إضرابات شاملة في الجزائر وسط غموض المواقف الحكومية تجاهها
١٨ فبراير ٢٠١٠عاشت الجزائر في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، على وقع إضرابات عامة للمطالبة بتحسين ظروف العاملين في قطاعات اجتماعية عامة مثل الصحة و التعليم و الدفاع المدني، واقتصادية مثل الحديد والصلب و صناعة وسائل النقل. وتحدث هذه الإضرابات رغم البحبوحة المالية التي تعرفها البلاد بفعل مبيعات البترول والغاز.
يعلق الدكتور لياس مرابط، رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع العام على هذا الواقع بقوله:" لا أفهم كيف تنفق المليارات على الفريق الوطني لكرة القدم، في حين تكفي ملايين قليلة للتكفل بالأطباء العاملين والمختصين بالقطاع العام"، ولم يشفع للدكتور مرابط ، أنه مضرب عن العمل منذ قرابة ثمانية أسابيع، إذ لم تحرك وزارة الصحة الجزائرية ساكنا، ويعود السبب حسب محللين محايدين إلى آلية الأداء الإداري على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، إذ يسود التداخل بين القطاعين العام و الخاص، وهو أمر أدى إلى تذمر أصحاب النفوذ من جهة، وإلى تدخلهم في أسلوب تسيير النظام الصحي لمساعدة القطاع الخاص من جهة أخرى كما يقول المحلل السياسي غمراسة عبد الحميد.
استغلال فراغات قانونية لحرمان الأطباء من حقوقهم
و في ميدان الطب لوحده، أحصى الدكتور محمد يوسفي، رئيس نقابة الأطباء المختصين في القطاع العام، جملة من المشاكل التي توصل إلى الانسداد و إلى إضرابات لا نهاية لها، ومن أهمها حسب الدكتور يوسفي استغلال الإدارة لفراغات قانونية كي تطبق سياسات اجتماعية مضرة بالأطباء فتحرمهم من العطل و الراحة الأسبوعية، وهو وضع تستغله أيضا وزارة الصحة كي تفرض سلالم أجور على الأطباء لا تكفيهم لضمان حياة كريمة، الأمر الذي يجبرهم على التوجه إلى القطاع الخاص، أو الهجرة إلى الخارج". ويضيف الدكتور يوسفي: "أين هو رئيس الجمهورية؟ لأن الإدارة تعمل عكس البرنامج الذي سطره"، و هنا تكمن المشكلة حسب المحلل السياسي غمراسة عبد الحميد، الذي يضيف: " لو نظرنا إلى برنامج عبد العزيز بوتفليقة على الصعيد الاجتماعي، لوجدناه غنيا جدا، لكن التطبيق لم يكن في مستوى الطموحات لأن الرشوة نخرت جسم الجزائر من الشمال إلى الجنوب".
نفس الوضع عرفته قطاعات أخرى مثل التربية و التعليم، الذي شن منتسبوه إضرابات عدة منذ بداية العام الجاري، لتحسين ظروف الأستاذ و المعلم، لكن الحوار مع وزارة التربية لم يوصل إلى نتيجة، لدرجة أنه عندما أراد وزير التعليم الدكتور أبو بكر بن بوزيد طمأنة الأساتذة عبر رسالة وجهها لهم في الصحافة، جاء رد الأساتذة المحتجين: " نريد رسالة مكتوبة لنا توقعها أنت شخصيا سيدي الوزير".
موقف حكومي شبه صامت على ما يجري
و لم تتمكن دويتشه فيله من الاتصال بأي من المسؤولين في قطاعي التربية والصحة، للتعليق على ما يجري، و هو أمر تعاني منه الصحافة الجزائرية أيضا، التي تتساءل عن سبب سكوت وزراء الحكومة المعنيين وعدم تعليقهم على ما يجري، في حين صرح الوزير الأول أحمد أويحي من قبل بأن إضراب الأطباء المتواصل، "إن كان يتم على ضوء مداخيل النفط الهائلة فهو خاطئ، لأننا لن نزيدهم مالا بسبب توفر السيولة".
وينسحب هذا التعليق أيضا على كامل القطاعات المضربة، و منها مصنع الشاحنات والباصات في مدينة الرويبة، 25 كلم شرق العاصمة، كما ينسحب ذلك على مصنع الحديد والصلب الذي يقع في مدينة عنابة، 650 كلم شرق العاصمة. لكن النقابات المستقلة، وهي كلها غير منضوية تحت لواء الاتحاد العام للعمال الجزائريين، المقرب جدا من الحكومة، ترفض رأي الوزير الأول، و تعتبره غير واقعي، لأنها تريد تحسين ظروف العمل من جهة، والحصول على مساعدة حكومية ضرورية لمواجهة تضخم بلغ 5.7 في المائة، وزيادة في بعض الأسعار بلغت 10 في المائة من جهة أخرى. يحدث هذا كله وسط صمت حكومي لم يسبق له مثيل. على صعيد متصل فإن أولياء التلاميذ يخشون من سنة دراسية بيضاء بسبب إضراب الأساتذة، أما المرضى فيضطرون إلى التوجه إلى القطاع الخاص، و دفع مبالغ كبيرة. أما الغريب وسط هذا كله، فهو الأموال الكبيرة التي صرفت لبناء المستشفيات و المدارس و الجامعات و تجهيزها، ويتوقع أيضا خلال الأشهر القليلة المقبلة، أن تمسح الحكومة ديون كل المؤسسات المنتجة التابعة للقطاع العام، فلماذا هذا النقص في التكفل بالعامل البشري؟
الكاتب: هيثم رباني- الجزائر
مراجعة: ابراهيم محمد