إسرائيل.. إضاءات على الجمود السياسي بعد الانتخابات
١٩ سبتمبر ٢٠١٩دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الخميس (19 أيلول/سبتمبر 2019) إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وذلك بعدما لم تسفر الانتخابات التي جرت الأسبوع الجاري، وهي الثانية هذا العام، عن فائز واضح. وكان نتنياهو يصر على تشكيل حكومة من الأحزاب اليمينية والدينية، إلا أن نتائج الانتخابات تشير حتى الآن إلى أنه هو وخصمه الأبرز بيني غانتس، زعيم حزب "أزرق أبيض" المنتمي إلى تيار الوسط، لن يتمكنا من تشكيل حكومة. وقال نتنياهو، في بيان، :"خلال الانتخابات، دعوت لتشكيل حكومة يمينية. لكن لسوء الحظ تظهر نتائج الانتخابات أن هذا غير ممكن". وأضاف: "الشعب لم يحسم بين التيارين"، معتبراً أنه "لم يعد هناك خيار" إلا تشكيل حكومة وحدة. ودعا غانتس إلى لقائه في وقت لاحق اليوم. وقال إنه يعارض إجراء انتخابات ثالثة.
ماذا بعد؟
ويتعين على رئيس الوزراء نتنياهو الانتظار أياما أو أسابيع على الأرجح لمعرفة ما إذا كان سيبقى في منصبه أو ما إذا كان سيتخلى عنه. فبعد فرز أكثر من 90 في المئة من الأصوات في انتخابات يوم الثلاثاء حسب ما رددته وسائل الإعلام الإسرائيلية تكاد الكتلة التي يتزعمها حزب ليكود اليميني بقيادة نتنياهو تتعادل مع كتلة الوسط التي يتزعمها خصمه الرئيسي الجنرال السابق بيني غانتس.
ويبدو أن كتلة نتنياهو ستسيطر على 55 مقعداً من مقاعد البرلمان البالغ عددها 120 مقعداً مقابل 56 مقعدا لحزب أزرق أبيض الذي يقوده غانتس وشركائه الطبيعيين. وبذلك يعجز الاثنان عن تحقيق الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة وهي 61 مقعداً.
ولم يسبق أن فاز حزب إسرائيلي منفردا بالأغلبية المطلقة ولن يتغير ذلك في عام شهد اضطراباً انتخابياً غير مسبوق إذ أجريت فيه الانتخابات مرتين في التاسع من نيسان/أبريل و17 أيلول/سبتمبر.
وتتوقف أمور كثيرة على النتيجة على رأسها ما إذا كانت ستمثل بداية النهاية لعهد نتنياهو المعروف عند أنصاره بالساحر أم أنه سيتمكن من تولي رئاسة الوزراء لمرة خامسة محققا إنجازاً لم يسبقه إليه أحد ويعلن بذلك حصوله على تفويض شعبي يساعده في التصدي لاتهامات الفساد الموجهة له.
ما السر في أنه لا يوجد من يعرف الفائز في الانتخابات؟
أدلى ما يزيد قليلا على أربعة ملايين إسرائيلي بأصواتهم في 11 ألف لجنة انتخابية. ويستغرق فرز الأصوات وقتاً طويلاً لأن الناخبين يدلون بها على الورق. وبعد يوم من الانتخابات انتهى القائمون على الحصر من فرز ما يقرب من ثلثي الأصوات وحتى الآن تفوق حزب أزرق أبيض بزعامة غانتس
بفارق ضئيل على حزب ليكود بزعامة نتنياهو إذ حصل كل منهما على ما يزيد قليلاً على مليون صوت.
ومعنى ذلك حصول غانتس على نحو 32 مقعداً ونتنياهو على 31 مقعدا. غير أن النتيجة النهائية قد تختلف. وبدون الأغلبية لا يوجد أمام أي منهما طريق واضح إلى مقعد السلطة.
هل يوجد صانع ملوك يملك مفتاح نجاح أي منهما؟
يبدو أن وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان المنتمي لليمين المتطرف هو الشخصية المحورية في المفاوضات. وليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا علماني متمسك بعلمانيته ومن الصقور فيما يتعلق بالأمن والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد قال إن الخيار الوحيد الذي يؤيده هو تشكيل "حكومة وحدة وطنية" تضم حزبه وحزب ليكود وحزب أزرق أبيض. ووفقاً للنتائج الأولية من المنتظر أن يرفع حزب ليبرمان حصته من مقاعد البرلمان إلى مثليها تقريبا بدلاً من خمسة مقاعد حالياً. ورغم ذلك فقد سبق أن خطا ليبرمان من قبل خطوات لا يمكن التنبؤ بها.
