اختتام أعمال أول برلمان شبابي أورومتوسطي في برلين
٣ يونيو ٢٠٠٧اجتمع أكثر من مائة شاب وشابة من 37 دولة في مدينة برلين في أول دورة برلمانية أورومتوسطية للشباب تجمع ممثلي الجيل القادم من سن 18 إلى 25 سنة من دول الاتحاد الأوروبي ودول جنوب البحر المتوسط. وتأتي هذه الفعالية، التي شارك فيها وفودا من الجزائر وتونس والمغرب ومصر وتركيا وسوريا وإسرائيل ولبنان وفلسطين وموريتانيا، بمبادرة من ألمانيا خلال رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي. وتهدف إلى دعم التعاون بين أوروبا ودول حوض البحر المتوسط بالتوافق مع اتفاقية برشلونة التي أقيمت في عام 1995 وهو ما أكده جونتر جلوزر المكلف من وزارة الخارجية الألمانية بالشئون الأوروبية، والذي ناب عن وزير الخارجية الألماني شتاينماير في افتتاح هذه الدورة. ورحب جلوزر بالشباب مشجعاً إياهم ومؤكداً على أنهم "صناع المستقبل وأن ما سيتخذونه من قرارات وتوصيات لن تصبح مجرد كلمات على ورق".
وفي الإطار نفسه دعتهم نائبة البرلمان الأوروبي لويزا مورجانتيني إلى المشاركة في البرلمانات الحقيقية قائلة: "لقد تقدم بنا نحن أعضاء البرلمانات الأوروبية المختلفة العمر، لذلك فإن الآمال معقودة عليكم. أنا أتمنى أن يتم انتخابكم في البرلمانات وأن تشاركوا بالفعل فيها". كما شارك في افتتاح الجلسة البرلمانية عدد من السياسيين الأوروبيين والعرب من بينهم محمد أبو العنين والدكتور مصطفى الفقي العضوين بالبرلمان المصري. كما شارك أيضاً المفكر الجزائري والذي قال عن البرلمان في حديث لدويتشه فيله: "هذا الحدث رائع ومميز جداً، فالحوار ومعرفة الآخر هو الحل الوحيد أمامنا، خاصة لتغيير الفكرة التي بنيت عن الدول الإسلامية والعربية وربطتها بالإرهاب".
خبرة برلمانية للشباب وآفاق مستقبلية
وعن هدف هذا البرلمان يقول جون لوكاس سوليرا، منسق الشبكة الدولية في مؤسسة آنا ليندا الأورومتوسطية، وهى إحدى المؤسسات الداعمة للمشروع، في حديث مع موقعنا: "نحن نعتمد على فكرة التمثيل أو تقليد ما يحدث في البرلمان وهذه الفكرة نعتمد عليها في الكثير من المشروعات، وهنا أيضاً فهم يتعلمون كيف يناقشون المواضيع المختلفة وكيف يعرضون وجهات نظرهم ويدافعون عنها بوضوح واختصار".
وعلى مدى ثمانية أيام، كان على الشباب أن يعدوا للجلسة البرلمانية، وذلك عبر تقسيمهم إلى عشر مجموعات، تهتم كل مجموعة منها بموضوع محدد وتقدم اقتراحات لعلاج المشكلات الخاصة به. ومن بين الموضوعات التي ناقشوها مثلاً الهجرة والبطالة والفساد والعولمة. وفي الجلسة الختامية قدمت كل مجموعة توصياتها فيما لا يزيد عن ثلاث دقائق، ناقش بعدها المشاركون الشبان وجهات الرأي المختلفة قبل أن يتفقوا على اقتراح يلقى موافقة الأغلبية.
