"ابن بابل"- رحلة بحث في الماضي العراقي الحزين
١٥ فبراير ٢٠١٠فيلم "ابن بابل" لمحمد الدراجي هو عبارة عن رحلة بحث من شمال إلى جنوب العراق يرافق فيها المشاهد الجدة (أم إبراهيم) التي لا تتحدث سوى اللغة الكردية وحفيدها (أحمد) الذي يتقن العربية والكردية للبحث عن الابن والأب المفقود. الجدة التي تجوب شتى أنحاء العراق مرورا بالعاصمة بغداد ووصولا إلى الناصرية، حيث يوجد السجن الذي تعتقد الجدة أن ابنها موجود فيه بعد أن سمعت أنه تم العثور على سجناء أحياء جنوب البلاد. الفيلم يخلو من مؤثرات سينمائية قوية تدفع إلى تحريك مشاعر المشاهدين، لكن هذه الرحلة المنقولة بواقعية شديدة تكفي لإحداث ذلك.
فالفيلم ينقل صورة واقعية للعراق بعد ثلاثة أسابيع من سقوط نظام صدام حسين عام 2003م، صورة يملؤها الدمار والحزن ونساء تبحث وتبكي على المفقودين وأطفال يعملون باعة متجولين لكسب العيش وسيارات لنقل الركاب من مدينة إلى أخرى معبأة بالناس الذين طال انتظارهم لها لعدة أيام. وحتى وإن جاءت تلك الحافلات المتهالكة بعد طول انتظار فقد تعطب في منتصف الطريق لتنتهي الرحلة وسط الصحراء!
صعوبة تحديد البطل الحقيقي
يصعب على المرء تحديد البطل في هذا الفيلم، هل هي الجدة الكردية التي اختارها المخرج الشاب محمد الدراجي بعد وقت طويل قام فيه بالبحث عن سيدة لا تحترف مهنة تمثيل وإنما عن وجه من الواقع عاش فعلا إحدى مآسي الأكراد الذي تعرضوا على يد نظام صدام حسين وخاصة أهالي ضحايا مذبحة الأنفال؟ أم أن الطفل ابن الثانية عشر عاما، ياسر طالب، الذي قام بدور الحفيد هو فعلا البطل؟ أم أن البطل الحقيقي في هذا الفيلم المتميز هو الابن والأب المفقود؟
مما لاشك فيه أن الطفل الكردي، ياسر طالب، الذي يقف لأول مرة أمام الكاميرا، نجح في لفت انتباه المشاهدين، فهو تميز بجرأته وقوة أدائه، كما أنه لعب دور همزة الوصل بين المشاهد والجدة في الفيلم، فالجدة لا تتحدث سوى الكردية أما الحفيد فيجيد اللغتين العربية والكردية وهو أيضا الذي يقوم بدور المترجم للجدة التي لا يفهمها على سبيل المثال أهل العاصمة بغداد، فكثيرا ما تترد جملة "آسفة لا أتحدث العربية". إلا أن الفيلم يجمع بين ثلاثة عناصر؛ الجدة والأم التي تقترب من الموت وتريد أن تسلم لابنها المفقود حفيدها الذي لم ير أبيه قط، والحفيد الطفل الذي يتحمل أيضا مسؤولية جدته، إلا أن مشاعر الخوف تلازمه ويحلم كما يحلم كل الأطفال بالحدائق الخضراء الجميلة، والأب المفقود الذي هو الموضوع الذي قام على أساسه هذا الفيلم.
تجربة شخصية تتحول إلى فيلم يعكس معاناة الآلاف
وفي حيث خاص إلى إذاعة دويتشه فيله يقول محمد الدراجي أن السبب وراء اختياره لهذا الموضوع الحزين كان عمته التي فقدت ابنها ولم تتمكن حتى الآن من العثور عليه. كما أنه قرأ أيضا عن قصة أم كردية قامت برحلة بحث عن أبنها المفقود ما أوحى إليه بكتابة قصة هذا الفيلم خاصة. و بحسب قوله هناك حاجز بين الثقافة الكردية والعربية في العراق، وهو يحاول من خلال هذا الفيلم تقديم عراق واحد تحمل جميع المآسي على أكتافه. و يرى محمد الدراجي أنه في فيلمه نجح في إبراز ذلك من خلال رحلة بحث الأم الكردية التي تجوب العراق لتصل إلى جنوبه، حيث تضم المقابر الجماعية العراقيين العرب والأكراد، ليظهر كيف كان جميع العراقيين يُدفعون ليكونوا جزءا من جيش صدام حسين سواء كانوا أكرادا أو مسيحيين أو عرب أو من طوائف أخرى، ليجنوا بعد ذلك المصائب التي خلفها النظام السابق.
معالجة الماضي للإنطلاق نحو المستقبل
الفيلم لا يخلو من مشاعر الحزن والألم التي تتجسد في عويل النساء بعد عثورهن على رفات ذويهم في المقابر الجماعية المتفرقة للأكراد التي دفن فيها ذويهم. والأهم من ذلك أن المخرج العراقي أحمد الدراجي يثير قضية غاية في الأهمية ألا وهي مشكلة الآلاف من الأكراد وعراقيين آخرين، والذين لم يعثروا على أحبائهم بعد أن فقدوهم في حرب الكويت أو بعد مذبحة الأنفال. حيث يلقى الدراجي الضوء على عدم توفر التقنيات الحديثة للتعرف على الهياكل العظمية من خلال الحمض النووي أو دي.إن.أيه، ما يعني أن هذه المعانة لم تنته بعد.
ويتمنى الدراجي من خلال حديثه إلى دويتشه فيله أن تنجح السينما العراقية في النهوض من جديد، مشيرا إلى أنه يحلم بتصوير فيلم كل عام يعكس مشكلة تواجه العراقيين في حياتهم اليومية. الفيلم و بحسب قوله سيعرض قريبا في دور العرض العراقية في العاصمة، إلا أنه يتحسر على مدينته بغداد التي لم يعد بها سوى داري عرض سينمائي فقط، حسب قوله. ويؤكد الدراجي على أن هذا النوع من الأفلام يلقى استحسانا من قبل الجمهور العراقي، مشيرا أن هذه الأفلام تتعمق في الماضي بغرض معالجة أثارة والتعلم من التاريخ لبناء الحاضر والمستقبل.
الكاتبة: هبة الله إسماعيل ـ برلين
مراجعة: عبده جميل المخلافي