ماذا يحدث بعد الحصر النهائي للأصوات؟
سيجري الرئيس الإسرائيلي مشاورات مع كل زعماء الأحزاب لبحث من يفضلونه رئيسا للوزراء ثم يختار من يعتقد أن لديه أفضل فرصة لتكوين ائتلاف. وسيكون أمام المكلف بتشكيل الحكومة، الذي قد لا يكون بالضرورة زعيم أكبر الأحزاب، مهلة تصل إلى 42 يوماً لتشكيلها. وإذا فشل مثلما فشل نتنياهو بعد الانتخابات السابقة في نيسان/أبريل فمن الممكن أن يطلب الرئيس من سياسي آخر المحاولة.
ما طول الفترة التي تسبق تشكيل الحكومة؟
قد يستغرق الأمر أسابيع. فقد استمرت مفاوضات تشكيل الائتلافات في السابق حتى اللحظات الأخيرة. وأيا كان من سيشكل الحكومة المقبلة سيتعين عليه أن يوائم مطالب أحزاب عديدة. ومع ذلك فقد يتم الأمر بشكل أسرع إذا اختار نتنياهو وغانتس التعاون وتشكيل حكومة وحدة سواء بمساعدة ليبرمان أو بدونه.
ما شكل الحكومة التي قد تتمخض عنها المفاوضات؟
تحدث مفاجآت وتحالفات غير متوقعة في كثير من الأحيان. وسيكون من الصعب تشكيل حكومة وحدة بقيادة نتنياهو. فقد استبعد غانتس المشاركة في حكومة مع نتنياهو إذا ما أدين نتنياهو بتهم الفساد. وقال ليبرمان إنه لن يشارك في ائتلاف يضم الأحزاب الدينية المتطرفة وهي الشركاء الرئيسيون لنتنياهو.
وربما يعمد حزب نتنياهو إلى عزله لتجنب أي اهتزاز في استقرار الحزب ويمهد السبيل لتشكيل ائتلاف بين ساسة آخرين في ليكود وحزب غانتس بما يدفع نتنياهو إلى خارج المشهد السياسي.
وماذا عن خطة ترامب للسلام؟
سبق أن قال نتنياهو إنه يتوقع أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين عقب الانتخابات الإسرائيلية. لكن ترامب ربما يفضل التريث لمعرفة ملامح الحكومة الجديدة قبل الكشف عن الخطة. ومن المؤكد أن نتنياهو سيواجه صعوبات في حمل حلفائه في اليمين المتطرف على التوقيع علي أي خطة سلام تتضمن تنازلات للفلسطينيين.
وقد أعلن نتنياهو نيته ضم غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة التي يسعى الفلسطينيون لبناء دولتهم فيها. إلا أنه في غياب أغلبية واضحة من أنصاره اليمينيين فمن المستبعد فيما يبدو أن يقدم على هذه الخطوة. ومن المرجح أن تكون حكومة بقيادة غانتس أكثر استعداداً للتفاوض مع الفلسطينيين.
وماذا عن مشاكل نتنياهو القانونية؟
من المحتمل أن يكون للمتاعب السياسية التي يعاني منها نتنياهو تأثير كبير على محنته القانونية. فقد أعلن المدعي العام الإسرائيلي نيته توجيه الاتهام لنتنياهو في ثلاثة تحقيقات في الفساد ومن المتوقع أن يوجه له الاتهام رسميا بنهاية 2019. إلا أن من المقرر عقد جلسة تمهيدية في تشرين الأول/أكتوبر يمكن لنتنياهو خلالها الدفاع عن نفسه في مواجهة الاتهامات. وهو ينفي ارتكاب أي مخالفات.
وأشار أنصار نتنياهو من اليمين والأحزاب الدينية إلى تأييدهم لفكرة منحه حصانة برلمانية. لكن من المرجح أن يثير ذلك انتقادات شعبية وأصبح الآن مستبعدا فيما يبدو.
وإذا حدث وأصبح نتنياهو رئيسا للوزراء فلن يلزمه القانون بالتنحي. وليس من المتوقع أن يضغط عليه حلفاؤه اليمينيون والدينيون للاستقالة حتى إذا وجهت إليه اتهامات رسمية. لكنه قد يواجه ضغوطاً أكبر على المستويين السياسي والشعبي للاستقالة إذا ما اضطر للدخول في حكومة وحدة وطنية مع غانتس. وأشار بعض المحللين إلى احتمال إبرام صفقة يتنحى فيها نتنياهو عن المناصب العامة تماما مقابل تخفيف الاتهامات الموجهة إليه.
خ.س/ع.ش(د ب أ، رويترز)