إسكات الأصوات المنتقدة؟ .. صحفيات "مدى مصر" يمثلن للمحاكمة
٦ مارس ٢٠٢٣تمثل ثلاث صحافيات يعملن في موقع "مدى مصر" الذي يعد آخر مصدر إخباري مستقل في مصر، أمام المحاكمة الثلاثاء المقبل (السابع من مارس/ آذار 2023). ويعد الموقع أحد أهم المواقع الإعلامية المستقلة في مصر والشرق الأوسط حيث يشتهر بالتحقيقات الاستقصائية.
في هذا السياق تقول المنظمات الحقوقية إن المحاكمة تعد محاولة أخرى من قبل الحكومة المصرية "لإسكات الأصوات المنتقدة و الصحافة المستقلة". وفي مقابلة مع DW الجمعة الماضية، قالت لينا عطا الله، رئيس تحرير موقع "مدى مصر": "ليس لدينا توقعات حيال ما قد يحدث. لكني أنا والصحافيات الأخريات في تماسك ونتحلى بالهدوء. هناك حالة قلق. كصحافيين، لا نحب أن نكون الحدث الذي يحظى بالاهتمام الإعلامي لأن هذا يبعدنا عن عملنا الصحافي".
وشددت على القول بضرورة مضي الصحافيين في عملهم، مضيفة: "نريد فقط أن نكون قادرين على القيام بعملنا".
ما سبب المحاكمة؟
وتعود القضية إلى خبر في "مدى مصر" نشرته الصحافيات الثلاث عام 2021 عن "رصد أجهزة رقابية في الدولة تورط أعضاء بارزين في الهيئة العليا لحزب "مستقبل وطن" المقرب من السلطة في مخالفات مالية جسيمة"، وفقاً لما أورده موقع مدى مصر. ونفى الحزب، الذي يدعم الرئيس عبد الفتاح السيسي بقوة ويمثل قوة مسيطرة في البرلمان المصري، صحة هذا التقرير وقدم أعضاؤه وأتباعه مئات الشكاوى ضد الصحفيات.
بيد أن صدى التقرير كان مختلفا، إذ حققت نيابة استئناف القاهرة مع لينا عطا الله وثلاث صحفيات (رنا ممدوح وبيسان كساب وسارة سيف الدين) شاركن في إعداد التقرير، وتم اتهامهن "بنشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة والإزعاج باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وسب وقذف نواب حزب مستقبل وطن في البرلمان".
وجرى الإفراج عن لينا عطا الله بعد دفع كفالة قدرها 20 ألف جنيه مصري (ما يعادل 1032 دولارا) ودفع رنا وبيسان وسارة كفالة قدرها 5000 جنيه (ما يعادل 258 دولارا) لكل منهن.
بيد أن القلق حيال مصير موقع "مدى مصر" تزايد مع ما ساقته النيابة من اتهام جديد، إذ جرى اتهام لينا عطا الله بإدارة الموقع دون الحصول على ترخيص من السلطات المصرية. وفي هذا السياق، قالت إدارة "مدى مصر" إنها تسعى منذ عام 2018 للحصول على ترخيص بموجب قانون جديد ينظم الصحافة لكنها لا تتلقى ردودا على استفسارات متكررة تقدم بها.
وفي حالة عدم التمكن من الحصول على ترخيص، فإن مستقبل "مدى مصر" سيكون في خطر خاصة في ظل تطبيق "قانون المنظمات غير الحكومية" والذي ألزم المنظمات الحقوقية وغير الحكومية بضرورة تسجيلها لدى الحكومة، وخضوع عمل ومصادر التمويل للتمحيص من قبل السلطات.
ويحظر القانون التعاون مع "جماعات أجنبية" أو نشر نتائج استطلاعات الرأي دون موافقة حكومية كما يحظر القيام بأي محاولة قد تمس "الأمن القومي". فيما تضطر المنظمات إلى دفع غرامة تتراوح ما بين 50 ألف ومليون جنيه في حال مخالفة القانون.
قلق متزايد
وفي رده، قال رئيس مكتب الشرق الأوسط في منظمة "مراسلون بلا حدود" جوناثان داغر إن "حكومة السيسي لا تدخر جهدا في سبيل إسكات [مدى مصر]". وفي حوار مع DW أضاف "أساسا، ما كان يجب أن يتم استجواب صحافيات مدى مصر وما كان يجب أن يتم القبض عليهن على الإطلاق وما كان يجب أن يواجهن اتهامات بسبب قيامهن بعملهن الصحافي".
وأضاف داغر أن منظمة "مراسلون بلا حدود" يساورها قلق متزايد حيال ما ستسفر عنه محاكمة الثلاثاء المقبل خاصة وأنه في حالة إدانة الصحفيات، يمكن أن يصدر بحقهن عقوبة السجن لمدة تصل إلى عامين ودفع غرامات تصل إلى 300 ألف جنيه مصري (9763 دولارا).
وقال داغر: "من المهم لفت الانتباه إلى أن محاكمات الصحافيين في مصر لا تفي عادة بالمعايير [الدولية] للعدالة. وهذا يعد السبب وراء وجود 25 صحافيا خلف القضبان حيث حُكم على العديد منهم في محاكمات مسيسة بل أدينوا بتهم سخيفة".
يشار إلى أن مصر التي احتلت المرتبة الثالثة بين أسوأ الدول الأكثر سجنا للصحافيين في عام 2021 وفقا لمؤشر حرية الصحافة، فيما يشير مراقبون إلى إغلاق أو حظر قرابة 500 وسيلة إعلامية وموقع إلكتروني في مصر خلال العقد الماضي.
