"إدارة الانترنت" محور الجدل في قمة تونس للمعلومات
بالرغم من كوننا في عصر المعلومات، إلا أن أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية لا يملكون هاتفاً، ونحو 5 مليارات شخص ليس لديهم جهاز كمبيوتر خاص، كما أن 55% من مستخدمي الكومبيوتر يتركزون في أمريكا الشمالية. هذه الأرقام التي وضعت أمام حاضري قمة جنيف للمعلومات عام 2003 دفعتهم إلى مناقشة إمكانية توفير استخدام الانترنت في الدول النامية. وفي هذا الإطار ولد الطموح بالوصول بالانترنت إلى نصف سكان العالم بحلول عام 2015. ويبدو أن هذا الحلم يقترب من التحقق، إذ يزداد عدد مستخدمي الانترنت سنوياً بنحو 20%. فقد كان عدد مستخدمي الانترنت في عام 2000 يقتصر على 380 مليون شخص، أما في عام 2004 فقد وصل عددهم في إلى 800 مليون مستخدم. لكن الفجوة مازالت قائمة بين الدول الكبرى والدول النامية، فقد جاء في تقرير اليونسكو الصادر في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الجاري أن خدمة الانترنت تتوفر فقط لـ 11 % من سكان العالم، وأن 90% منهم يقطنون في الدول الصناعية. وتعتبر الصين البلد الثاني المرتبط بالشبكة في العالم بعد الولايات المتحدة، غير أن 4% فقط من سكانها يملكون جهاز كمبيوتر. وكانت القمة العالمية الأولى لمجتمع المعلومات في جنيف بدأت بمناقشة "الهوة الرقمية" بين الدول الغنية والفقيرة ولكنها لم تسفر عن نتائج ملموسة لمصلحة البلدان الفقيرة.
وتنظم هذه القمة العالمية برعاية الأمم المتحدة وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، الذي وصل إلى تونس مساء الأحد، كما يحضر اللقاء عدد كبير من قادة الدول من بينهم نحو خمسين رئيس دولة وحكومة، كما أن هناك حوالي 10 آلاف نائب عن الحكومات والهيئات والمنظمات غير الحكومية وغيرهم من ممثلي الشركات المختلفة، فإلى جانب المناقشات الدبلوماسية هناك معرض تجاري أيضاً.
الصراع حول "إدارة الانترنت"
من المتوقع أن تثير مسألة "إدارة الانترنت" خلافات حادة بسبب رفض الولايات المتحدة الأمريكية التخلي عنها. فقد بدأ سفراء يمثلون 170 بلداً منذ بعد ظهر الأحد سلسلة اجتماعات حول هذا الموضوع الذي يشكل أبرز نقاط الخلاف. وأوضح مشاركون في الاجتماع أنهم يسعون إلى "إيجاد توافق بخصوص التوصيات التي ستعرض على القمة حول إدارة الانترنت والحلول الهادفة إلى سد الفجوة الرقمية وآليات التمويل التي يتعين وضعها" وأكد مسئول أوروبي في إدارة المعلوماتية والإعلام في المفوضية الأوروبية عزم أوروبا على التوصل إلى اتفاق بشأن إدارة الانترنت التي يجب أن تكون متعددة الأطراف وشفافة وديمقراطية وبمشاركة كاملة من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات الدولية. وأكد أن قمة تونس هي ملتقى عالمي وليس ثنائي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قائلاً: " يجب أن تؤخذ اقتراحات الدول الأخرى، خاصة المتقدمة منها، في الحسبان، حتى لا تشعر بأنها مستبعدة من آليات إدارة الشبكة". كما صرحت مفوضة الاتحاد الأوروبي عن وسائل الإعلام فيفيان ريدنج لمجلة "دير شبيجل" الألمانية قبل بداية القمة بأيام أن انفراد دولة واحدة وتحكمها في شبكة الانترنت يعد أمراً غير عقلاني.
