إعلانات "الكومباوند"..زخم رمضاني يخفي الكثير في مصر
٣ أبريل ٢٠٢٤مع سماع صوت مدفع رمضان، تنتاب حالة من الاستغراب مقرونة بمزيج من الحيرة والاندهاش على وجه المهندس المصري مهدي أحمد ذو الأربعين ربيعا وهو يشاهد هذا الكم الكبير من الإعلانات الترويجية لتسويق مناطق "الكومباوند" وهي منتجعات سكنية فاخرة ومغلقة.
وفي حوار مع DW عربية، قال مهدي إنه "في الوقت الذي أبذل فيه أنا وغيري من أبناء الطبقة محدودة الدخل كل دقيقة في الوقت لتوفير بالكاد قوت يومنا ويوم أسرتنا وسط غلاء الأسعار المتزايد، أشاهد إعلانات كومباوندات حيث تباع الوحدة السكنية بها بملايين الجنيهات".
ويشهد رمضان، الذي يعد الموسم الإعلاني الضخم في مصر، زيادة في الاعلانات الخاصة بالمشاريع العقارية والسكنية الفاخرة أو يطلق عليها المصريون "الكومباوند". وكان أبطال هذه الإعلانات نجوم ونجمات في عالم السينما والتليفزيون أبرزهم يسرا وكريم عبد العزيز وشرين رضا وحتى نجوم كرة القدم وفي المقدمة نجم ليفربول المنتخب المصري محمد صلاح.
وانضمت جورجينا رودريغيز، صديقة النجم كريستيانو رونالدو ، إلى السباق الإعلاني الرمضاني حيث ظهرت في إعلان تلفزيوني للترويج لـ"كومباوند" شهير في منطقة القاهرة الجديدة بشرق القاهرة. مشاهدة الإعلان توضح اتساع حجم الهوة بين الطبقات الغنية والفقيرة في المجتمع المصري.
تسرد هذه الإعلانات - التي يمتد عرضها لدقيقتين أو أكثر - كافة مناحي الحياة داخل "الكومباوند" بداية من أشكال الشقق والفيلات الفاخرة ونافورات الماء والمسابح ومراكز التسوق الراقية وحتى المشافي المتقدمة والمدارس الدولية في مشهد مغاير لحال جُل سكان مصر.
وتشير التقديرات في أكبر دولة عربية من حيث تعداد السكان إلى أن 60 بالمئة من سكان البلاد البالغ عددهم 104 ملايين نسمة تحت خط الفقر أو بالقرب منه.
لكن مؤخرا، تسود البلاد بعض أجواء التفاؤل بعد توقيع اتفاقية رأس الحكمة بين مصر والإمارات في فبراير / شباط الماضي التي وصفها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في حينه بأنها تمثل "أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر" في البلاد.
وسوف ستحصل البلاد بموجب الاتفاقية على نحو 35 مليار دولار في غضون شهرين فيما تُقدر تكلفة تطوير المشروع بمراحله المختلفة بقرابة 500 مليار دولار خلال 15 عاما.
ويأتي المشروع في ذروة موسم بناء المجتمعات العقارية الفاخرة في البلاد وهو ما ظهر جليا في إعلانات رمضان.
"ليست ظاهرة مصرية"
ويرى تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط ومقره واشنطن، إن إعلانات "الكومباوند" ليست وليدة اللحظة.
وفي مقابلة مع DW عربية، قال "قد تكون الإعلانات كثيفة بعض الشيء هذا العام مقارنة بالسابق، لكن ظاهرة الاستثمارات الرأسمالية غير المنتجة في العقارات بشكل عام والعقارات الفاخرة بشكل خاص قديمة جدا، لذا فهي ليست ظاهرة مصرية."
وأضاف أنه "في العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض، فإن هذا يمثل الطريقة التي يقبل عليها الأشخاص ممن لديهم رأس مال زائد. الأمر يرتبط بشكل كبير بغياب فرص الاستثمارات الموثوقة بها في القطاعات الأخرى".
الجدير بالذكر أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء التابع للحكومة المصرية قد أفاد بأن إجمالى عدد الوحدات السكنية المنفذة بلغ 281.3 ألف وحدة عام 2018 / 2019 باستثمارات قدرها 94.6 مليار جنيه أي ما يعادل 6 مليار دولار.
وفي ذلك، قال كالداس إن "عوامل الفساد وضعف سيادة القانون وعدم موثوقية إنفاذ العقود وضعف الطلب المحلي بسبب ارتفاع مستويات الفقر، تجعل المشاريع التجارية الأخرى – غير العقارية - تبدو أكثر خطورة وأقل جاذبية."
العقارات.."السوق المربح"
وبشكل عام، يقول الخبراء إن قطاع العقارات يشهد منذ نحو أكثر من عامين نشاطا كبيرا بعد أن أصبح المجال الأكثر تحوطا بعد الذهب وشراء العملات الأجنبية مع انخفاض قيمة الجنيه.