وفي تعليقها على محاكمة صحافيات "مدى مصر"، قالت منظمة "مراسلون بلا حدود" العام الماضي إن "جميع وسائل الإعلام (في مصر) تخضع تقريبا للسيطرة المباشرة من قبل الدولة أو الأجهزة السرية أو من قبل رجال الأعمال القريبين من دوائر الحكم. تخضع وسائل الإعلام المستقلة للرقابة ويُجرى استهدفها عن طريق النيابة العامة فيما يتم حظر المنصات الإعلامية التي ترفض الخضوع للرقابة كما في حالة موقع مدى مصر الإخباري المستقل الذي جرى حجبه في مصر منذ 2017."
ورغم هذه القيود، يستمر موقع "مدى مصر" في نشر التقارير الصحافية عبر منصات التواصل الاجتماعي فيما يمكن الوصول إلى الموقع عن طريق برامج الشبكة الخاصة الافتراضية التي تُعرف اختصارا بـ "في. بي. إن".
ليست المحاكمة الوحيدة
من جانبه، قال حسام بهجت، المدير التنفيذي لـ "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، إن محاكمات صحافيات "مدى مصر" تعد أحدث حلقة من سلسلة المضايقات القضائية التي يتعرض لها الصحافيون والنشطاء في مصر.
وجرى محاكمة بهجت وهو صحافي وناشط بموجب بعض القوانين التي يمكن محاكمة صحافيات مدى مصر بموجبها حيث مُنع من السفر منذ عام 2016 فضلا عن مواجهة منظمته حاليا ثلاث محاكمات جنائية.
وقال بهجت إن الوضع الحقوقي في مصر يزداد سوءا، مضيفا أن الأحداث التي وقعت خلال استضافة مصر لقمة المناخ "كوب 27" في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي تبعث "برسالة مروعة للحكومة".
يشار إلى القمة قد شهدت بعض الاحتجاجات التي تعد من النادر أن تُنظم في مصر وأيضا دعوات من قبل دبلوماسيين أوروبيين للمطالبة بتحسين حقوق الإنسان وتعزيز حرية الصحافة في مصر.
لكن الحدث اللافت خلال القمة، كان إضراب الناشط البارز علاء عبد الفتاح، الذي يعد أحد وجوه ثورة يناير 2011 ويحمل الجنسية البريطانية، عن الطعام فيما قالت شقيقته التي حضرت القمة في حينه إنه يحدوها الأمل في أن يؤدي الضغط الدولي والاهتمام الإعلامي الدولي الكبير إلى إطلاق سراح شقيقها. بيد أن هذا لم يحدث حتى الآن.
وفي هذا السياق أضاف داغر: "كان بإمكان الحكومات (الغربية) فعل المزيد للضغط على الحكومة المصرية للإفراج عن علاء عبد الفتاح. نشعر بخيبة الأمل لأن المجتمع الدولي لم يقطع شوطا طويلا في سبيل ضمان إطلاق سراحه".
بدوره، قال حسام بهجت إن هذا الأمر يبعث رسالة إلى الحكومة المصرية مفادها إنها "إذا رفضت أي تسوية، فإنها لن تفلت من العقاب فحسب وإنما قد يتم مكافأتها بإبرام المزيد من الصفقات التجارية كما هو معتاد".
وأضاف: "لقد تدهور الوضع (الحقوقي) في مصر الفعل بعد قمة المناخ حيث جرى اعتقال المزيد من الأشخاص وحظر المزيد من المواقع الإلكترونية كما تزايدت المضايقات القضائية".
أين أوروبا؟
يشار إلى أنه خلال قمة "كوب 27" تحدث عدد من المسؤولين الألمان عن السجل السيء في مجال حقوق الإنسان في مصر فيما سلمت سفارتا ألمانيا وفرنسا "الجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان ودولة القانون" إلى لينا عطا الله في فبراير/ شباط الماضي.
في المقابل، اتهمت الحكومة المصرية ألمانيا بالتدخل فيما جرى إبلاغ لويز أمتسبيرغ، مفوضة الحكومة الألمانية لسياسة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية، في فبراير/ شباط الماضي أنها لن تحصل على تأشيرة لزيارة مصر كما هو مخطط.
الجدير بالذكر أن ألمانيا تعد ثاني أكبر شريك تجاري لمصر في أوروبا حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية حوالي 5 مليارات يورو (5.3 مليار دولار) مع توقعات بارتفاع هذا المعدل فضلا عن وجود أنواع متنوعة من الروابط بين البلدين بما في ذلك القروض وصفقات أسلحة ألمانية ضخمة مثيرة للجدل.
وقال بهجت إن "هناك الكثير من الأشياء الذي يمكن للحكومة الألمانية أن تقوم بها لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان في مصر"، مضيفا أن منح شخصيات مثل لينا عطا الله جوائز "يعطي ألمانيا مزيدا من المسؤولية للتحدث علنا ضد هذه الانتهاكات".
ومع قرب مثولها أمام المحاكمة، قالت لينا عطا الله إنها تأمل في حصولها وصحافيات مدى مصر على مزيد من الدعم على الصعيدين المحلي والدولي. وأضافت: "أتمنى أن أي شخص لديه القدرة وايضا النفوذ أن يتحدث ضد محاكمة تعرض حرية الصحافة في مصر للخطر".
وقد حاولت DW التواصل مع مسؤولي السفارة المصرية في برلين، لكنها لم تتلق أي رد حتى تاريخ نشر هذا التقرير.
كاثرين شاير/ م.ع