السعي إلى إنشاء نظام عالمي للتحكم في الانترنت
يقضي الإقتراح الأوروبي بإنشاء نوع جديد من التعاون بين الأطراف الدولية في سبيل إدارة الشبكة، وإدارة الشبكة لا تعني بأي حال الرقابة على المعلومات الموجودة، بل بتعريف المعطيات والتسميات والعناوين المستخدمة وتعريف مناطق الاستخدام و تنظيم آليات العمل المتعلق بسلامة المعلومة وطرق الوصول إليها. وقد طرح الإتحاد الأوروبي خلال مباحثات جنيف ، تحت الرئاسة البريطانية، شكل جديد من أشكال التعاون في مجال إدارة الإنترنت. ويضيف المسئول الأوروبي "الاقتراح الأوروبي يشكل حلاً وسطاً بين موقف الولايات المتحدة الأمريكية، التي تطالب بالحفاظ على الوضع الحالي، حيث تسيطر هي على إدارة الشبكة، وبين المقترحات التي قدمتها بعض الدول مثل الصين والبرازيل، التي تريد تدخلاً رسمياً في الأمر". وقدم الاتحاد الأوروبي "صيغة وفاق" تهدف إلى وضع جهاز تقني بدل الرقابة السياسية الأمريكية على "الإيكان" أو "هيئة الانترنت للأسماء والأرقام المخصصة" وهي الهيئة المسئولة عن النظام الذي يوفق بين أسماء المواقع ليسهل ذكرها والعناوين الرقمية التي تعمل على أساسها أجهزة الكمبيوتر وهذه الهيئة هي المتحكمة في Root-server وهي حواسب الكترونية خاصة لا يوجد منها سوى 13 في كل العالم، 12 منهم في الولايات المتحدة. ومن ناحيتها تقترح بلجيكا إنشاء "منتدى دائم" يعني بنقاش موضوع رقابة الانترنت مع ممثلي القطاع الخاص والجمعيات، كما أعلن بعض الخبراء عن عزمهم إنشاء شبكة منافسة في حال عدم الوصول إلى اتفاق.
انتقادات المنظمات غير الحكومية
ويبرر المسئولون موقف الولايات المتحدة بأنهم يسعون إلى حماية أمن الانترنت "حتى لا تتيح الفرصة للدول التي تقمع الحريات من وضع سيطرتها على الشبكة". أما الاتحاد الأوروبي فيسعى مدعوماً بعدة دول إلى تخويل مهمة مراقبة الانترنت إلى هيئة دولية تابعة للأمم المتحدة. لكن أول الدول التي أعلنت عن مساندتها للاتحاد الأوروبي هي الصين وإيران والسعودية، وهي بلدان يسود فيها قمع الرأي، وهو الأمر الذي جعل رفض الولايات المتحدة أكثر شدة.
ومن المتوقع أن تحدث خلافات كثيرة خلال هذه القمة التي تقام في تونس، فقد انتقدت منظمات عديدة مشاركة بلدان لا تحترم حقوق الإنسان في اتخاذ قرار يتعلق بمستقبل الانترنت. وعلى رأس هذه المنظمات منظمة "مراسلون بلا حدود"، حيث انتقد يوليان بين المسئول عن حرية الانترنت بها تونس، البلد التي تحتضن القمة، مؤكداً أن حقوق التعبير منتهكة هناك، وأنهم لا يتعاونون مع جمعيات حقوق الإنسان. فالحكومة التونسية لم توفر لهم مكاناً للقيام بمؤتمر صحفي خاص بهم، وأنهم يقومون بالرقابة على صفحات الانترنت ويمنعون الوصول للصفحة الرسمية لمنظمة "مراسلون بلا حدود"
من ناحية أخرى أدان أعضاء هيئة التحكيم الدولية الإثنى عشر لمسابقة دويتشه فيله للمدونات لعام 2005 ما قامت به السلطات الصينية من إغلاق مدونة "وانغ ييز مايكوفون" (Wang Yi´s Microphone)، وطالبت الهيئة الدوائر الصينية المختصة برفع الحظر عن هذه المدونة معتبرين أن حدوث هذا التطور قبيل انعقاد القمة الدولية المعلوماتية والتي سيشارك فيها وفداً صينيا أيضاً أمراً لا يمكن الصمت عنه.