احتجاجات العيون – شرارة اجتماعية ألهبتها السياسة
٩ نوفمبر ٢٠١٠وضعت أحداث مدينة العيون، كبرى مدن إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه بين المغرب و جبهة بوليساريو، ملف الصحراء على صفيح من نار، خاصة وأن هذه الأحداث الدموية رافقت جولة المباحثات "الهشة"، التي جمعت أطراف النزاع بالقرب من نيويورك، والتي يرى بعض المراقبين أنها مفاوضات بدون أفق في ضوء تمسك كل طرفه بموقفه.
فالمواجهات التي دارت الاثنين بين قوات الأمن ومحتجين صحراويين أثناء تفكيك مخيم احتجاجي قرب مدينة العيون، هي الأعنف منذ سنوات، كما تضاربت الروايات بشأن الخسائر البشرية الناجمة عنها. إذ تؤكد السلطات المغربية سقوط ستة قتلى من بينهم خمسة من عناصر الأمن. بينما أعلنت جبهة البوليساريو أن أحد عشر شخصا قتلوا وأصيب 723 آخرون في حين اعتبر 159 في عداد المفقودين.
"احتجاج" و"قوة مفرطة"
وبالرغم من عودة الهدوء المشوب بالتوتر إلى المنطقة، فإن إحداث العيون خلفت وراءها الكثير من التساؤلات، خصوصا فيما يتعلق بكيفية تعامل السلطات المغربية مع مطالب المحتجين والتي قالوا إنها "مطالب اجتماعية". وكان المحتجون قد نصبوا، منتصف الشهر الماضي، خيما على بعد كيلومترات على مدينة العيون في حركة احتجاجية على ما وصفوه بـ"تردي ظروفهم المعيشية"، مطالبين بتوفير"الوظائف والسكن". وكان المخيم يؤوي ما لا يقل عن 12 ألف شخص حسب منظمة غير حكومية محلية.
ويؤكد حمود إديليت رئيس مكتب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في مدينة العيون، أن جمعيته حذرت السلطات المغربية منذ أيام من خطورة انتهاج مقاربة أمنية للتعامل مع الحركة الاحتجاجية، داعية إلى تلبية مطالب المحتجين. ووصف إديليت التدخل الأمني في المخيم بـ "العنيف" موضحا بأن السلطة "استخدمت القوة الأمنية المفرطة، مع العلم أن المخيم كان يضم آلاف المواطنين من الشيوخ والنساء والأطفال."
من ناحيته قال خالد الناصري، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة في تصريحات صحفية أن السلطات الأمنية "قامت بوظيفتها والتزاماتها لحماية المواطنين وفك الاعتصام عن مخيم سيطرت عليه مجموعة من اللصوص الملاحقين من قبل السلطات، وجاء تدخلها لحماية المواطنين". كما استغرب الوزير دفاع من سماهم بالـ "عصابة من المجرمين" عن قضايا سياسية. مؤكدا أن "السلطات المحلية كانت قريبة من التوصل إلى حل للمطالب الاجتماعية" لمجموعة من المواطنين أقاموا في مخيم بضواحي مدينة العيون.
من جانبه يرى بيدرو كانالاس، الصحفي الاسباني والمتخصص في ملف الصحراء الغربية، أن "الأحداث التي عرفتها مدينة العيون لها أبعاد أعمق، و تتمثل في الأساس في مطالب تتعلق بتحقيق العدالة حتى بين الصحراويين أنفسهم". ويوضح بالقول إن "المواطنين الصحراوين القاطنين في مدن كالعيون و السمارة وبوجدور لا يستفدون، بقدر من المساواة، من تلك الامتيازات المادية التي يحصل عليها الصحراويون العائدون من مخيمات اللاجئين بتندوف".
وتوصل كانالاس إلى هذه القناعة من خلال الشعارات التي طرحت؛ فبعض اللافتات كتب عليها شعار "خيرات الصحراء للصحراويين"، بالإضافة إلى شعارات تطالب بالانفصال. ويتساءل كانالاس عن الجهة التي أعطت الضوء الأخضر لأجهزة الأمن للتدخل بهذه القوة في عملية اقتحام مخيم الاحتجاج، مرجحا فرضية أن يكون القرار قد اتخذ على مستوى سياسي.
المحادثات في وضع صعب
ويؤكد بيدرو كانالاس، في حوار مع دويتشه فيله، أن "تحول الحركة الاحتجاجية من طابعها الاجتماعي والاقتصادي إلى طابع سياسي يأتي في ظل الانسداد الذي يخيم على المفاوضات بين أطراف نزاع الصحراء الغربية مع تصلب مواقف كل طرف، وهو الأمر الذي جعل الأوضاع قابلة للاشتعال في أي وقت". ويضيف أن هذه الأحداث وضعت المفاوضات التي انطلقت يوم أمس بوساطة الأمم المتحدة قرب نيويورك في وضع صعب. حيث يسعى ممثلون عن الحكومة المغربية و ممثلون عن جبهة البوليساريو لإنهاء الجمود بشأن قضية الصحراء الغربية التي كانت مستعمرة اسبانية وضمها المغرب في عام 1975.
وفي نيويورك قال مارتن نسيركي المتحدث باسم الأمم المتحدة للصحافيين "إنه لمن المؤسف بشدة أن هذه العملية والأحداث السابقة واللاحقة لها اثر على الأجواء التي تعقد فيها هذه المحادثات"، داعيا جميع الأطراف المشاركة إلى التزام أقصى درجات ضبط النفس في الساعات والأيام القادمة.
واعتبر ممثل جبهة البوليساريو في الأمم المتحدة أن هذه الصدامات "عمل متعمد من المغرب" لعرقلة هذه المفاوضات وكرر طلب الجبهة رفع المسألة إلى مجلس الأمن الدولي. بينما اتهمت الرباط من وصفتهم بـ "المنحرفين" بتخريب المحادثات.
والمحادثات بين المغرب وجبهة البوليساريو، التي يدعمها الجزائر، هي الأحدث ضمن سلسلة تعقد منذ 2007 بشأن الصحراء الغربية، واقترحت الرباط أن تصبح المنطقة إقليما مغربيا يتمتع بالحكم الذاتي في حين تريد البوليساريو إجراء استفتاء للسكان – المعروفين باسم الصحراويين- يكون الاستقلال التام أحد خياراته. يشار إلى أن الجولات السابقة من المحادثات فشلت في التوصل إلى تسوية لهذا الملف.
يوسف بوفيجلين
مراجعة: أحمد حسو