وتعرض الكثير من الشركات العقارية طرقا عديدة لتسهيل سداد شراء الوحدات السكنية الجديدة حيث يمكن أن تمتد فترات السداد من خمس إلى عشر سنوات.
وفي تعليقه، قال خبير تسويق في إحدى كبرى الشركات العقارية في مصر، إن "سوق العقارات في مصر أصبح مربحا جدا".
وفي مقابلة مع DW عربية، أضاف الخبير – الذي طلب عدم الكشف عن هويته – "بحكم عملي، أوكد أن أي مشروع عقاري جديد تنفذه الشركة التي أعمل بها يلقى إقبالا ورواجا حيث يتم بيع الوحدات السكنية في أيام رغم أن أسعارها مرتفعة جدا".
ويقدم الدكتور محمد باغه، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة قناة السويس، تفسيرا ذلك، قائلا: "إن الكثيرين ينظرون للعقار حاليا على أنه مخزون للقيمة نظرا لما ينتج عنه من احتفاظ لأصل المال مع زيادة قيمته مستقبلا".
وأضاف باغه في مقابلة معDW عربية أن "رواج الكومباوند يمثل للجمهور المستهلك أو العميل المحتمل فرصة اقتصادية فى ظل عدم استقرار سعر الصرف ومن ثم يكون اللعب على وتر زيادة القيمة الاقتصادية منها بغض النظر عن احتياجه الأساسى لها."
خفة الدم المصرية
ومنذ انتشار إعلانات "الكومباوند" الرمضانية، امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بتعليقات تنتقد هذه المشاريع العقارية الفاخرة التي تقدر بالملايين حيث يراها كثيرون بأنها تمثل تناقضا للواقع المرير الذي يعانيه منه الكثير من سكان البلاد.
واتسمت التعليقات بالطابع الفكاهي أو ما يطلق عليه "خفة الدم المصرية" حيث غرد أحد المستخدمين قائلا: "علشان اعيش قصة حب، لازم أسكن في كومباوند".
وتساءل آخرون عن أسباب اختفاء الاعلانات الخاصة بالترويج للسلع الغذائية كما كان الحال في إعلانات رمضان قبل أعوام فيما سلط البعض على التناقض بين انتشار إعلانات "الكومباوند" والإعلانات التي تحث المصريين على التبرع سواء لبناء مستشفيات أو لتمويل جمعيات خيرية تساعد الفقراء.
لكن في المقابل، يرى آخرون ضرورة حماية حق امتلاك وحدات سكنية حتى لو اعتبرها الكثيرون غالية الثمن.
يشار إلى أن مجلة "فوربس" قد أدرجت 6 مصريين في قائمة المليارديرات فيما احتفظ رجل الأعمال ناصف ساويرس صدارة ترتيب أغنى شخص في مصر بثروة تقدر بقرابة 7.5 مليار دولار ويحل شقيقه نجيب ساويرس في المركز الثالث بثروة تقدر بـ 3.3 مليار دولار.
ماذا عن التصنيع؟
من جانبها، دافعت الحكومة عن سوق العقارات الذي اعتبره "محركا رئيسيا للنمو والاستثمار وتوفير فرص العمل" فيما قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إن "قطاع العقارات المصرى يمثل أكثر من 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي".
ورغم مساهمات قطاع العقارات في تعزيز اقتصاد البلاد وجذب الاستثمارات الاجنبية، إلا أن خبراء اقتصاديون يؤكدون على ضرورة دعم قطاع التصنيع خاصة مع اعتماد البلاد على الاستيراد ما أدى إلى استنزاف احتياطيات العملات الأجنبية في البلاد.
وفي تعليقه، قال تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، "من المؤكد أن مصر ستستفيد من زيادة الاستثمار في المناطق الإنتاجية بدلا من ضخ أموال لا حصر لها في التطوير العقاري."
وأضاف "المصانع التي تنتج سلعا تحل محل السلع المستوردة أو تنتج سلعا يمكن تصديرها من شأنها أن تحقق الكثير في معالجة العجز في الحساب الجاري والنقص المستمر في العملة الصعبة في البلاد. علاوة على ذلك، فإن الاستثمارات في الأنشطة التجارية الأكثر إنتاجية من شأنها أن تخلق فرص عمل أكثر بكثير من تلك التي تخلقها مشاريع التطوير العقاري."
وبعيدا عن الأثر الاقتصادي لسوق العقارات، يرى المهندس مهدي أن إعلانات الكومباوند تخلق لدي المواطن - على حد تعبيره - "حالة من الفصام"، متسائلا: "هل نحن نعيش في نفس الوطن الذي يعيش فيه سكان هذه الكومباوندات؟! أم إننا نعيش في وطن آخر ؟!"