إسبانيا.. مهاجرون ضحايا "للاستغلال المفرط" في حقول الفراولة
١٢ يوليو ٢٠٢٣يعاني المهاجرون العاملون في الحقول الزراعية الإسبانية من أوضاع معيشية "متردية"، حيث يعمل الآلاف منهم في جنوب إسبانيا بالزراعة والقطاف، من دون أوراق أو عقود رسمية، ويكدحون لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة.
في تقرير جديد يدين السلطات الإسبانية، صدر في 12 حزيران / يونيو الجاري، استنكرت مجموعة خبراء مجلس أوروبا لمكافحة الإتجار بالبشر "غريتا" (Greta) ظروف معيشة وعمل المهاجرين العاملين الموسمين في حقول الفراولة بمدينة هويلفا في جنوب إسبانيا. وصدر هذا التقرير بعد زيارة قامت بها المجموعة إلى الموقع في 8 و9 تموز/يوليو من العام الماضي.
في أكواخ بلا كهرباء ولا ماء
ورصدت المجموعة التابعة لمجلس أوروبا، في تقريرها، بناء على زيارة لخبرائها إلى المكان، وجود "25 مخيم غير نظامي" يعيش فيها حوالي 914 مهاجرا بينهم 99 امرأة، معظمهم مهاجرون غير نظاميين وبدون أوراق يتحدرون من المغرب ومالي وغانا. وبحسب فريق الخبراء يعيش هؤلاء "في أكواخ مصنوعة من الأغطية البلاستيكية وهي الأغطية المستخدمة لتغطية مزارع الفراولة" و "لا تتوافر لديهم مياه الشرب أو الكهرباء ولا يتمكنون من الوصول إلى المرافق الصحية".
وبحسب التقرير، فالدعم الوحيد لهؤلاء العمال الذين يعيشون وسط ظروف محفوفة بالمخاطر، يكمن بوجود مركز صغير يقع إلى جوار حقول قطاف المحاصيل الزراعية. أنشأته جمعيات مثل الصليب الأحمر، وكاريتاس، والمنظمة غير الحكومية الإسبانية التي تساعد المهاجرين "ACCEM". ويقدم المركز الخدمات الأساسية للمحتاجين. ومع ذلك، فإن استمرار عمله على المدى الطويل، مهدد بسبب "نقص التمويل العام"، على حد تعبير (غريتا).
وتعتبر هذه الجمعيات، الوارد اسمها في التقرير، أن "العديد من العمال المهاجرين في هذا المخيم هم ضحايا استغلال العمالة والإتجار بالبشر"، خصوصا فيما يتعلق بعدد ساعات العمل التي غالبا ما تتجاوز الحد القانوني. وتضيف الوثيقة: "في بعض الأحيان لا يتقاضى العمال رواتبهم على الإطلاق". كما تدين المنظمات غير الحكومية حالات استغلال النساء جنسيا في المخيمات.
تنديد بـ "تقاعس السلطات" الإسبانية
علاوة على ذلك، يدين خبراء غريتا "تقاعس السلطات"، وأعربوا عن قلقهم من "عدم السماح لمفتشي العمل بالذهاب إلى هذه المخيمات الفقيرة لعدم امتلاكهم تفويضا بذلك". و من عدم أحقية "الحرس المدني بالذهاب إلى هناك، إلا في حال وقوع حادث، أو لنجدة الأشخاص المعرضين للخطر والضعفاء مثل النساء الحوامل أو أولئك الذين لديهم أطفال".
وقالت الحكومة الإسبانية ردا على التقرير "هناك وعي ملحوظ" للوضع في هويلفا، مشيرة إلى جهودها لرفع مستوى العمل الوقائي في هذه المجالات، خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب السلطات الإسبانية، نُفذت عام 2022، 329 عملية تفتيش عمل مقارنة بـ 57 في عام 2018. مضيفة "تم تعزيز تدريب العناصر المكلفة بالتحقيق في قضايا الاتجار بالبشر". ومنذ خمس سنوات "تم إجراء تدريب خاص للشركاء الاجتماعيين"، من أجل تكوين "مساحة لتبادل المعلومات والنقاشات والأفكار الجيدة".
"العمالة الأجنبية تظل ضرورية"
وأكدت وزيرة العمل، يولاندا دياز، قبل أيام قليلة من نشر غريتا لتقريرها، في 7 يونيو/حزيران، خلال زيارة لدونانا بالقرب من هويلفا، أن "معظم" الشركات التي تقوم بجني الفواكه الموسمية "الفواكه الحمراء كالتوت والفراولة" في المنطقة "تحترم قانون العمل"، وذلك بحسب تقارير يوروبا برس. مشيرة إلى أنه لدى العمال والعاملات "ظروف عمل صحيحة". وأكملت "صحيح أيضا أن هناك شركات لا تحترم التشريعات السارية".
في الأندلس، المنطقة التي تقع فيها هويلفا، تمثل الزراعة 7.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي، أي ضعف المتوسط الإسباني. وتعتبر زراعة الفاكهة الحمراء، بما في ذلك الفراولة، رائجة هناك. وتنتج مقاطعة هويلفا ما يصل إلى 300,000 طن من الفراولة سنويا ، أي أكثر من 90 ٪ من الإنتاج الإسباني. وفق "جمعية الفراولة Interfresa".
