IV Dr. Khalid Hajji
٢٣ يونيو ٢٠٠٩ما هي الحلول الممكنة لتحسين ظروف عيش الجالية المسلمة في أوروبا؟ وكيف يمكن لأفرادها أن يندمجوا بطريقة عقلانية وسليمة توفق بين الهوية الأصلية والواقع الأوروبي الذي تؤطره دساتير تعتمد على مبادئ العلمانية والحرية الفردية؟ هذه الأسئلة تعرض لها الأخصائي في الدراسات الأنغلوأمريكية خالد حجي المشارك في مؤتمر دولي بالدار البيضاء المغربية تحت عنوان " الإسلام في أوروبا، أي نموذج".
نص المقابلة:
دويتشه فيله: بهدف التوصل الى مقترحات عملية لتسهيل الحياة اليومية للجاليات المسلمة في مختلف الدول الأوروبية، نظم مجلس الجالية المغربية بالخارج على مدى يومي 20 و 21 يونيو/ حزيران الجاري مؤتمرا دوليا تحت عنوان " الإسلام في أوروبا، أي نموذج " بمشاركة خبراء من أوروبا وأمريكا الشمالية. لماذا لبيت الدعوة للمشاركة في هذه الندوة، لاسيما وأنك متخصص في الدراسات الانغلوأمريكية؟
الدكتور خالد حجي: أعتبر أن هذه الندوة تلامس موضوعا مهما يتعلق بواقع ومستقبل العلاقة بين المسلمين وأوروبا، ونحن في أمس الحاجة الى تلمس أجوبة بخصوص هذه العلاقة. والمسلمون مطالبون في الغرب بالتفكير في صيغ التوفيق بين الانتماء الى الديانة الاسلامية من جهة، والانتماء الى عالم محيط بهم ألا وهو شئنا أم أبينا عالم الحداثة . وأنت على حق بطرح هذا السؤال لأن المانيا مثلا تحتاج الى صيغ للتوفيق بين هذين الأمرين. وكما لا يخفى عليك فإنني مهتم بالموضوع كمغربي مقيم في المانيا.
جاءت مداخلتك في هذه الندوة تحت عنوان " الاسلام والحداثة، كيف تفسر ذلك ؟
هذا الموضوع كان يشغلني دوما على أننا ننحدر من مجتمعات وجدت نفسها بعد فترة التخلص من الاستعمار منقسمة على ذاتها، أجد أننا في أمس الحاجة الى ايجاد صيغ للتوفيق بين الانتماء الى هوية مسلمة يحددها الانتماء الى الدين، وكذلك هوية يحددها الانتماء الى منظومة قيم تحكم العالم الذي نعيش فيه. هذه العلاقة يطبعها التوتر في الأحيان وتحتاج منا الى اجتهاد حتى نصل الى صيغ تضمن التعايش من منطلق التداخل والتعارف والتكامل وليس التصادم والتنافر.
ألا تعتقد أنه بالإمكان عقد هذه الندوة أيضا في بلد أوروبي مثل ألمانيا بحكم أن هذا الموضوع مطروح حاليا بقوة فيها بشكل خاص وفي وأوروبا عامة ؟
بكل تأكيد سواء في المانيا أو في الدول الأوروبية الأخرى سؤال الهوية مطروح بشكل قوي جدا وجزء من هذا السؤال هو التساؤل عن كيفية ادماج المسلمين أو جعل الهوية الأوروبية تتسع لاستيعاب الديانة الإسلامية. فهذا شيء مشروع أن تَعقد مثل هذه المؤتمرات في أوروبا والمانيا بالتحديد .
ما هو اذن رأيك في النتائج التي حققها الى حد الان ما أسميه مؤتمر تدارس مستقبل المسلمين في المانيا أو ما اصطلح عليه ب "اسلام كونفرنتس " ؟ أنت تعلم أن وزارة الداخلية هي التي دعت بالأساس الى عقد هذا المؤتمر من أجل تأسيس هيئة عامة تمثل مصالح المسلمين في المانيا ؟
"اسلام كونفرنتس" كفكرة وخطوة أولية شيء جميل جدا لأنه يقر بوجود شيء لم يكن الاعلام قبلها يسلم بوجوده. وهو وجود الظاهرة الاسلامية أو وجود الاسلام أو وجود جالية مسلمة. والان انتقل الحديث عن هذه الجالية بوصفها جالية تنتمي الى خارج المنظومة الأوروبية الى الحديث عن الجالية بأنها موجودة بين ظهراني المجتمع الالماني والاوروبي عامة. فكبداية هذه خطوة مهمة جدا، لكن تحتاج طبعا الى تكميل والى اجتهاد أكثر حتى ترسخ أسس التحاور بين الجالية المسلمة والمجتمع الألماني وتعمق النقاش وتساهم في تجنب بعض الأحكام المسبقة .
