إسلامي على رأس الدبلوماسية المغربية، الأولوية لأوروبا أم دول الربيع العربي؟
١٣ يناير ٢٠١٢شكل تعيين سعد الدين العثماني القيادي في حزب العدالة و التنمية الإسلامي وزيرا للخارجية إحدى "المفاجآت" التي حملها تعيين أعضاء الحكومة المغربية الجديدة. خطوة لم تكن متوقعة بحكم أن منصب وزارة الخارجية في المغرب تعتبر من الوزارات التي تدخل تقليديا في مجال نفوذ القصر. وأثار الأمر تساؤلات بخصوص تأثير ذلك على العلاقات المغربية الأوروبية، لكن مراقبين أشاروا إلى أن القصر سيظل "مهيمنا" على توجهات الديبلوماسية المغربية، فيما رأى آخرون في تعيين العثماني محاولة لخلق "التكامل" في علاقات المغرب بباقي الدول من خلال تقوية الروابط مع دول الربيع العربي التي شهدت صعود تيارات إسلامية إلى السلطة.
موقع دويتشه فيله حاور صناع قرار في حكومة الإسلامي عبد الإله بن كيران، وخبراء مغاربة متخصصين في العلاقات الدولية، وممثل مؤسسة فريدريتش ناومان الألمانية، حول تصوراتهم لمستقبل السياسة الخارجية المغربية وأولوياتها، في ظل وزير الخارجية الجديد.
لأول مرة، وزارة "سيادية" من نصيب سياسي
لطالما كانت وزارة الخارجية المغربية خلال العشرين سنة الأخيرة من نصيب وزراء مقربين من البلاط، آخرهم الطيب الفاسي الفهري الذي كان يتولى المنصب قبل تعيين الحكومة الجديدة. وهو يعتبر من المقربين إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس وقد عينه مؤخرا مستشارا في الشؤون الخارجية بالديوان الملكي.
لكن عبد الرحيم منار السليمي المحلل السياسي المغربي لا يستغرب خطوة تعيين وزير حزبي على رأس الوزارة لأنه "ليس هناك في الدستور الجديد ولا في الدساتير السابقة ما يستثني التعيين في وزارة الخارجية لغير السياسي"، معتبرا أن هناك "ممارسة دستورية نشأت على هامش ما هو مكتوب جعلت من الخارجية وزارة سيادة" واعتبر السليمي في حوار مع دويتشه فيله أن الوزارة أصبحت في مجال الأحزاب مادامت الوثيقة الدستورية الجديدة لم تقنن أو تدون هذه الممارسة. ويعتقد المحلل السياسي أنه بالرغم من هذا التعيين إلا أن مجال الخارجية في المغرب هو "مجال ملكي بامتياز".
وبالإضافة إلى العثماني فقد تم تعيين يوسف العمراني وزيرا منتدبا لدى الخارجية بعدما كان يشغل منصب وكيلها العام، ويعتقد منار السليمي أن طريقة التعيين هاته في وزارة الخارجية جعلت "نصفها سيادي" بعد تعيين العمراني وإن كان محسوبا الآن على حزب الاستقلال، والثاني حزبي متمثل في تعيين العثماني مقابل تعيين الفاسي الفهري قبل ذلك مستشارا ملكيا للشؤون الخارجية. وهو ما يشير باعتقاد السليمي إلى أن "الملفات الخارجية الإستراتيجية للدولة ستدار على الأقل خلال هذه المرحلة الأولى من خارج الوزارة مع متابعة الدور الذي سيسند للعثماني فيما يتعلق بقضية الصحراء".
وزير خارجية "إضافي" من أجل الملفات الأوروبية
وهذا ما جعل مراقبين يعتبرون أن القصر و إن قرر السماح لوزير حزبي بتولي الوزارة فإنه لن يتخلى عنها نهائيا بل سيتقاسم معه الملفات الخارجية، وخاصة تلك التي تتعلق بالشركاء الاستراتيجيين للمملكة وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي. وكانت أولى بوادر "تقسيم المهام" بين الوزير الحزبي والوزير المحسوب على القصر، تجسدت في تكليف العثماني من طرف الملك محمد السادس باستقبال أمير خليجي يحل بالمغرب، كما أنه سيمثل العاهل المغربي في الذكرى الأولى للثورة التونسية التي تصادف يوم 14 يناير. في حين يقوم العمراني حاليا بزيارة لإسبانيا يجري فيها مباحثات مع كبار المسؤولين الإسبان. كما أنه من المتوقع أن يزور رئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي المغرب في غضون الأسبوع الحالي وقد تتزامن زيارته مع تواجد العثماني خارج المغرب.
وإن كان السبب في تعيين العمراني هو إبقاء يد القصر على الوزارة، فذلك لا ينفي عنصر التجربة التي يتمتع بها العمراني فيما يتعلق بالعلاقات المغربية الأوروبية، باعتبار أنه كان يشغل منصب أمين عام الإتحاد من أجل المتوسط.
