن في باكستان وقتلته في الثاني من مايو/ أيار 2011، ارتفعت شعبية الرئيس أوباما الذي أنجز ما سعى سلفه، جورج دبليو بوش، من أجل تحقيقه قرابة ثماني سنوات.
إيديولوجية المركز ومرونة الفروع
لعب أيمن الظواهري دورا محوريا على المستويين الإيديولوجي والتخطيط الاستراتيجي للقاعدة، إ ذ تمكن من قيادة التنظيم بعد مقتل الزعيم المؤسس خلال العقد الأخير، فحافظ على تماسك بنياته، بتمكين فروع التنظيم الإرهابي من مواصلة نشاطها في معاقلها الإقليمية وفق استراتيجية الظواهري التي تعتمد على رؤية تكتيكية تمنح الفروع الإقليمية من قبيل (جماعة نصر الإسلام، حركة الشباب، تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلخ) استقلالية تكتيكية تجعلها قادرة على التحرك بمرونة على المستوى المحلي دون الرجوع للقيادة المركزية. فروع رغم تعدد مسارح عملياتها، فقد ظلت ملتزمة بإيديولوجية المركز وفق تصور أيمن الظواهري.
موقع "فيلت" الألماني كتب بهذا لشأن معلقا (الثاني من أغسطس) معتبرا أن الحرب التي أعلنها بن لادن قبل أكثر من ربع قرن ستتواصل بأشكال مختلفة "تبدو الحرب الطويلة على الإرهاب كما لو أنها تؤتي ثمارها. والقاعدة التي كانت تعتبر ذات يوم أكبر تهديد للغرب تبدو كما لو أنها انتهت. لكن المظاهر قد تكون خادعة (..). وفقًا لتقرير صادر عن مصلحة أبحاث الكونغرس الأمريكي في مايو/ من العام الجاري، ترى أجهزة المخابرات الأمريكية أن تنظيم القاعدة يعتبر واحدة من الجماعات 'التي تشكل على الأرجح أكبر تهديد للشعب الأمريكي ومصالحه في العالم'. وحتى الجنرال الأمريكي المكلف بقيادة الطائرات بدون طيار لمكافحة الإرهاب أعلن أن هذا وحده لن يكون فعالاً في مواجهة هذا التهديد".
الظواهري في ضيافة حركة طالبان
يرى عدد من المراقبين أن مقتل أيمن الظواهري في بيت محصن في قلب العاصمة الأفغانية هو أمر غير ممكن دون علم حركة طالبان وموافقتها. وهذا ما سيشكل بلا شك ورقة مساومة جديدة في يد واشنطن من حيث تعاملها مع طالبان التي ما فتأت تردد أنها قطعت كل علاقاتها السابقة مع تنظيم القاعدة. الحركة المتشددة التي أحكمت سيطرتها على أفغانستان سارعت إلى التأكيد أن "لا معلومات لديها" حول وجود زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في البلاد، وجاء في بيان لها بهذا الصدد أن "قادة الإمارة الإسلامية في أفغانستان طلبوا من أجهزة الاستخبارات إجراء تحقيق معمّق وجدّيّ بشأن الحادثة (مقتل الظواهري)".
وفي هذا الشأن علقت صحيفة "نويه تسوريخه تسايتونغ" الناطقة بالألمانية والصادرة في زوريخ (الثاني من أغسطس) " لقد سلمت الولايات المتحدة السلطة لطالبان على أمل أن تُبقي الأخيرة تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى خارج أفغانستان. غير أن حقيقة أن أيمن الظواهري وجد ملجأ في وسط كابول، تظهر مدى الطابع الساذج والتدميري للصفقة التي أبرمها الأمريكيون مع الإسلاميين". واستطردت الصحيفة موضحة أنه كان من الواضح أن حركة طالبان لن تقدم على قطع العلاقات الشخصية والأيديولوجية الوثيقة التي تربطها مع التنظيمات الإرهابية.
عمل استخباراتي صبور، ولكن!
كشفت واشنطن أن العملية الاستخباراتية التي أدت لمقتل الظواهري استغرقت عدة أشهر من العمل الدؤوب، قامت في مرحلة أولى دامت سبعة أشهر، على تتبع دقيق لتحركات عائلة الظواهري قبل تحديد مكان تواجد الهدف. وبعد تحديد مسكنه، درس المسؤولون تحركاته وعاداته لتحديد ما يسمى بنمط حياة للتأكد أنهم حددوا هدفهم. ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي قوله "تمكنا من تجميع بعض المعلومات الاستخباراتية بناء على تحركات عائلته، بصراحة شديدة، ثم تعقبناهم إلى داخل كابول وتمكنا من تعقبه وتتبع جهوده لجمع شملهم. وقد أدى هذا إلى أسابيع، وربما أشهر، للتأكد أننا وصلنا للرجل نفسه".
