إيزيديات يهربن من قبضة "داعش" بالموصل
٨ أكتوبر ٢٠١٤الخجل والارتباك يبدو على الفتيات الخمس اللواتي تعرضن للاختطاف من قبل مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" على مدى ثلاثة أسابيع. وتنحدر هؤلاء الفتيات من قرية كوجو من جبال سنجار. الفتاة سيلان هي أصغرهن سنا وعمرها عشر سنوات وزهرة هي أكبرهن سنا وعمرها عشرون سنة.
ذكرت الفتاة زهرة أن الجهاديين اجتاحوا قريتهن في أوائل شهر (أغسطس/آب) الماضي وقالت: "وضعوا سكان القرية بين خيارين، إما اعتناق الإسلام أو الموت. ولكن الأهالي لا يريدون التحول إلى الإسلام. أدخلونا إلى مدرسة وقسمونا إلى مجموعتين، واحدة للرجال والأخرى للنساء. وكان والدي مع الرجال، غير أننا لم نره بعد ذلك إلى يومنا هذا."
لقد تم طرد حوالي 400 ألف من الإيزيديين من قراهم وبلداتهم في شمال العراق خلال الأسابيع الأخيرة، كما تم قتل المئات. وحسب آخر المعلومات تم ترحيل حوالي 5 آلاف امرأة إلى الموصل. هذه الأرقام أكدها أيضا دبلوماسيون غربيون ومنظمات الإغاثة. وقام مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي بقتل الإيزيديين رجالا ونساء وبخطف الفتيات، ومنهن الفتاة زهرة وأخواتها الأربع. كل الذين تمكنوا من الهروب من طغيان مقاتلي "الدولة الإسلامية" عبروا جبال سنجار باتجاه المنطقة الكردية شبه المستقلة شمال العراق.
معاناة على مر الزمن
وجه العديد من النازحين الإيزيديين خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى معبد لاليش، مكانهم المقدس الذي يقع في منطقة جبلية شمال غرب مدينة الموصل في شمال العراق. النازحون الإيزيديون الذين يشكلون جزءا من الأقلية الكردية في العراق، وهم أتباع الديانة القديمة المنحدرة من الزرادشتية والمنتشرة في شمال العراق، وجدوا في معبد لاليش ملاذا آمنا لهم فنصبوا فيه الخيام للبقاء هناك إلى أجل غير مسمى.
"أين يمكن الذهاب عندما يحل الشتاء؟" تسأل إحدى النازحات، في حين يرد عليها زوجها: "يجب أن نرحل إلى ألمانيا، فلا يمكننا العودة إلى قرانا لأنها الآن في قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية".
على مر الزمن عانى الإيزيديون حمامات 73 مذبحة كما يقول الشيخ بابا، الزعيم الديني للإيزيديين، ويضيف قائلا: "لكن المذبحة الحالية هي الأسوء". ويبدو أن الصاعقة التي نزلت على الإيزيديين أثرت على الشيخ بابا، وجعلته يبدو شاحبا أكثر من أي وقت مضى، فهو يحاول استيعاب الضرر الذي لحق بأهالي عشيرته ومعاناتهم منذ فترة طويلة.
اختطاف النساء
في الماضي عانى أتباع الديانة الإيزيدية، التي تعود جذورها إلى ما قبل ظهور المسيحية من كراهية المسلمين المتطرفين لهم، وتناقل هؤلاء أساطير وحكايات عنهم بلا إسناد موثق، حيث يتهم الإيزيديين بعبادة الشيطان، وأن طاووس ملك الملائكة الذي يعظمه الإيزيديون هو الشيطان إبليس. ويعتقد بعض هؤلاء المتطرفين أن هذه التصورات تجاه الديانة الإيزيدية والغنية بالأساطير والميثولوجيا لا تتطابق مع المفاهيم والتصورات الإسلامية.
وتتذكر الفتاة زهرة قائلة: "نمنا في الليلة الأولى ساعتين فقط"، وتضيف في قولها: "وعلى الساعة الرابعة صباحا جاؤوا ليأخذونا إلى الموصل، وأمر أحدهم أختي الصغيرة بخلع نقابها فأجابته أمي غاضبة: لماذا تطلب من ابنتي ذلك؟ فرد عليها أنه يجب عليها خلع الحجاب وإلا فسيقتلها. ولم تتماسك والدتي نفسها وبدأت تبكي، فضربها وأخذها معه."
في الأيام الأولى من اختطافها بدأت الفتاة زهرة تقوم بتعداد المختطفين وكيف اختفوا بدون أثر وهم في طريقهم إلى الموصل. 65 امرأة مسنة و 165 فتاة غير متزوجة و400 رجل. وقالت: "لم نكن نعرف مصير هؤلاء الرجال، سمعنا في إحدى الليالي وابلا من الطلقات النارية، سألت أحد مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" عما يجري، فأجابني: فقط طلقات نارية على سيارة مجهولة. وفي وقت لاحق أخبرونا بأنهم قتلوا مختطفين."
وفي صباح اليوم التالي قام مقاتلو "داعش" بنقل النساء إلى مدينة الموصل معقل ما يسمى بخلافة تنظيم "الدولة الإسلامية"، والتي سقطت في أيدي إرهابيي تنظيم "الدولة الإسلامية" في شهر (يونيو / حزيران 2014)، حيث تباع النساء في سوق تم إنشاؤه داخل بناية هناك. وحسب عدة شهادات يمكن للرجال شراء هؤلاء النساء كسبايا.
خوف الضحايا من وصمة العار
" في السوق تم إنشاء مكتب، حيث يمكن للراغبين التطلع على صور النساء وأسعارهن" كما تقول سوزان عارف الناشطة البارزة في مجال حقوق الإنسان في العراق، وتضيف قائلة: "أسعار المسيحيات أعلى من أسعار الإيزيدييات، نحن نعرف ذلك من خلال نساء مكثن هناك لفترة طويلة في قبضة مقاتلي "داعش" وعدن بعد ذلك إلى ذويهم. وتتعرض النساء في غالب الأحيان إلى الاغتصاب مباشرة بعد الاختطاف. فالجهاديون يغتصبون النساء ويبيعهن في الموصل ثم يعيدون الكرة مع نساء أخريات."
من أصل 5 آلاف امرأة مختطفة عادت منهن 43 امرأة فقط. أما عن كيفية عودتهن إلى ذويهن فإن ذلك غير واضح. وقد يكون شيوخ القبائل السنية في الموصل والفلوجة قد قاموا بالتوسط للإفراج عنهن مقابل دفع مبالغ مالية. وليس من المستبعد أن يكون الإفراج عن الأخوات الخمس المختطفات قد تم بهذه الطريقة. فهن لا يفصحن عن ذلك مخافة وصمة العار وإقصائهن من طرف المجتمع الإيزيدي التقليدي. أما بالنسبة للفتاة زهرة فيقع على عاتقها الآن مسؤولية كبيرة بعدعودتها من الاختطاف ويجب عليها أخذ مكانة والديها والإعتناء بأخواتها الصغار مما سيثقل كاهلها مستقبلا ولاشك.