وعن هذه التجربة الجدية تقول سمر سمير المزغاني من تونس: "لقد كنا نشاهد الجلسات البرلمانية في التلفاز دون أن يكون لدينا أية فكرة عن مجريات الأمور. لقد تعلمنا الكثير عن الإعداد للموضوعات وكيفية التعبير عن أفكارنا بوضوح ليفهما الجميع". وهو ما وافقتها عليه سيلينا من سوريا، والتي أضافت أن الشباب في العالم العربي يفتقدون لأية فرصة للمشاركة السياسية وهو ما يجعل من هذه الفعالية فرصة رائعة بالنسبة لهم، مضيفة أنه "من المؤسف أن هذه الفعالية تمول من الاتحاد الأوروبي وليس من الجامعة العربية". أما إيلكا، وهي إحدى الشابات الألمانيات اللاتي جئن فقط لمشاهدة الجلسة الختامية فقد أبهرتها قدرة هؤلاء الشباب على التعبير قائلة: "لقد أبهرتني الثقة التي يتحدثون بها، والقدرة على الحديث والتعبير والاستماع والرد على بعضهم البعض. إنه برلمان حقيقي والإعداد له تم بشكل جيد".
الحوار ضرورة لتخطي الجدار النفسي
وكما ذكرت نائبة رئيس برلمان برلين في بداية حديثها بسور برلين، الذي كان يقسم المدينة مثلما العالم مقسم اليوم، أكدت لويزا مورجانتيني على أهمية إزالة الجدار الأعلى بين إسرائيل وفلسطين. كما أكدت على أن الأهم هو إزالة الجدار النفسي بين الجانب العربي والإسرائيلي وبين ضفتي البحر المتوسط. هذه الرسالة الهامة تعلمها الشباب أيضاً حيث أكدت نجوان الفلسطينية المقيمة داخل الخط الأخضر أن مجرد إمكانية أن تروي قصتك ويسمعها الآخر تغير الكثير وتجعل الأمر أكثر إنسانية. أما الشاب الإسرائيلي يوناثان فقد عزف وراء الشابة التونسية يامينا وتأثر كثيراً بهذا الأمر كما تأثر بأنه تمكن أخيراً من مقابلة العرب والتعامل معهم بشكل شخصي وأضاف: "بالطبع لم يكن الأمر سهلاً، لكني أعتقد أن الحوار ومواجهة الواقع وعدم التهرب من المسئولية هو البداية لإيجاد حلول لمشاكله".
وبالنسبة للمشارك المغربي محمد، فقد ساهم هذا التبادل والحوار في التقليل من هيمنة الأفكار المسبقة، ليس فقط على الإطار الثقافي والشخصي، لكن أيضاً على المستوى السياسي، فقد أدرك المشاركين العرب مثلاً أن أوروبا ليست الجنة الموعودة، وأن الشباب هناك يعانون أيضاً من البطالة. أما الشابة اللبنانية سارة وهي واحدة من أعضاء البرلمان الشبابي فقد دعت الجموع إلى التعرف على معاناة الشرق قائلة: "لقد تركت لبنان والحرب والخوف والحزن يملأ أبناء وطني وجئت إلى برلين لأجد الشباب يضحكون ويمرحون، واليوم وأنا أشارك هنا أدعوكم لأن تتذكروا في كل مرة تسمعون فيها أحداث الحروب في نشرات الأخبار أن هذه الحروب هي واقع وتمس أشخاص حقيقيين".
الترفيه يبني جسور التواصل
وبالإضافة إلى المناقشات وورش العمل، التي شارك فيها الشباب بكثرة، نظمت الكثير من الأنشطة الترفيهية، فتعرف الشباب على بعض عادات الدول الأخرى من خلال القرية الأورومتوسطية، التي قدمت فيها كل دولة مشاركة مأكولاتها المميزة وملابسها التقليدية. أما في ليلة انطلاق الجلسة البرلمانية فقد لوحظ حضور مواهب موسيقية وغنائية من كل مكان، كما تميز حضور العرب في هذا الاحتفال الشبابي الممتع.
هذا التبادل الثقافي والحضاري أسعد الشباب وقرب بينهم أكثر، كما تؤكد سيلينا من سوريا، والتي اعتبرت هذا اللقاء فرصة للتعرف على الكثير من الشباب: "لقد تمكنت هنا من التعرف على شباب أوروبيين وعلى شباب عرب مثل الموريتانيين والفلسطينيين واللبنانيين، اللذين لا تتاح لنا الفرصة للقاؤهم في الظروف العادية".
سمر كرم ـ برلين