اختيار البابا ـ من سيتربع على الكرسي الرسولي؟
١١ مارس ٢٠١٣هل سيكون البابا الجديد مرة أخرى من القارة العجوز، أوروبا؟ أم هل تملك الكنيسة الكاثوليكية للمرة الأولى الشجاعة الكافية لاختيار البابا من قارة أخرى؟ على سبيل المثال شيرر البرازيلي، أو سالازار غوميز الكولومبي، أو الكاردنال توركسون من غانا ؟. لائحة المرشحين من جميع أنحاء العالم طويلة، وهو ما يُصَعِب مهمة مجمع الكرادلة ويفتح المجال للعديد من التكهنات والتوقعات. وهذا ما يؤكده أيضا الخبراء والمراقبون المختصون بشئون الكنيسة الكاثوليكية، والذين يتوقعون أن اختيار البابا الجديد سيحدد أيضا التوجهات المستقبلية للكرسي الرسولي.
البابا "المثالي"
تختلف تطلعات وتصورات الكاثوليكيين للبابا الجديد، فالكاردينال الألماني يواخيم مايسنر، على سبيل المثال، يتمنى أن يكون البابا الجديد في حالة صحية جيدة وأن يكون عمره حوالي 70 سنة وأن يتميز بمستوى معرفي جيد وبذكاء ساطع مثل سابقه جوزيف راتزينغر. ويضيف الكاردينال مايسنر من مدينة كولونيا أن البابا المثالي قد يكون:"مزيجا من فويتيلا وراتزينغر". هذا في حين عبر الكاردينال البرليني راينر ماريا فولكي أيضا عن موقفه وتصوراته للبابا الجديد على هامش الاجتماع السري للكرادلة، الذي ينطلق الثلاثاء (12.03.2013). ويتمنى فولكي أن يكون عمر البابا الجديد بين منتصف الستينات وأوائل السبعينات، كما ينبغي أن يكون قريبا من الناس ويمتلك القدرة على التواصل والتجاوب معهم. ويعد فولكي، رئيس أساقفة العاصمة الألمانية والذي يبلغ من العمر 56 سنة فقط، من أصغر المشاركين في مجمع الكرادلة المغلق بروما من أجل انتخاب البابا الجديد. ويضيف فولكي أنه ليس لديه مانعا أن يكون البابا الجديد من أمريكا اللاتينية أو إفريقيا، قائلا:" لا يهمني من أي قارة سيأتي البابا الجديد."
بالإضافة إلى مايسنر وفولكي فهناك أيضا مجموعة من الكرادلة والأساقفة الآخرين الذين يحبذون أن يكون البابا الجديد أصغر سنا من سابقيه. وذلك ليس من قبيل الصدفة، ففي أبريل 2005 تم انتخاب الكاردينال الألماني جوزيف راتزينغر، بعد ثلاثة أيام فقط من عيد ميلاده 78. وكان البابا البافاري آنذاك في صحة جيدة في أول ظهور له في كاتدرائية القديس بطرس. ولكن بعد ثماني سنوات فقط تنازل البابا بنديكت السادس عشر عن منصبه بسبب حالته الصحية وعدم قدرته على مزاولة مهامه الكثيرة نظرا لتقدمه في السن.
قوة الكتلة الإيطالية
وبالإضافة إلى عامل السن هناك أيضا سؤال جوهري في ما يخص اختيار البابا الجديد: هل ستقوم كتلة الكرادلة الإيطاليين، التي تضم 28 شخصا، بالتحالف مع الكرادلة المحافظين الأسبان وبعض الكرادلة الفرنسيين باختيار بابا إيطالي من داخل"جهاز" الكنيسة؟ أم هل سيكون البابا الجديد من خارج " الجهاز" مثلما كان عليه عام 1978 باختيار فويتيلا البولندي أو في عام 2005 باختيار راتزينغر الألماني؟ وهل سيكون البابا الجديد مرة أخرى من أوروبا أو ممثل عن واحدة من "الكنائس الصغرى" في أفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية؟ فهؤلاء الممثلين للكنائس الصغرى يتميزون أيضا بتعليم جيد وذكاء كبير وإتقانهم لعدة لغات وقوة تواصل فريدة.
اختيار البابا الجديد من هذه الفئة من المرشحين سيكون سابقة ملفتة للنظر في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، خاصة والكنيسة في أوروبا تعيش ركودا كبيرا بسبب تراجع عدد المؤمنين وخروج الكثيرين من الكنيسة بسبب الفضائح المتوالية وغيرها من الأسباب.