وأطلقت طائرة مسيرة صاروخين على الظواهري خلال وقوفه في شرفة منزله في كابول، يرجح على نطاق واسع أنهما من طراز هيلفاير بالغ الدقة. واستغرب المراقبون لكون الصاروخين لم يحدثا أي أضرار خارج نطاق الهدف المقصود مما يشير إلى أنهما قد يكونا من نسخة معدلة محاطة بالسرية تستخدمها الولايات المتحدة لتجنب سقوط ضحايا من غير المقاتلين.
صحيفة "بوليتيكن" الليبرالية الدنماركية (الثالث من أغسطس) اعتبرت أن مقتل زعيم تنظيم القاعدة إنجازا كبيرا للرئيس الأمريكي جو بايدن. غير أنها تساءلت "كم عدد الإرهابيين الذين يختبئون حاليًا في أفغانستان وكيف يمكن كبح جماح الأعمال الإرهابية للحركات المتشددة؟ ليس لدى جو بايدن ولا غيره من القادة الغربيين أي إجابات على ذلك".
جدل بشأن قانون الضربات الانتقائية
ستجد غالبية كبرى من الناس صعوبة في التعاطف مع الظواهري الذي لم يكن لديه أي ندم حينما كان يقود أعمالا إرهابية راح ضحيتها الآلاف من الضحايا الأبرياء. لكن من في الوقت نفسه، من الصعب التغاضي عن الضحايا الجانبية والأخطاء المأساوية التي تصاحب هذا النوع من الضربات "الانتقائية". فكم عدد الأسر الأفغانية التي فقدت أحباءها نتيجة لعمل مثل هذا. صواريخ تم إطلاقها بواسطة طائرة مسيرة عن بعد وبنقرة على جهاز كمبيوتر.
صحيفة "الباييس" الإسبانية" (الثاني من أغسطس) ذهبت في نفس الاتجاه وكتبت معلقة "بإعدام زعيم تنظيم القاعدة منفردا، بعد شهور من التحضير، تعود الولايات المتحدة في عهد (الرئيس جو) بايدن إلى منطق الحرب الشاملة على الإرهاب، وذلك تزامنا شعبية مع انخفاض كبير للغاية في شعبية الريس. هذه نفسها كانت الاستراتيجية التي اتبعها سلفه باراك أوباما مع أسامة بن لادن. إنها استراتيجية مشكوك فيها، حتى لو كانت المسؤولية الجنائية للأهداف في كلتا الحالتين لا مجال للشك فيها. (...) حتى لو كان بايدن سيحرز تقدماً في الانتخابات المقبلة، فإن هذه الوفاة تؤكد الانتكاسة المأساوية التي عانت منها حقوق الإنسان والقضاء في جميع أنحاء العالم خلال العقود الماضية. بدءاً بغزو العراق بحثاً عن أسلحة دمار شامل غير موجودة، مروراً بهجمات 11 سبتمبر (2001 في الولايات المتحدة) و11 آذار (مارس) (2004 في إسبانيا) حتى مقتل بن لادن أو الغزو الروسي الحالي في أوكرانيا. أوكرانيا. في هذا السياق يجب تحليل إعدام الظواهري"، تقول الصحيفة.
موت الزعيم.. واستمرارية التنظيم؟
تساءل معظم المعلقين عما إذا كانت القاعدة قادرة على إيجاد خلف للظواهري الذي كان يتمتع بـ"شرعية" واسعة داخل التنظيم الإرهابي ولكن أيضا بخبرة كبيرة عززت طموحاته العالمية رغم المنافسة الكبيرة خلال السنوات الماضية لتنظيم "داعش"، بل وحتى طالبان التي بسطت سيطرتها على كامل التراب الأفغاني. غير أن العديد من الخبراء يرون أن الإستراتيجية التي اعتمدها الظواهري من حيث منحه الفروع استقلالية كبيرة، جعلت من زعيم مركزي كاريزماتي وقوي كما كان عليه الأمر في الماضي، أمرا ثانويا. غير أنه لا يزال من السابق لأوانه الحكم بشكل دقيق على مآل التنظيم وعما إذا كان بالفعل سيحافظ على تماسكه كما يتوقع معظم المراقبين.
ومن بين الخلفاء المحتملين، يعدّد الخبراء مصريَين هما سيف العدل الذي كان ضابطًا في القوات الخاصة المصريّة وهو من الحرس القديم في القاعدة ويُقال إنه متواجد في إيران، وأبو عبد الكريم المصري وهو قائد في تنظيم حراس الدين في سوريا.
حسن زنيند