إستراتيجية إيران إزاء سوريا - بين الدعم وحسابات ما بعد الأسد
٣١ أغسطس ٢٠١٣بعد الهجوم بالأسلحة الكيميائية في سوريا الأسبوع الماضي، كان يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها سيتدخلون عسكريا ضد الرئيس بشار الأسد ونظامه، فباستخدام الأسلحة الكيمائية ضد مدنيين تم وبوضوح تجاوز "الخط الأحمر" الذي حدده الرئيس الأمريكي باراك أوباما العام الماضي. ولقد اتفق المحللون على أن التدخل الأمريكي سيقتصر على ضربة عسكرية محددة، مثلا من خلال قصف مقر الحكومة في دمشق.
هل تزيد ضربة محتملة ضد سوريا عزم إيران امتلاك السلاح النووي؟
ولكن حتى مثل هذه الضربات "ذات البعد الرمزي البحت" قد تكون لها تداعيات كبيرة على المنطقة بأسرها. "إذا وصل الأمر إلى مثل هذه الضربات العسكرية، فإنه من الصعب التنبؤ بتداعياتها"، على ما يقول باول روجرز، الخبير في الشؤون الأمنية من مجموعة أوكسفورد البريطانية للأبحاث في حديث مع DW. "حتى وإن اقتصر الأمر على ضربة رمزية، فإن ذلك سيتم رؤيته في الشرق الأوسط على أنه مثال للتدخل الغربي في الشرق الأوسط."
من جهته، يعرب حيدر الخوئي من مركز لندن للدراسات الشيعية عن مخاوفه من أن الضربة العسكرية المحتملة قد تؤكد بعض القناعات في المنطقة على غرار أن الغرب يتخذ موقفا أحاديا في الصراع المرير القائم بين الجماعات الدينية والذي يتجاوز الحدود السورية. وقد تكون ردة الفعل قوية في إيران، أهم حليف للنظام السوري والعدو اللدود للولايات المتحدة. وبانتخاب حسن روحاني، المرشح المعتدل، كرئيس لإيران يرى بعض المراقبين أن السياسة الخارجية الإيرانية قد تتغير وأنه قد يسعى إلى التفاوض مع الغرب بهدف إخراج إيران من عزلتها الدولية. "ولكن في حال وصل الأمر إلى حد توجيه ضربة عسكرية أمريكية ضد حليف لإيران، فقد يقول "الصقور" في طهران يتعين علينا في كل الأحوال عدم التفاوض مع الأمريكيين ويجب أن تكون لنا أسلحة نووية"، على ما يقول روجرز.
ويرى آرشين آديب - مقدم، وهو أستاذ في العلاقات الخارجية في جامعة لندن، أن تداعيات أي ضربة عسكرية محتملة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها ضد النظام السوري قد تكون محدودة على الوضع الداخلي في إيران. ولكن ذلك لا يعني أن أي عملية عسكرية ضد سوريا تشكل أوتوماتيكيا أمرا جيدا. ويقول آديب – مقدم "ذلك قد لا يضعف روحاني داخليا، ولكن قد يكون من الصعب جدا إشراك إيران" (في أي حل محتمل للأزمة السورية). ويضيف قائلا: "قد تكون الحرب ضد سوريا حماقة استراتيجية كبيرة أخرى." فيما يتحدث حيدر خوئي بوضوح أكثر، بحيث يقول: "لقد قال أحد رجال الدين الإيرانيين: إذا سقط الأسد، فسيجتاح الإيرانيون سوريا مشيا على الأقدام".
خطة بديلة لما بعد الأسد في سوريا؟
لكن فالتر بوش، الخبير في الشؤون الإيرانية من المؤسسة الألمانية للعلوم والسياسية، فيستبعد مثل هذه السيناريوهات، ويقول في حديث مع DW: "لدي انطباع أن الإيرانيين على علم بالأمر وأن هناك محادثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران عبر السلطان العماني." ويشير إلى أن سلطان عمان قام قبل فترة وجيزة بزيارة إلى إيران وأجرى محادثات مطولة مع المرشد الأعلى للدولة الإسلامية إيران آية الله خامنئي حول الوضع الأمني في المنطقة. .
ويرى بوش أن الدبلوماسيين الإيرانيين حذرين ونبيهين على عكس ما يعتقد البعض. كما يعتقد أنهم غير قلقين إزاء أي عملية عسكرية محتملة في سوريا، قائلا: "ستقوم طهران كالعادة بإدانة ذلك، وبعدها؟ ولكن ما الذي يمكن قصفه؟ دمشق تكاد تكون مهدمة بالكامل." ويشير فالتر بوش في هذا السياق إلى أن الأمريكيين يدركون جيدا مدى عجزهم في منطقة الشرق الأوسط: "أوباما يعرف أن لا يستطيع أن يفعل شيئا"، مضيفا بالقول: "نحن نعرف منذ ليبيا أن الأمريكيين بعد كل عملية عسكرية في أي بلد عاجزون عن السيطرة عليه وغير قادرين على التـأثير على سياسيته بشكل كبير."
وهذا ما تدركه إيران أيضا، فلقد تعلمت طهران منذ ما يسمى بحرب الخليج الأولى (1980 إلى 1988) أنه يمكن اختراق التأثير الغربي مرة أخرى. "إيران تستعد لفترة ما بعد الأسد، عندما تتحرك الأمور في سوريا بشكل فعلي"، على حد تعبير بوش. ويشير في هذا السياق إلى تشكيل مليشيات محلية على سبيل المثال. "عندما يسقط الأسد، فقد تدخل الحرب الأهلية في سوريا مرحلة جديدة."
ويتوقع الخبير في الشؤون الإيرانية أن طهران ستواصل علنا دعمها لنظام الأسد وسوف تحتج على أي عملية ضده ولكنها ستتجنب الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة والأوروبيين. ويضيف بوش: "طبعا طهران تفضل بقاء الأسد في منصبه، ولكنها ستتجاوز ذلك، لأن لديها خطة بديلة."
كما أن الرأي العام في إيران لا يؤيد نظام الأسد، وفق بوش، الذي يلفت إلى أن "المسلمين يرون أنه من العار التعامل مع أحد من حزب البعث الذي كان ولا يزال يضطهد الإسلام." ويضيف قائلا: "البعض يعتقد أنه بحاجة إلى سوريا والأسد وحزب الله لممارسة ضغوط على إسرائيل. وهو يشكل مجموعة مهمة تشمل المرشد الأعلى لإيران. أما الإيرانيون أنفسهم فقد يصاب البعض منهم بالذعر، ولكن لا أعتقد بصفة عامة أن تكون هناك ردود فعل كبيرة. "