إطلاق سراح علاء عبد الفتاح- شجرة تغطي الغابة؟
١٥ سبتمبر ٢٠١٤اطلاق سراح علاء عبد الفتاح هو الخبر الذي هيمن في وسائل الاعلام المصرية والدولية في اليوم التاسع والتسعين على تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الرئاسة في مصر. فالفرحة كانت عارمة في إحدى قاعات محكمة جنايات القاهرة عندما أعلن المستشار محمد علي الفقي إطلاق سراح علاء عبد الفتاح وأحمد عبد الرحمان ووائل محمود متولي. كما قرر المستشار الفقي التنحي عن القضية وإحالة ملف المتهمين الخمسة والعشرين إلى محكمة الاستئناف التي ستحيلها بدورها إلى محكمة أخرى. فالقضية مازالت جارية والمتهمين لم يبرؤوا بعد حكم مفاجئ.
رغم ذلك لم يكن من المتوقع ان تتخذ المحكمة هذه القرارات. لكن المفاجأة الأكبر تجسدت في أمر المحكمة المذكورة بإحالة قرص يحوي مشاهد وصور شخصية للمتهم الأول في القضية، علاء عبد الفتاح، وكان مدمجا ضمن احراز القضية، إلى النيابة العامة للتحقيق وتحديد المسؤول عن إرفاقه بأحراز القضية. عرض هذه المشاهد الشخصية بشكل علني شكل "مخافة لاحكام الدستور الذي يحمي حرمة الحياة الخاصة للمواطنين"، حسب نص قرار المحكمة. نفس المحكمة التي قضت بحكم هؤلاء المتهمين بالسجن خمسة وعشرين عاما لخرقهم قانون التظاهر، والذي يعتبره المعارضون مخالفا للدستور. وهو ما لم يبث في شأنه من الناحية القانونية.مثل هذه التناقضات في التعامل مع ملف حقوق الانسان أهم ما ميز المائة يوم الأولى من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.
فحسب المنظمات الحقوقية يقبع في السجون المصرية الآلاف ممن وجهت لهم تهم تتعلق بأنشطة سياسية، ولم تصدر في حقهم أحكام بعد. صحافيون وحقوقيون ونشطاء سياسيون ينتظرون النظر في قضاياهم المعروضة أمام القضاء، تحت طائلة تقييد حرياتهم. أغلبهم لا يشكل خطرا أمنيا على البلاد أو من المستبعد أن يلوذوا بالفرار من العدالة، كسناء عبد الفتاح مثلا، والتي تم التأجيل في النظر في قضيتها لأسباب غير مفهومة لحد الآن. الصحفية ماهينور المصري مثال آخر على ذلك. فعلى ما يبدو فإن المبدأ العام "المتهم بريئ حتى تتبث إدانته" لا يحظى بأهمية كبيرة في قضايا تتعلق بمعارضين سياسيين.
"عدم شرعية القوانين الانتقالية"
رغم ذلك يعتبر النشطاء السياسيون قرار المحكمة في قضية علاء عبد الفتاح وآخرين مكسبا لثورة الخامس والعشرين من يناير. محمد سامي أحد المتهمين في القضية يقول لـ DW إن التفاف النشطاء حول زملائهم المتهمين وخوض العديد من السياسيين المعروفين والشخصيات البارزة إضرابات عن الطعام هو ما دفع المحكمة إلى التخلي عن القضية. كما يرى سامي أن قرار المحكمة مؤشرا على فعالية أسلوب الاحتجاج السلمي، والذي سيستمر فيه إلى غاية إطلاق سراح باقي المعتقلين.
أغلب القوانين المنظمة للحريات العامة والمعمول بها في مصر صدرت في فترة ما قبل الثورة أو إبان الحكم الانتقالي. باستثناء فترة حكم الاخوان المسلمين، لم تحظ مصر بسلطة تشريعية منتخبة تسهر على اصدار مثل هذه القوانين. حكومة الاخوان المسلمين، وبالتالي القوانين التي صدرت إبان هذه الفترة، فقدت شرعيتها بعدما خرج الملايين مطالبين بتنحي الرئيس السابق محمد مرسي، بغض النظر عن دوافعهم السياسية أو الايديولوجية.