للمزيد>>> إسبانيا: توقيف 43 شخصا ينتمون لشبكة إجرامية متهمة باستغلال مهاجرين غير شرعيين
ويحتاج هذا القطاع المنتعش إلى أيد عاملة كثيرة: ويتطلب كل موسم جني وقطاف، من شباط/فبراير حتى حزيران/يونيو، عمل 100،000 شخص، غالبيتهم أجانب. واستجاب 970 مواطنًا فقط من المقاطعة للتدرب في 23,000 قطعة أرض من الفراولة في هويلفا، عام 2019، استجاب. وقالت صحيفة El Diario تظل "العمالة الأجنبية ضرورية".
"العديد من المهاجرين يفقدون عقولهم"
وإذا سمحت السلطات لهؤلاء الآلاف من المهاجرين بالعمل في هذه القطاع الزراعي، عن طيب خاطر، فإنها تغض الطرف عن ظروف عملهم المؤسفة، والتي تندد بها منظمات عدة منذ عقدين.
ووضع اتحاد العمال الزراعيين تقييما صارما في 20 حزيران/يونيو عام 2000، ووجدوا أن أكثر من 1300 مهاجر من أصل 5000 ممن انتقلوا لجني الفراولة من هويلفا، كانوا يعيشون في أكواخ ومخيمات غير رسمية.
بعد أكثر من 20 عامًا، بقيت الملاحظة هي نفسها. وبالنسبة إلى رئيس جمعية "أندلوسيا أكوج، خوسيه ميغيل موراليس، فإن هذا الوضع مستمر بسبب "العنصرية الاجتماعية والمؤسساتية التي تفترض أنه يمكن الاحتفاظ بأشخاص من أصول معينة في ظروف غير لائقة". وقال خلال اجتماع بين المنظمات غير الحكومية والمفوض الأوروبي للتوظيف، نيكولاس شميت، في كانون الأول/ديسمبر عام 2022 "نطالب البرلمان الأوروبي وأوروبا بالمشاركة في جعل هذا الموضوع على جدول الأعمال". وأشار عبد الله سانوغو، من رابطة الماليين في مازاغون، خلال الاجتماع نفسه إلى أن المهاجرين "يعيشون من دون كهرباء ودون مياه، لذلك يفقد العديد من المهاجرين عقولهم".
"إن لم تحصد الكمية المطلوبة منك، فستتم معاقبتك"
وأوضح ممثل اتحاد العمال الأندلسيين، خوسيه أنتونيو بازو، في مقابلة مع قناة يورونيوز التلفزيونية، أن العمال غير المنتجين بما يكفي يتعرضون لسوء المعاملة. قائلا "من لا يبدي نشاطا أثناء العمل يتعرض للمحاسبة، إننا في العصور الوسطى!، إن لم تحصد كمية محددة أو عدد محدد من الكيلوغرامات فستتم معاقبتك ومن الممكن أن تبقى من دون عمل ليومين أو ثلاثة، وبالتالي لن يدفع لك أي نقود لتعيش".
حقوق هؤلاء العمال المهاجرين منتهكة، بحسب سيدوا ديبو (28 عاما)، وهو مهاجر سنغالي يعمل في حقول منطقة هويلفا Huelva جنوب البلاد، منذ أربع سنوات.
مضيفا لمهاجرنيوز "لا تعاملنا الشركات كما يجب، إنها لا تعترف بحقوقنا ولا تحترمنا، بل وتضغط علينا للإسراع في إنجاز العمل ونتقاضى أجورا بخسة في النهاية". وأكمل سيدو "نعيش مثل الحيوانات هنا وهذا ليس بجديد، هكذا هو حال العمال المهاجرين منذ 20 عاما".
"قد يموت العامل من العطش، لكن الثمرة يجب أن تبقى على قيد الحياة"
مرة أخرى في أبريل 2022، أعربت المؤسسة المشاركة لجمعية "جورنالا دو هويلفا" والعاملة الزراعية السابقة، نجاة باسيت، عن أسفها لأن "الانتهاكات تتزايد من عام إلى آخر". مضيفة أنه لا يسمح لبعض العمال المهاجرين بأخذ ماء معهم، منتصف الصيف، حتى لا يبللوا الثمار. "قد يموت العامل من العطش، لكن يجب أن تبقى الثمرة تبقى على قيد الحياة"، وفق Ameco Press.
وحذر المتخصص بملف حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أوليفييه شوتر، السلطات الإسبانية من تدهور أكبر في أوضاع العمال المهاجرين وحث على تحسين ظروفهم قائلا "على السلطات الإسبانية اتخاذ إجراءات فورية لتحسين الظروف المعيشية للعمال المهاجرين، قبل أن ينتهي الأمر بموتهم جميعا"، في تموز/يوليو 2020.
مأساة مستمرة
وتعد المساكن التي يعيش فيها المهاجرون شديدة التقشف. تتكرر فيها الحرائق خصوصا أثناء موجات الحر، إذ يستخدم السكان إسطوانات غاز للطبخ، وهي خطرة إن وضعت داخل مساكن مصنوعة من خشب أو كرتون أو بلاستيك. وفي أبريل/نيسان 2022 ، فقد محمد علم ، المغربي البالغ من العمر 27 عامًا ، حياته عندما جاء للعمل في الحقول في ليبي بالقرب من هويلفا. مات في حريق نشب في الكوخ الذي كان يعيش فيه مع خمسة أشخاص آخرين.
ويوجد في منطقة هويلفا نحو أربعين مخيما، موزعة في مدن Lepa أو Palos de la Frontera أو Moguer أو Lucena del Puerto، في أقصى الجنوب الغربي من البلاد. وفق المنظمات غير الحكومية. ونقدر أعداد المهاجرين العاملين في قطاف الفاكهة والخضروات الأندلسية (الفراولة والطماطم بشكل أساسي) بنحو ثلاثة آلاف.
مهاجر نيوز 2023 - مارلين بانارا/م.م