ارتفاع أسعار النفط يلقي بظلاله على الاقتصاد الألماني
ارتبط النمو الاقتصادي العالمي في الحقب الأخيرة بشكل كبير بأسعار النفط. وقد أثر تأرجح أسعار الذهب الأسود بين الارتفاع الحاد والانخفاض الطفيف بشكل سلبي على وتيرة النمو الاقتصادي في الدول الصناعية. غير أن الاقتصاد الألماني لا يعاني فقط من ارتفاع أسعار الطاقة والمحروقات، وإنما من هيكلة قطاعات الاقتصاد التي تبطئ انتعاش السوق التجارية الألمانية وتقلص كذلك من نسب النمو فيها. ويظهر تأثير أسعار النفط العالمية بشكل خاص على الشركات الألمانية الكبرى التي تعد بمثابة محرك الاقتصادي الألماني. كما تعمل التذبذبات في أسعار النفط على تدني قدرة قطاعات الاقتصاد الألماني التنافسية أمام الشركات الآسيوية التي تستفيد بدورها من اليد العاملة الرخيصة في بلادها. وتشير دراسة قام بها غونتر فينرت وإيكهارد فولرس من مركز الدراسات الاقتصادية الذي يتخذ من هامبورغ مقرا له إلى تأثير أسعار النفط على الاقتصاد العالمي من جهة والاقتصاد الألماني من جهة أخرى والتي انعكست سلبيا على نسبة الاستهلاك في الأسواق الداخلية والقدرة الشرائية للمواطنين.
أسباب ارتفاع أسعار النفط
أصبح النمو العالمي مقيدا بتطورات أسعار النفط العالمية، فقد أصبحت هذه الأخيرة تتحكم في الاستقرار الاقتصادي الدولي، لكنها تتأثر أيضا بشكل متزايد بالتقلبات السياسية العالمية. وعزا محللون اقتصاديون عدم الاستقرار الذي تشهده أسعار النفط وارتفاعها المتواصل إلى البيانات والأرقام المقترنة بها والتي تصدر بين الحين والآخر حول انخفاض مخزون الاحتياطي العالمي من النفط، مما يدفع الكثير من الدول إلى شراء النفط الخام لتأمين إحتياطاتها من الطاقة. و يؤدي تقلص إنتاج مصافي تكرير النفط التي وصلت إلى ذروة طاقاتها الإنتاجية إلى ارتفاع أسعار البنزين. ويرى خبراء الاقتصاد في المركز الألماني للأبحاث الاقتصادية في هامبورغ كذلك أن الارتفاع المتزايد في أسعار النفط وتذبذب سعرها في الأسواق العالمية يقف وراءه ارتفاع الاحتياجات الضخمة للطاقة في الصين والولايات المتحدة الامريكية. ولم تتأثر الصين كثيرا بارتفاع أسعر النفط الدولية، إذ أن احتياجاتها تأتي كنتيجة للنمو الاقتصادي التي شهدته خلال الأعوام الأخيرة. على عكس ذلك يعود ارتفاع الطلب الأمريكي على النفط إلى أسباب استراتيجية، إذ أن أسعار النفط تهبط بمجرد زيادة مخزونات الخام الأمريكي.
آفاق النمو الاقتصادي في ألمانيا
ويعتقد الباحثان فينرت وفولرس أن فرص النمو في العام القادم ستكون أفضل مع بداية بوادر تحسن طفيف بدت تطفوا على السطح وساهمت في تحسن نسبي في أداء الاقتصاد العالمي. ومن المنتظر أن يؤثر ارتياح الأسواق العالمية بشكل إيجابي على الاقتصاد الألماني. ويضيف الباحثان أن النمو في ألمانيا سيبقى بشكل خاص رهين الإصلاحات السياسية الداخلية وإصلاح شامل للنظام الضريبي الذي عليه أن يشمل تخفيض الضرائب وإلغاء الإمتيازات الضرائبية. والواضح أن ارتفاع أسعار النفط كبح مسار التطور الاقتصادي في ألمانيا وأصبح يطرح أكثر من تساؤل حول كيفية تعايش الإقتصادي الألماني مستقبلا في ظل تطورات أسواق النفط العالمية. وإلى جانب الصخب الدائر في الأوساط الاقتصادية حول سبل تنشيط النمو في ألمانيا، تزايدت الأصوات المطالبة بوضع تبسيط النظام الضرائبي ضمن أولويات الإصلاح إلى جانب تحسين نظام التقاعد والتأمين الصحي لتفعيل الإصلاحات الإقتصادية. ورغم كل الانتقادات الموجهة للسياسة المالية في ألمانيا، أظهرت مختلف البيانات الاقتصادية أن الجهود المبذولة حتى الآن من أجل النهوض باقتصاد البلاد ستبقى مستقبلا مرهونة بتطورات أسعار النفط الدولية وانتعاش الاقتصاد الدولي وتأمين موارد الطاقة.
طارق أنكاي ـ دويتشه فيله