أما القوانين التي صدرت إبان الفترة الانتقالية، التي لم يكن يوجد فيها رئيس منتخب، فما زالت سارية المفعول حتى بعد انتخاب الرئيس السيسي. وهذا أهم ما ينتقده النشطاء السياسيون. فحسب رأيهم كان من المفترض على الرئيس المنتخب إلغاء القوانين الانتقالية والاسراع في تنظيم الانتخابات البرلمانية لتثبيت السلطة التشريعية. لا هذا ولا ذاك حصل لحد الآن. ومازال الرأي العام، حتى الدولي منه، ينتظر تحديد موعد لانتخابات البرلمان وإكمال خارطة الطريق التي أجمع عليها العديدون عقب ثورتهم على حكم الاخوان المسلمين. تشبث الرئيس السيسي، وزير الدفاع السابق بهذه القوانين يعود إلى تطبيقه لسياسة أمنية لا تضع احترام مبادئ حقوق الانسان في مقدمة أولوياتها. فبالبلاد كما يكرر الرئيس السيسي باستمرار تخوض حربا ضد الإرهاب لا تسمح لها بإعطاء مجال للحريات العامة.
قرارات صعبة ووضع اقتصادي متأزم
من جهة أخرى لم يتردد الرئيس السيسي في اتخاذ اجراءات مؤلمة من الناحية الاقتصادية. كالرفع المفاجئ في أسعار المحروقات. خطوة لم يجادل الخبراء ضرورتها الاقتصادية بل اعتبروها ضرورية. لكن طريقة تطبيقها لم تكن لتراعي مبادئ العدالة الاجتماعية والسلم الاجتماعي، كما ترى الخبيرة الاقتصادية سلوى العنتري، في حوار مع DW. وبالفعل ينعكس الارتفاع المفاجئ لأسعار المحروقات على أسعار المواد الأساسية الأخرى. وهو ما يزيد من معاناة غالبية فئات المجتمع المصري، خاصة أولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر. السيسي وعد بتعويض ذلك من خلال توزيع بطائق تموين على الفقراء، وهذا ما حصل بالفعل وإن في إطار محدود. أما الفئات الغنية فمازالت تستفيد من دعم الدولة لمواد تتوفر في مصر بأسعار تحت معدل الأسعار في السوق العالمي. العديد من المراقبين، توقعوا حدوث ثورة جياع عقب ارتفاع الاسعار.
من جهة أخرى وعد عبد الفتاح السيسي، خلال حملته في الانتخابات الرئاسية، بالقضاء على مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في غضون وقت قصير. لكن كما يبدو المشكل أصعب من أن يتم حله من خلال استبدال المصابيح العادية بتلك الموفرة للطاقة، كما قال في حوار تلفزيوني خلال حملته الانتخابية. وهي أطروحة تراجع عنها مؤخرا. انقطاع التيار الكهربائي بات من الصور العادية في الحياة اليومية في مصر. رغم ذلك تنحصر الاحتجاجات في جمل تعبر عن التذمر، يسمعها المرء من حين لآخر في الشارع أو يقرأها في صفحات مواقع التواصل الجتماعي. بينما تبدوغالبية الشعب المصري وكأنها تبتلع "الدواء المر" آملا في غد أفضل.
مشروع قناة السويس
غدٌ يعد به مشروع قناة السويس الضخم والذي من المفترض أن يكلف أكثر من ثمانية مليار دولار يقوم البنك المركزي بجمعها من المدخرين المصريين على شكل سندات حكومية. ورغم كون المشروع ليس جديدا، فأولى المقترحات تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، كما أن الرئيس الأسبق محمد مرسي حاول هو الآخر الدفع بهذا المشروع الضخم، إلا أنه بات مرتبطا بشخص عبد الفتاح السيسي. رغم أن هذا المشروع يسوده غموض شديد من ناحية التصميم، والانجاز والجدوى الاقتصادية، إلا أن فضل الرئيس السيسي يكمن في البدء فعليا في الانجاز.
كما أعطى زمام الامور إلى المؤسسة العسكرية التي لا تعطي اهتماما كبيرا للفصح عن تفاصيل المشروع للرأي العام. رغم ذلك قام المصريون بشراء ما يفوق الأربعة ملايير دولار حسب البنك المركزي المصري. هاني توفيق، رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للاستثمار المباشر، لم ير دراسة جدوى للمشروع الضخم كما يقول لـ DW. ورغم تحفظاته لا يجود لديه بديل عن الثقة في أجهزة الدولة، شأنه في ذلك شأن المواطنين الذين اشتروا شهادات الاستثمار. ويعني ذلك أن الرئيس السيسي قد يكسب ثقة أكثر إذا نجح المشروع وعاد بالنفع فعلا. كما أن إسمه سيدخل كتب التاريخ بلا منازع. حينها قد ينسى الناس معاناة اليوم وربما التجاوزات في مجال الحريات وحقوق الانسان، كما يعتقد البعض في مصر.