لكن كيف تنظر الى نوعية الخطاب في هذا المؤتمر، هل هي فعلا صريحة أم يشوبها بعض الغموض، لاسيما وأن الأعضاء الذين اختيروا لتمثيل المسلمين فيه لا يلقون جميعهم الاجماع الضروري من قبل أفراد الجالية المسلمة في المانيا ؟
أنت تطرح الآن سؤالا مهما يتعلق بمسألة التمثيل أو الجهة التي ينبغي أن تمثل هذه الجالية، وهذه المسألة تشكل معضلة بالنسبة إلى الطرفين في اعتقادي. فهل تخلق المانيا مثلا أناسا يمثلون الجالية المسلمة، هذا قد يكون بعيدا عن الصواب. وهل الجالية المسلمة نفسها تفرز من يمثلها ؟ فمشكلة التمثيل قائمة لا يجب أن نقفز عليها. في اعتقادي المسلمون الذين يتمتعون بالسلطة الروحية بين أفراد هذه الجالية قد لا يتقنون لغة التواصل والتخاطب مع الغرب في كثير من الأحيان، هناك مشكلة اللغة لمعرفة الآخر ومعرفة خبايا الثقافة الالمانية على وجه التحديد. فالجالية المسلمة تحتاج الى رفع مستواها وجاهزيتها الثقافية، وهذا شيء حقيقي وقائم. لكن في المقابل هناك مسؤولية الدولة الالمانية والمسؤولين عن تدبير شؤون الجاليات في المجتمع الالماني، هؤلاء يحتاجون الى اجتهاد أكثر وأكبر لمرافقة هذه الجاليات والارتقاء بها، ولاسيما بمستواها التكويني، لأن هذه الجالية ان أخفقت في الاتفاق على من يمثلها فهذا يعود في جزء كبير منه الى اخفاق سياسة تكوينها وتأهيلها ورفع مستواها الفكري.
ألا تعتقد أن الإرهاب الدولي والتطرف الفكري يعرقلان الى حد كبير بلورة هيئة عامة واحدة مؤهلة لتمثيل مصالح المسلمين والدفاع عنها في المانيا؟
حقيقة الجو العام يخلق بيئة غير سليمة ويصب في تكريس بعض الصور النمطية مما يؤدي للتراجع الى بعض المواقع الخلفية والتحصن داخل بعض الفضاءات. المسلمون يتحصنون داخل فضاءات العبادة ، ولكن في المقابل هناك البعض في المجتمع الالماني مثلا ووسائل الاعلام التي تتحصن خلف حداثة متطرفة لا تقبل بالاختلاف والتعددية الثقافية بدعوى محاربة الارهاب. فهذه مشكلة، ولذلك ما نحتاج اليه لمواجهة هذه الأشياء غير السليمة هو حكمة في الطرح وحكمة في النظر الى الأشياء. الحكمة بوصفها تدعو الى التداخل عوض التنافر والتعارف عوض التعارض . فنحن في أمس الحاجة الى بلورة فكر حكيم .
أفراد الجالية المسلمة أصبحوا جزءا لا يتجزء من المجتمع الالماني، وعدد لا بأس به من الدراسات الميدانية برهن على اندماجهم داخل المجتمع، فكيف هذا التناقض، أي هناك اندماج ولم نصل بعد الى هيئة عامة معترف بها من قبل الدولة تمثل المسلمين أمام مختلف الهيئات الالمانية ؟
الدكتور خالد حجي: هناك شقان لهذا السؤال، أولا التمثيل كما أسلفنا مشكلة قائمة . الاندماج واقع وحاصل داخل المجتمع الالماني واندماج الجالية حاصل . لماذا ؟ لأن الجزء الكبير من أعضاء الجاليات المسلمة في أوروبا وفي المانيا يساهمون مساهمة جيدة وقيمة في الحفاظ على الأمن العام والاستقرار والارتقاء بالمجتمع الى أرقى المستويات. فهذا شيء قائم لا جدال فيه . لكن المانع من وجود تمثيل قد يكون السؤال بهذا الخصوص في حد ذاته، هل نريد من المسلمين أن يمثلوا تمثيلا حسابيا بمعنى تمثيلا مائة في المائة. هذا شيء متعذر وغير ممكن. لا توجد هناك جالية يمكن تمثيلها مائة بالمائة نظرا لاختلاف المشارب واختلاف المذاهب والآراء والقراءات والنظرة الى الكون ولذلك يجب أن يطرح سؤال التمثيل بصيغ أخرى . هذا قد يساهم في خلق ديناميكية تستطيع مع مرور الزمن أن تصل الى استيعاب المسلمين أو أغلبيتهم في أفكار قد تمثلهم أو تمثل الأغلبية منهم .
دويتشه فيله: اذن ما الذي يجب تصحيحه، لاسيما وأن شخصيات المانية مرموقة حثت المسلمين على المشاركة السياسية في ألمانيا؟
الدكتور خالد حجي: الدعوة الى مشاركة الجالية المسلمة في الحياة السياسية هي دعوة صائبة لأنه لا يجوز للمسلمين أن يبقوا بعيدين عن هذه المشاركة، لأن هذا يضر بمصالحهم أولا ويحجب بينهم وبين بقية المجتمع وكأنهم غرباء يكرسون حس الاغتراب عنه. وبالتالي فمن الضروري أن يساهموا في الحياة السياسية. لكن هذا الأمر يحتاج قبل ذلك الى نوع من الاستئناس ببعضنا البعض، أن يستأنس المجتمع الألماني بوجود الجالية المسلمة وأن تستأنس الجالية المسلمة بالمجتمع الالماني المحيط بها، وهذا يحتاج منا الى نزع بعض العوائق السيكولوجية والتوجه نحو الآخر والاقدام على ثقافته. وهذا شيء مهم جدا، إذ لا يمكن التعامل مع الآخرين كآلات يمكن ضبط سلوكها، ولا يمكن التحكم فيها كتحكم الانسان في الآلة . ففي اعتقادي هذه أمور يجب الاشتغال عليها بقصد ضمان التوصل الى سبل العيش الكريم ما بين الجالية المسلمة والمجتمع الالماني.
أجرى الحوار في الدارالبيضاء: محمد المزياني
تحرير: ابراهيم محمد
الدكتور خالد حجي أخصائي في الدراسات الأنغلوأمريكية من فرانكفورت، وعضو منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين بالرباط.