الرقة: إمارة "داعش" في بلاد الشام أو تورا بورا السورية
٩ مارس ٢٠١٤مدينة الرقة، أو "إمارة الرقة" أصبحت مقراً رئيسياً لما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش). لافتات وكتابات تملأ جدران شوارع "الولاية" تدعو الأهالي إلى التقيد بالشريعة الإسلامية حسب منظور "الدولة" المتطرف. أغلب المقرات الحكومية سابقاً تحولت إلى مكاتب للتنظيم، وأصبحت كنيسة سيدة البشارة وسط الرقة المكتب الدعوي له، إذ قام عناصر من التنظيم في 26 من أيلول/ سبتمبر العام الماضي بإنزال الصليب من على الكنيسة.
هذا التطور لم يمر مرور الكرام إذ رفضه نشطاء المدينة يومها وقادت الناشطة سعاد نوفل ومجموعة من الناشطين تظاهرة مناهضة مستنكرة الحدث، حاملين فيها الصليب ليعيدوه لداخل الكنيسة. التظاهرة تسببت في تشكيل خطر على حياة سعاد مما أرغمها على الخروج من المدينة، فهي تقيم الآن في تركيا. وعن أسباب خروجها من الرقة قالت نوفل لـ DW عربية إنّها "ملاحقة ومطلوبة من قبل داعش والنظام معاً، وأن دمها مهدور" لرفضها لما قام به التنظيم من "احتلال للكنائس وسرقة لمقدرات المحافظة مشاركةً مع بعض الكتائب المسلحة الأخرى".
وتصف سعاد سيطرة التنظيم على مدينتها "بالاحتلال"، وتضيف قائلة: "منذ حوالي العام لم تقم داعش إلّا بمزيد من عمليات الاعتقال والاختطاف والتضييق والإعدامات الغامضة؛ والمزيد من تضييق للحريات وخنق الأهالي وخاصة النساء بفرمانات ما أنزل الله بها من سلطان".
تورا بورا سوريا
عندما يعلوا صوت الأذان، يتسارع سكان المدينة لأقرب جامع لأداء الصلاة. أصحاب المحلات التجارية عليهم إغلاقها والذهاب لأداء الصلاة جماعةً. التنظيم فرض قوانين وتشريعات على سكان المدينة "تعود إلى القرون الوسطى"، حسب الناشطين. إذ "يجلد 70 جلدة كل من يتلفظ بكلمة داعش"، و"تُمنع الفتاة من ارتداء الجينز والكنزة وعليها باللباس الإسلامي (وفق مفهوم داعش) النقاب والبرقع". كما "يمنع وضع الملابس النسائية على واجهة المحلات ويجب أن يكون البائع تكون امرأة".
كما يجب أن "تغلق محال الخياطة النسائية في حال وجود ذكر في المحل؛ ويمنع زيارة النساء الأطباء بقصد المعالجة وعليهنَّ زيارة الطبيبات حصراً". ومنع التنظيم تدخين السجائر والنرجيلة وأمر بإغلاق صالونات الحلاقة الرجالية ومنع تقصير شعر الرجال والفتيان. كما اصدر تعليمات تمنع على الشبان تسريح شعرهم بقصات حديثة أو وضع أي مادة على الشعر.
وتعلق سعاد نوفل على هذه الأحداث قائلة لـ DW عربية "أنا مُحجبة منذ 25 عاماً، لأنني قررت أنّ أتحجب ولم يفرض عليّ أحد الحجاب، المسألة حرية شخصية وقناعة ولا تأتي بالإكراه أبدا. ما تفعله داعش هو نوع من ممارسة السلطة الاستبدادية تحت غطاء الإسلام ولكنها بعيدة كل البعد عنه، هي بذلك الفعل القسري والترهيب والجلد تعمد إلى تشويه الإسلام".
ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ قامت كتيبة الخنساء التابعة للتنظيم باعتقال 10 طالبات في المرحلة الثانوية في مدينة الرقة عند قيامها بجولة تفتيشية على إحدى المدارس الثانوية. الكتيبة اعتقلت طالبات من الصف العاشر بحجة أن النقاب الذي يرتدينه غير شرعي وأنهن وضعن المكياج على وجوههنّ تحت النقاب. كما اعتقلت الكتيبة فتاتين من وسط المدينة وزعمت أنهن خلعن النقاب عن وجوههنّ وحكمت عليهن قاضية تابعة للتنظيم بالجلد 30 جلدة.
وعن ردود فعل الأهالي لممارسات التنظيم، قالت سعاد لـ DW عربية إن "من بقي من الأهالي يُنفّذ القرارات، ليس محبة بل خوفا من العقاب. فنحن مسلمون ولا نحتاج إلى من يعلمنا ديننا، وقضيتنا ليست قضية حجاب ونقاب بل قضية حرية من حاكم استعبدنا وزبانيته 43 عاماً".
الرقة تلبس ثوباً محنىّ بالسواد
ويروي الدكتور وليد اللحظات الأخيرة قبل فراره من المدينة بعد أن اتهمه التنظيم بالكفر ونعته بالعلمانية، وأنه يتبع الشيطان وموال للغرب. وقتها أدرك أنه إما سيعتقل أو ستتم تصفيته لا محالة كباقي النشطاء، لذلك قرر الهرب من المدينة. الدكتور وليد طلب ذكر اسمه الأول فقط خوفاً على أقربائه ممن بقوا فيها. قال بصوت حزين لـ DW عربية "عندما غادرت الرقة كانت حزينة؛ وبدأت تتشح بالسواد يوماً بعد يوم، حتىّ كنا نحكي عنها بأنها أول عروس للحرية استقبلت زفافها بثوب عرس محنى بالسواد، وجوه حزينة ترنو إلى ماضٍ ما كان بعيداً".
الدكتور وليد كان يعمل في مشفى ميداني في المدينة وقد تحدّث لـ DW عربية عن عمله وقال إنه "كان غير مريح بسبب التدخل المفروض على الأطباء من قبل مندوبي تنظيم الدولة الإسلامية حيث من الممكن أن يقوموا بإلغاء عملية إسعافية لشخص ما كي يقوم الأطباء برعاية عضو من التنظيم".
وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2013 اقتحم مقاتلون من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" مقر راديو "أنا" في الرقة والمحسوب على المعارضة واستولوا على المعدات الخاصة بالبث والاتصالات، ما أدى إلى إيقاف عمل الإذاعة وإغلاقها. محّرر ومسؤول القسم السياسي في راديو (أنا) الصحفي أحمد كم الماز أكد لـ DW عربية أنّ "تنظيم داعش أخذ من جديد دور سلطة الأمر الواقع، ليمارس أداءً معادياً للإعلام الحر. إنه يعادي أي نشاط يعارض توجهاته أو يختلف معها". وأضاف "ممارسات التنظيم أعادت بالسوريين إلى نقطة الصفر".
جزية داعش على مسيحي الرقة
لم تطل ممارسات داعش المسلمين فقط، إذ فرض التنظيم جزية على مسيحي المدينة حيث "يلتزم النصارى بدفع جزية على كل ذكر منهم مقدارها أربعة دنانير من الذهب على أهل الغنى، ونصف ذلك على متوسطي الحال، ونصفها على الفقراء". العهد سمي بـ "أول عقد ذمة في الشام بين الدولة الإسلامية ونصارى ولاية الرقة". ونص أيضا على أنْ "لا يحدثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا صومعة راهب، ولا يجددوا ما خرب منها". و"لا يظهروا صليباً ولا شيئاً من كتبهم في شيء من طرق المسلمين أو أسواقهم، ولا يستعملوا مكبرات الصوت عند أداء صلواتهم وكذلك سائر عباداتهم".