لا أيادي للجني .. كورونا يعمق أزمة زراعة الفراولة في إسبانيا
١٩ أبريل ٢٠٢٠كانت سنة صعبة للغاية لمزارعي الفراولة في إقليم الأندلس بالجنوب الإسباني، فالمنتجون كانوا يحتجون سابقاً على ارتفاع تكاليف الإنتاج مقابل أسعار البيع المنخفضة، ثم جاءت جائحة كورونا لتزيد من مشاكل القطاع، فقد أعلنت إسبانيا حالة الطوارئ، وأغلق الاتحاد الأوروبي حدوده، وكذلك فعل المغرب، ما منع العمال المغاربة من التوجه إلى المزارع الإسبانية كما دأبوا على ذلك كل عام، وأجبر العمال القادمون من شرق أوروبا على العودة إلى بلدانهم.
ولم يتجاوز عدد العمال المؤقتين في مزارع ويلفا (أو ولبة)، المقاطعة التي تصدّر الفراولة لإسبانيا وأوروبا، 25 ألفاً هذا العام، وفقا لإحصائيات جمعية "أنترفريسا" (الجمعية المهنية لزراعة الفراولة في الأندلس)، ولا توجد أيّ إشارة أن بمقدور العمال الآخرين خارج إقليم الأندلس، وغالبيتهم من المهاجرين، العودة للعمل خلال الأسابيع القادمة وفق ما أكدته حكومة الإقليم، ما سيحتم على أصحاب المزارع الاكتفاء بمن هم موجودين حالياً.
ونتيجة للاعتماد على زراعة الفواكه الحمراء، خاصة الفراولة، لا يوجد أي مصدر اقتصادي آخر يمكنه إنقاذ اقتصاد مقاطعة ويلبا، ما يجعل الأمور غاية في السوء لمنطقة تعاني أصلاً من ارتفاع أرقام العطالة والفقر، ويؤثر بشكل سلبي للغاية على الإقليم ومعه إسبانيا.
كورونا يهز اقتصاد الفراولة
ونتيجة للإجراءات الصارمة التي اتخذتها إسبانيا بسبب جائحة كورونا، فقد تقلّص عدد العمال بشكل كبير وفق ما تؤكده جمعية "أنترفريسا" لـDW، خاصة أن القانون يمنع ركوب أكثر من شخصين في سيارة واحدة وأكثر من ثلاثة في الحافلات الصغيرة. وقد حاولت الحكومة المحلية تسهيل حياة العاملين المحليين بمنحهم حق التسجيل للعمل دون فقدان تعويضات البطالة، لكن بعض المنتجين يطالبون بالسماح للعمال خارج الإقليم بالعودة إلى المزارع، خاصة أن عدد حالات كورونا في الإقليم جد محدودة.
وتراجعت مبيعات الفواكه الحمراء بما بين 40 إلى 60 بالمئة حسب جمعية "أنترفريسا" بسبب القيود التي وضعتها دول أوروبية على غرار ألمانيا والمملكة المتحدة. كما ساهم تراجع الطلب من الفنادق والمطاعم وتغير عادات المستهلكين الذين باتوا لا يشترون كثيرا المنتجات الطرية خلال هذه الجائحة في أزمة المزارعين حسب متحدثة باسم تعاونية "كوبيراتيفاس أغروألمونتارياس".
وتؤكد التعاونية أن هناك تخوفاً بين المزارعين من فقدان أسواقهم التقليدية، رغم أنهم حاولوا خلق نوع من التوازن عبر إنتاج أقل، خاصة مع توجس الأسواق الممتازة من ارتفاع أسعار المنتجات الطرية في هذه الفترة إثر تراجع عدد العمال في المزارع والمعامل.
ويعمل في قطاع زراعة الفواكه الحمراء حوالي 100 ألف شخص سنوياً، بينما يقدر أحد المزارعين حجم الخسائر هذا العام بما بين 300 و400 مليون أورو. وفيما تؤكد تعاونية "كوبيراتيفاس أغروألمونتارياس" أنها بالكاد تستطيع تغطية مصاريف الإنتاج، يقول مزارع من ويلفا إن العديد من المزارعين سيضطرون إلى الاقتراض من البنوك، بينما يأمل بعضهم أن يساهم موسم جني التوت البري، خلال الأيام المقبلة، في خلق بعض التوازن.
لكن الباحث الاقتصادي ديلغادو كابيزا يأمل في مقابلة مع DW أن يؤدي الوضع الحالي إلى إعادة النظر في اقتصاد المنطقة، خاصة مع توقعه بأن تشهد المواسم المقبلة عدة توقفات في جني الفواكه الحمراء، مشيراً إلى أن النجاح الذي حققته إسبانيا في هذا القطاع كان بتكلفة عالية، وبالتالي "لن تخرج من هذا الوضع إلّا إذا اقتنعنا أنه يؤذينا في العمق".
أوضاع عمل مزرية
وأكدت جائحة كورونا الأوضاع المزرية التي يعمل فيها العمال المهاجرين، إذ يستقبل إقليم الأندلس كل عام الآلاف منهم (استقبل عام 2018 حوالي 15 ألف امرأة مغربية)، نظراً لأن غالبية السكان المحليين لا يرغبون في مزاولة هذه الأعمال المضنية التي يؤدى عنها بالحدّ الأدنى من الأجر.
"تتوفر ويلفا على نموذج التوظيف الأكثر مرونة في تاريخ الرأسمالية"، يقول ديلغادو كابيزا، الذي أمضى أربعة عقود في دراسة الاقتصاد الزراعي بإقليم الأندلس، مضيفاً: "يتم توظيف الناس في بلدانهم الأصلية ويأتون إلى هنا فقط لفترة الوقت التي يحتاجون فيها إلى عملهم، وبعد ذلك يتعين عليهم العودة إلى ديارهم".
وسبق لمقرّر الأمم المتحدة المعني بالفقر وحقوق الإنسان، فيليب ألستون، أن أكد فبراير/شباط الماضي أن عددا من هؤلاء المهاجرين يعيشون في ظروف أسوأ من ظروف مخيمات اللاجئين، دون مياه نظيفة ولا كهرباء ولا نظافة'"، وهو ما أكده ريبورتاج لمهاجر نيوز نهاية 2018، ظهر فيه مهاجرون مغاربة يعيشون في مساكن جد متسخة دون شروط الحياة الكريمة.
كما ترددت مزاعم عن استغلال جنسي لعدد من العاملات، إلّا أن تحقيقاً من عين المكان لـDW عربية خلص إلى أن حالات الاستغلال جد محدودة، وهو ما أكدته الشرطة الإسبانية لاحقاً، مقابل وجود شكاوى أخرى من العاملات، تتعلّق بظروف السكن والنقل وتعامل المشرفين معهم وعدم الوفاء بالكثير من الوعود التي تلقوها في المغرب.
ولا تتوقف الآثار السلبية لكورونا على إقليم الأندلس، إذ فقد الكثير من العمال المغاربة مورد رزقهم، خاصة منهم النساء اللائي ينتقلن للعمال في المزارع الإسبانية، ما زاد من قساوة الظروف الاجتماعية التي يعشنها. كما تُطرح الكثير من الأسئلة عن واقع المهاجرين غير النظاميين الذين دأبوا على العمل المتقطع في هذه المزارع، فهم خارج نظام التعويضات عن العطالة في إسبانيا، ما يزيد من صعوبة أوضاعهم المعيشية.
إنريكي أنارتي/ إسماعيل عزام