وتتوجه الأنظار عادة فيما يخص الاختيار من إيطاليا إلى بطريرك البندقية، التي خرج منها في القرن العشرين ثلاثة من الباباوات. ولكن رئيس الأساقفة الحالي في المدينة لم يتجاوز بعد سن 60 وبالتالي فهو صغير جدا لتولي هذا المنصب. ولكن من جهة أخرى فإن أنجيلو سكولا الذي انتقل سنة 2011 من مدينة البندقية إلى ميلانو يبلغ من العمر 71 سنة له حظوظ جيدة لتولي هذا المنصب. غير أن هناك من يشكك في حالته الصحية. ومن المرشحين أيضا جيانفرانكو رافاسي، الذي كان يشغل منصب"وزير الثقافة" في الفاتيكان والذي أثبت إمكانياته في الحوار مع غير المؤمنين، كما يتميز أيضا بقوة خطاباته وتعليمه الجيد، ولهذا يتم تشبيهه في بعض الأحيان بفويتيلا و راتزينغر. ولكن على الرغم من الكتلة الإيطالية الكبيرة المشاركة في الاجتماع السري للكرادلة، إلا أن اختيار بابا إيطالي ليسا حتميا بالضرورة، خاصة وأن الأساقفة والكرادلة الإيطاليون في حالة انقسام إلى معسكرات مختلفة.
أسماء أمريكية بحظوظ ضئيلة
وفي حالة اختيار مجمع الكرادلة لبابا خارج الحدود الأوروبية فإن حظوظ الولايات المتحدة تبدو ضعيفة، خاصة بسبب فضائح الكنيسة الكاثوليكية المتوالية هناك والتي لازالت آثارها وتداعياتها حاضرة على الساحة. لذلك يبدو من المستبعد أن يكون البابا الجديد من صفوف الأساقفة والكرادلة الأمريكيين. ولكن هذا لا يمنع أن هناك بعض الأسماء الواعدة من القارة الأمريكية مرشحة للجلوس في الكرسي الرسولي، ومن بينها الراهب الكندي مارك أوليه الذي يبلغ من العمر 68 سنة وهو رئيس مجمع الفاتيكان للأساقفة وساهم لسنوات عديدة في تدريب الكثير من الأساقفة. ومن المتوقع أن تصوت لصالحه معظم البلدان الناطقة بالانجليزية، وهو يحظى أيضا بدعم من أساقفة أمريكا اللاتينية.
وعلاوة على ذلك توجد أيضا بعض الأسماء البارزة من أمريكا اللاتينية، ومن بينها رئيس أساقفة ساو باولو، البرازيلي أوديلو بيدرو شيرر، الذي يبلغ من العمر 63 سنة وعمل لسنوات في الفاتيكان، خاصة وأن بلده البرازيل تعتبر واحدة من أهم البلدان "الكاثوليكية" في جميع أنحاء العالم. ومن الأسماء الواردة أيضا الكولومبي روبن سالازار غوميز ( 70 عاما)، والذي داع صيته في السنوات الأخيرة بسبب سمعته الجيدة في بوغوتا وقدرته على دعم التواصل بين الكنائس في أمريكا الجنوبية.
إفريقي على الكرسي الرسولي؟
الكاردينال الغاني بيتر كودو أبياه توركسون يبلغ من العمر 64 سنة ويتمتع أيضا بسمعة جيدة اكتسبها من خلال منصبه كرئيس للمجلس البابوي للعدالة والسلام. ويتميز توركسون أيضا بمشاركته في عدة مهمات صعبة، ولذلك فهو يحظى بالكثير من التقدير والاحترام داخل وخارج الكنيسة. بالإضافة إلى ذلك فإن الكاريزما الشخصية والمهارات اللغوية المختلفة التي يمتلكها تجعل منه المرشح الإفريقي الوحيد بحظوظ معقولة.
قرار تنازل بنديكت السادس عشر فتح المجال أمام العديد من التكهنات والتصورات وتكوين تكتلات في وقت قصير، وهو ما يبعث على عدم اليقين داخل جميع الأطراف. ولكن استقالة البابا فتحت المجال أيضا لتسليط الضوء على أهمية هذا المنصب ودوره بالنسبة للمؤمنين الكاثوليك.
ومن المنتظر أن ينتخب بابا روما الجديد خلال هذا الأسبوع لينصب رسميا بعد ذلك ببضعة أيام حتى يتمكن من رئاسة مراسم "أسبوع الآلام" التي تبدأ بأحد السعف يوم 24 مارس/آذار.