ارتفاع أسعار النفط مصدر قلق للاقتصاد العالمي
سجلت أسعار النفط الخام ارتفاعا قياسيا جديدا بتعرض بعض المنشات النفطية في الولايات الأمريكية الجنوبية وخليج المكسيك للتوقف عن الإنتاج نتيجة لإعصار ضرب المنطقة. إذ بلغ سعر الخام الأمريكي الخفيف في الأسواق الآسيوية 70.70 دولارا للبرميل قبل ان يتراجع قليلا بسبب تكهنات وحديث رسمي عن استخدام الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي.
وأدى الإعصار إلى وقف إنتاج نحو 633 ألف برميل يوميا من النفط الخام بما يعادل 42% من معدل الإنتاج اليومي، علاوة على 2.4 مليار قدم مكعب وهو ما يعادل 20% من إنتاج الغاز الطبيعي في الساحل الأمريكي في خليج المكسيك، إضافة إلى إغلاق عدد من مصافي لتكرير النفط، وهو ما أدى إلى إثارة مخاوف في السوق النفطية نجم عنها ارتفاعاً سريعاً لأسعار الخام المرتفع أصلاً.
أسباب ارتفاع أسعار النفط
يرجع الخبراء أسباب الارتفاع المضطرد في أسعار النفط إلى عدة عوامل جيوسياسية وفنية منها، إلى جانب الأعاصير في خليج المكسيك مؤخرا، الزيادة في الطلب على النفط في الأسواق العالمية، ونقص القدرات الإنتاجية في الدول المصدرة للنفط بما فيها قدرات المصافي. وبالإضافة إلى ذلك هناك عوامل سياسية تتمثل في التوترات السياسية وعدم الاستقرار في الدول المصدرة للنفط. ويذكر أن أسعار النفط شهدت منذ عام 2003 ارتفاعاً وصل إلى حوالي الضعف. ففي هذا العام فقط ارتفع سعر البرميل من الخام الأمريكي الخفيف إلى حدود 60%. كما تشهد المناطق المنتجة للنفط، مثل نيجيريا،و فنزويلا، العراق، وإيران توترات سياسية تساهم في ارتفاع أسعاره. وتساهم المتكهنات والمضاربات في صعود أسعار النفط التي تتسم بحساسية شديدة تجاه أي متغيرات.
وقد حاول القائم بإعمال الأمين العام لأوبك عدنان شهاب الدين طمأنة السوق إلى أن مستويات المحزونات آخذة في الارتفاع معتبرا ان "الأساسيات الاقتصادية لا تبرر الأسعار القياسية الحالية" للنفط، ومشيرا في هذا السياق إلى اقتراح من رئيس اوبك بزيادة إنتاج المنظمة بواقع 500 ألف برميل يوميا في اجتماعها في سبتمبر/ أيلول السابق في محاولة لتهدئة الأسعار.
انعكاسات ارتفاع أسعار النفط
ينعكس ارتفاع أسعار النفط بشكل أو بآخر على اقتصاديات كل من الدول المستوردة والدول المنتجة للنفط. حيث أدى مثلا الارتفاع الأخير بسبب المخاوف من أثار إعصار "كاترينا" على صناعة النفط، إلى انعكاسات على الأسواق المالية وأسعار العملات التي شهدت تراجعا ملحوظا. وقد دفع ارتفاع أسعار النفط بسبب الإعصار، دفع إلى التفكير من قبل الإدارة الأمريكية لدراسة منح كميات من النفط من الاحتياطي الاستراتيجي لشركات مصافي البترول الأمريكية لتعويض نقص الإمدادات.
....على اقتصاديات الدول المستوردة
ويتوقع الخبراء آثاراً سلبية على مستويات النمو الاقتصادي في الدول المستوردة للنفط. ويعتقد الخبراء الاقتصاديون أن الآثار المنظورة لارتفع أسعار النفط ستتجلى أكثر في الأعوام القادمة حتى مع افتراض ثبات السعر عند 55 إلى 60 دولار للبرميل. في هذا السياق يشير، يورجن فيستر، رئيس فريق الخبراء في بنك بافاريا الألماني (لانديس بانك)، إلى انه في حالة ثبات أسعار النفط عند مستوياتها الحالية، فان ذلك سيقود إلى انكماش اقتصادي واضح. وهو يعتقد، في مقابلة مع دويتشه فيله، أن الشركات لم ترفع بعد الأسعار لمواجهة ارتفاع تكاليف الطاقة لأنها تعتقد انه ارتفاعا طارئاً، حسب رأيه، إلا أنها سوف تلجأ إلى تعويض تكاليف الإنتاج والحصول على الربح، بنقل الأعباء إلى المستهلكين. بالتالي، يضيف الخبير الاقتصادي، "كلما بقيت أسعار النفط عند هذا المستوى المرتفع، كلما زادت الأعباء على المستهلكين" وهو ما يقلل من الاستهلاك عموما لصالح دفع تكاليف الطاقة.
....والدول المنتجة
رغم العائدات الضخمة التي تدرها صناعة النفط على الدول المنتجة للذهب الأسود، يبقى توظيف عائدات النفط في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه البلدان اقل من الحد المتوقع، بل وتعاني هذه الدول من مشكلات اقتصادية وفقر وبطأ في النمو. ويرجع الخبراء هذه الظاهرة إلى اعتماد هذه البلدان شبة الكلي على العائدات النفطية في إدارة الاقتصاد والدولة كمصدر رئيسي للتمويل. وهذا يعرض برامج التنمية للاهتزازات وعدم الاستقرار الناجمة عن تقلبات سوق النفط. ولكن الارتفاع الحالي لأسعار النفط يفترض أن ينعكس إيجابا على اقتصاديات الدول المنتجة للنفط. غير ان ارتباط صناعة النفط في عموما بتكتلات احتكارية عالمية تتحكم بالأسعار وبالعرض والطلب، وفشل هذه الدول في توظيف العائدات النفطية في خدمة التنمية، إضافة إلى أن اقتصاديات هذه البلدان هي بطبيعتها استهلاكية مما يعني انعكاس أثار ارتفاع أسعار السلع الناتج عن ارتفاع أسعار النفط على هذه الدول أيضا. كل هذه العوامل تحد من استفادة هذه الدول من ارتفاع أسعار النفط. صحيح أن هناك طفرة نفطية تعيشها بعض الدول المنتجة للنفط، غير أن هذه الطفرة ليست أكثر من تلك التي شهدتها الدول النفطية في عقد السبعينات والتي ما لبثت أن تلاشت وكان لها نتائج وخيمة على اقتصاديات هذه الدول. وحتى هذه الدول لم تسلم هي الأخرى من ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته في سوقها الداخلي.
عبده جميل المخلافي