ويعتقد زكرياء أبو الذهب وهو خبير مغربي في العلاقات الدولية أن عبد الإله بنكيران وبما أنه سبق وقال إنه من اقترح الوزراء التكنوراط في الحكومة، فإن ذلك يعني حاجة الحزب الإسلامي إلى شخص بخبرة العمراني في الدبلوماسية المغربية خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع أوربا. وهو رأي يؤيده عبد الواحد بوكريان ممثل مؤسسة فريديريش ناومان الألمانية، بالمغرب حيث يعتبر أن تعيين العمراني إلى جانب الوزير الإسلامي "إشارة لطمأنة للأوروببين" بأن العلاقات مع الإتحاد الأوروبي ستبقى بنفس القوة والأهمية رغم تعيين وزير خارجية إسلامي.
"لا قلق على العلاقات المغربية الأوروبية"
ويضيف بوكريان أن العثماني "شخصية متوازنة ومنفتحة وسبق أن أبان عن انفتاحه تجاه المحيط الخارجي في عدة مناسبات"، مشيرا إلى أن "هناك علامات ارتياح تجاه هذا الشخص". ويعتقد بوكريان أن حزب العدالة و التنمية الإسلامي منفتح عموما ويتميز عن بقية الأحزاب الإسلامية في العالم العربي بحيث أنه يتخذ من تركيا نموذجا له لذا فلن ينتظر منه الأوروبيون "مفاجآت".
ومن جهته يعتقد الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية، عبد الله باها الذي يتولى منصب وزير دولة في الحكومة الحالية، أنه فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية للمغرب فهناك "مكتسبات لا يمكن تجاهلها". وقال باها لدويتشه فيله "العلاقات مع الولايات المتحدة وأوربا استراتيجية وعريقة سنحافظ عليها و سنجعلها أكثر توازنا وقوة". من جهته يعتقد أبو الذهب أن العلاقات المغربية الأوروبية ستشهد تعميقا أكبر نظرا لكونها محكومة بمجموعة من الأطر المؤسساتية والشراكات كان آخرها منح المغرب الوضع المتقدم.
وبخصوص العلاقات المغربية الألمانية، قال القيادي باها إن ألمانيا "باعتبارها الدولة الأبرز أوربيا على المستوى الاقتصادي فإن أي شراكة في هذا الإطار ستكون فيها طبعا فائدة كبيرة مضيفا أن الأمر سيتوقف على إرادة البلدين".
مكانة دول الربيع العربي في الديبلوماسية المغربية
ويرى مراقبون أن تعيين إسلامي في منصب وزير خارجية يدل على نية المغرب تحريك علاقاته الدبلوماسية مع دول مثل تركيا وتونس ومصر وليبيا، خاصة أن تواجد إسلاميين على رأس هذه الدول قد يساهم في تقريب وجهات النظر، وحتى تلطيف الأجواء بين دول المغرب الكبير والعمل على تحسين العلاقات مع الجارة الجزائر التي جاءت منها إشارات ارتياح على فوز الإسلاميين في المغرب. ويذهب محللون إلى الاعتقاد بأن وصول الإسلاميين إلى السلطة و خاصة الخارجية قد يساهم في تحريك ملف اتحاد المغرب العربي، المجمد منذ 18 هاما.
ويقول عبد الله باها إن علاقات المغرب مع المحيط العربي والإسلامي ستشهد تعزيزا في ظل التحولات الحالية التي تشهدها المنطقة ككل على أن ذلك "لا يعني التفريط في علاقاتنا مع الغرب"، مشيرا إلى أن الحركات الإسلامية المشاركة في دول مثل تونس وليبيا ومصر ستتعزز أكثر العلاقات معها بحكم المرجعية الإسلامية المشتركة و أضاف قائلا"ستكون هناك قوى سياسية إلى جانبنا".
ويعتقد منار السليمي أن تولي الإسلاميين وزارة الخارجية قد يسمح للدبلوماسية بالوصول إلى مناطق لم تكن قوية فيها مثلا قطر على مستوى الخليج، وبعض الدول الإسلامية مثل السودان وتركيا. بالإضافة إلى "الجزائر التي تحس بأنها تتعامل لأول مرة مخاطب جديد لا علاقة له بصراعات الماضي" ويضيف أن مأمورية اسلاميي حزب العدالة والتنمية ستكون سهلة إذا ما وصل الإسلاميون الجزائريون إلى الحكم، خلال الانتخابات المقررة في يونيو/حزيران المقبل. ويضيف المحلل السياسي المغربي "الباب مفتوح أمام بناء مغرب عربي على أساس إسلامي حسب ما نستشفه من أفكار بعض قيادات النهضة في تونس والمجلس الإنتقالي الليبي وهي نفسها الموجودة لدى العدالة والتنمية المغربي".
سهام اشطو- الرباط
مراجعة: منصف السليمي