إسرائيل وإيران.. المواجهة العسكرية تقترب أم تكتيك مرحلي؟
٢١ يناير ٢٠١٩مرة أخرى، يشتعل التوتر بين إيران وإسرائيل، بعد قيام هذه الأخيرة بقصف أهداف تابعة لإيران أو مقرّبة منها في سوريا، مبرّرة ذلك برغبتها في استهداف فيلق القدس الإيراني المسؤول عن العمليات خارج حدود بلاده. الهجوم الإسرائيلي جاء بعد إعلان تل أبيب سقوط صاروخ على منتجع تزلج مزدحم في مرتفعات الجولان، وفق ما نقلته وكالة رويترز.
وخلقت هذه الضربات الجوية تصعيداً لفظياً بين الجانب الإيراني الذي كرّر، بشكل غير رسمي، تهديداته بمحو إسرائيل، وبين الجانب الإسرائيلي الذي يرفض "الأعمال العدوانية الإيرانية"، غير أن هذه ليست المرة الأولى التي تقرع فيها طبول الحرب بين الطرفين، فمنذ اندلاع الأزمة السورية والاحتكاك يتكرّر بين الطرفين، ويزيد من خطورته دخول أطراف أخرى أهمها روسيا التي تقف إلى جانب نظام الأسد وإيران في الصراع السوري.
فهل يُمهد هذا التصعيد لمواجهة عسكرية بين الطرفين ستكون لها تداعيات كبرى على المنطقة؟ وهل ترغب إسرائيل في تحقيق أهداف أخرى من وراء هذا الهجوم خاصة وأنها أضحت تعترف بعملياتها العسكرية في سوريا بدل التكتم عليها؟ بمعنى آخر هل هناك تغيّر في السياسة الداخلية الإسرائيلية بخصوص النزاع في سوريا؟
نُذر مواجهة عسكرية؟
يستبعد إيال عليما، المحلل السياسي والعسكري الإسرائيلي، في حديث مع DW عربية، إمكانية نشوب حرب بين إسرائيل وإيران، لكنه يشير إلى وجود اختلافات مهمة بين التوتر الأخير وبين سلسلة الاحتكاكات السابقة بينهما، منها أن الوضع في سوريا تغيّر كثيراً مقارنة بالسنوات الماضية، ومنها كذلك الطابع الجدي للتهديد الجديد بينهما. ويبرز المحلّل أن الطرفين معاً يحاولان تحديد قواعد جديدة في سوريا بشكل يذكي التوتر بينهما دون الوصول حالياً إلى مرحلة الحرب.
بدوره يستبعد المحلل العسكري اللبناني شارل أبي نادر، حدوث مواجهة وشيكة بين الجانبين، لكن الجديد حسب قوله هو حديث إسرائيل بشكل أكثر جدية عن مواجهة إيران، وكذا في إظهارها الاستعداد للوصول أكثر إلى العمق السوري، والدليل استخدامها لترسانة من الصواريخ في ردها على الصاروخ الذي نسبته لإيران، وكذا في اعترافها بالعمليات العسكرية بعدما كانت تتكتم عليها، بينما يظهر الجديد لدى الجانب الآخر، خاصة السوري، في تطويره لآليات اعتراض الصواريخ الإسرائيلية.
ويدعم الخبير اللبناني، في حديثه مع DW عربية، قناعته عدم إمكانية وقوع مواجهة مباشرة بين الجانبين، بالقول إن "الدولة السورية استرجعت سيطرتها في الكثير من المناطق، وهو ما يجعل طهران ترغب بإعادة تموضع قواتها". ويشرح أكثر أن إيران قد تسحب وحداتها العسكرية من سوريا بعد استكمال مهمتها، خاصة بعد انخراط طهران في الحل السياسي للأزمة السورية بتوافق مع روسيا وتركيا، لذلك قد تلغي هذه الخطط الإيرانية أيّ ذرائع إسرائيلية بوقوع المواجهة.
بيدَ أن إيال عليما، يرى أن إيران لا ترغب بترك سوريا، خاصة وأنها استثمرت هناك مادياً وعسكرياً، وكذا لتواصل رغبة النظام السوري ببقاء قواتها. وسيؤدي هذا الوضع في نظره إلى مزيد من التناقض في وجهات النظر بين إيران وإسرائيل، وكذلك بين هذه الأخيرة ونظام بشار الأسد الذي مكّن إيران من استغلال الأراضي السورية.
إسرائيل تعترف.. أيّ أسباب وأيّ أهداف؟
تُطرح الكثير من الأسئلة حول الأسباب التي جعلت بنيامين نتنتياهو يؤكد قيام إسرائيل بضربات عسكرية في سوريا، وهو من كان يرفض التعليق على الأنباء التي كانت تحمّل إسرائيل مسؤولية وقائع مشابهة. تصريحات نتنتياهو تتزامن مع قرب الانتخابات، ما يفتح المجال للتساؤل حول إمكانية استغلاله للصراع مع إيران حتى يكسب نقاطاً جديدة تقرّبه من الفوز بولاية خامسة على رأس وزراء إسرائيل.
غير أن شارل أبي نادر يرى أن مغامرة نتنتياهو باستغلال للنزاع السوري في الحملة الانتخابية سيكون أمراً صعباً: "صحيح أنه يحاول ذلك، لكنه يدرك مدى حساسية الموضوع الذي تكتنفه خطورة بالغة بإمكانية التدحرج نحو مواجهة عسكرية". ويشرح أبو نادر أن نتنتياهو لن يستخف بموضوع التوتر مع إيران حتى يربطه بالانتخابات، خاصة وأن إسرائيل لا ترغب حالياً بمواجهة عسكرية في سوريا، ولو أرادت ذلك لقامت به عندما كان النظام في سوريا ضعيفاً.
من جانبه يحيل إيال عليما، إلى تصريحات رسمية من إسرائيل تتحدث عن أن التغيّر الواضح في سياسة تل أبيب بخصوص تحمّل مسؤولية ضرباتها العسكرية، يعود أساساً إلى تغيرّ سياسة الطرف الثاني، أي التحالف الروسي-السوري الذي أضحى يكشف كلّ المعلومات الخاصة بالضربات الإسرائيلية بعدما كان يشير إلى ذلك بشكل عام.
وبعيداً عن التبرير الرسمي، يفسّر عليما التغيّر في السياسة الإسرائيلية بتغيّر الأوضاع في الساحة السورية. ويقول في هذا الصدد إن هناك قواعد جديدة للعبة في سوريا، ومنها الرفض الروسي-الإيراني لقيام إسرائيل بأيّ ضربات عسكرية داخل سوريا، وهو ما يجعل استمرار الضربات الإسرائيلية السرية أمراً شاقاً بل وقد يجرّ الأطراف كلها إلى مواجهة عسكرية.
وختاماً، يرى شارل أبي نادر أن السياسة الداخلية في إسرائيل لا تؤثر بشكل قوي في قرارات الهجوم العسكري، موضحاً أن السياسة الاستراتيجية الإسرائيلية في الخارج، ومن ذلك المواجهة العسكرية، ترتكز على أسئلة جوهرية بعيداً عن الوضع الداخلي، ومن ذلك قوة الدعم الأمريكي، مدى الجاهزية للمعارك، معرفة قدرات الخصوم في إمكانية استهدافهم للمنشآت الحساسة، وإمكانية الاحتكاك مع قوى دولية كروسيا.
الكاتب: إسماعيل عزام