مستقبل الثورة الرقمية محور اهتمام القمة العالمية لمجتمع المعلومات
تجري على قدم وساق الاستعدادات الأخيرة في تونس لعقد المرحلة الثانية من القمة العالمية لمجتمع المعلومات بمشاركة نحو 30 زعيم دولة تأكدت مشاركتهم، علاوة على 15ألف شخصية علمية ورسمية، كما أفاد الوزير الأول التونسي السيد محمد الغنوشي في مطلع الشهر الجاري. وكانت المرحلة الأولى من هذه القمة قد عقدت في جنيف عام 2003 حين وضع المشاركون نصب أعينهم بناء جسور عبر الفجوة الرقمية لتدفق المعلومات بين الشمال الغني والجنوب المثقل بالمشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ودار الحديث حينها عن مواضيع عدة كإدارة الانترنيت وحقوق الإنسان وتمويل دخول البلدان الفقيرة إلى شبكة العالمية. وقد واجه الاتفاق على مسودة بيان ختامي وخطة عمل استمرت المحادثات حولها حتى اللحظات الأخيرة.
ومن المقرر أن يتم في القمة التي ستعقد في العاصمة التونسية بين 16-18 تشرين الثاني/نوفمبر القادم، والتي نظمت برعاية الأمم المتحدة، مناقشة قضايا عدة تتعلق بسبل التغلب على الفجوة الرقمية بين البلدان الغنية والفقيرة، والأسباب الكثيرة التي تحول دون دخول الكثير من البلدان إلى عصر المعلوماتية. ويذكر أن من أهم هذه الأسباب التكاليف العالية لشراء أجهزة الكومبيوتر ومستلزماته الأخرى والأمية المتفشية في كثير من بلدان العالم ففي أفغانستان مثلاً يصل عدد الأميين إلى 90 بالمائة من النساء و 70 بالمائة من الرجال، إضافة إلى مشاكل التزود بالتيار الكهربائي.
أهداف القمة: تضييق الفجوة الرقمية
وضعت القمة على جدول أعمالها أهدافا عدة تتعلق بتطوير رؤية عالمية لمجتمع المعلوماتية، الأمر الذي يعني لكثير من الدول إيجاد حلول لتجاوز الفارق الكبير بين دول العالم في استخدام التقنية الرقمية التي يمكن بواسطتها الاستفادة من الكم الهائل من المعلومات للأغراض العلمية والثقافية والاقتصادية المختلفة، وكذلك خلق إمكانية اتصال رخيصة الثمن عن طريق البريد الالكتروني وبرامج الاتصال الصوتي عبر الانترنيت. لكن الأمر لا يصطدم بعوائق مالية فحسب، بل بعوائق أخرى سياسية تتعلق بحرية التعبير. وهذا ما دفع منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى التعبير عن خشيتها من استحواذ الدول، التي تُخترق فيها بشدة حرية الفكر والتعبير في الانترنيت، على أجندة عمل القمة.
...ولكن هناك أكثر من فجوة
ليس هناك فجوة رقمية فحسب، بل إن هنالك ثمة فجوة أخرى بين الواقع الراهن لانتشار تقنيات المعلوماتية وبين طموح وأهداف هذه القمة العالمية. وقد كانت دول ومنظمات اقتصادية وغير حكومية اشتركت في القمة الأولى التي عقدت في جنيف بهدف "بناء مجتمع معلوماتي."، لأن التعليم والمعرفة والمعلومات والاتصالات تعتبر مجتمعة الأسس الفاعلة للتطور الاجتماعي والانتعاش الاقتصادي، كما نص جدول أعمال القمة الأولى في جنيف.
ولكن الواقع يختلف تماماً عن هذه الرؤية، فشبكة الانترنيت تقع تحت سيطرة أنظمة شمولية كثيرة، كما يعوق حرية تبادل الأفكار فيها الكثير من المعوقات. وهناك الكثير من مستخدمي الانترنيت الذين يتعرضون للملاحقة عندما يفتحون صفحات تنتقد نظام ما من هذه الأنظمة أو يقومون بكتابة ما يتعارض مع سياساتها. وفي هذا السياق يرى تقرير لمنظمة "مراسلون بلا حدود" أن الصين هي من أكثر البلدان التي يُلاحق فيها "معارضي الانترنت" الذين يقومون بتوجيه النقد للنظام السياسي. ففي عام 2004 وحده تم سجن أكثر من 61 شخص صيني لإقدامهم على كتابة تصريحات أو رسائل في الانترنت تتعارض مع رؤية الحكومة الصينية. كما قامت الحكومة الصينية بإغلاق أكثر من 12000 مقهى انترنت بين شهري تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر من العام الماضي. إضافة إلى ذلك قامت الحكومة الصينية بإغلاق جميع الصفحات التي توجه انتقادات لها، علماً أن الصين تعتبر ثاني أكثر دولة استخداماً للانترنت بعد الولايات المتحدة، ففيها قرابة 87 مليون مستخدم.
سيطرة أمريكية على الشبكة العنكبوتية
وتعد قضية السيطرة الأمريكية على شبكة الإنترنت من المسائل الشائكة التي تعد بمثابة حجر عثرة أمام تحقيق أهداف القمة. فأمريكا غير مستعدة لتسليم هذه الإدارة إلى أية جهة حتى لو كانت هيئة تابعة للأمم المتحدة، كما جاء على لسان سفيرها في جنيف ديفيد غروس ومنسق سياسة الاتصالات والمعلوماتية في وزارة الخارجية الأمريكية، في الوقت الذي انتشرت فيه في أروقة الأمم المتحدة أراء ووجهات نظر ترى أن السيطرة على الانترنت لا تخص دولة واحدة بعينها. ولكن الرد الأمريكي أتى واضحاً: "نحن لا نوافق على تسليم إدارة الانترنيت للأمم المتحدة."، وفقاً لتصريح غروس أثناء الاجتماع التمهيدي الأخير لقمة المعلوماتية في تونس. هذا السلوك الأمريكي يطرح علامات استفهام حول نجاح القمة في التوصل لحلول لمسألة من يقوم بالرقابة على نظام العناوين وتسيير معطيات الانترنيت (Routing).
ومن وجهة نظر أمريكية فإن سيطرتها على الانترنت مسألة تاريخية لأنها هي من قام بتمويل وبناء أنظمتها الأساسية في البداية. وهي بالتالي موضوع غير قابل للنقاش لان له أبعاد ترتبط بالمصالح القومية، كما أضاف غروس. وتقر كثير من الدول، خصوصاً النامية منها بذلك، ولكن هناك دول أخرى بدأت تبدي عدم رضاها لأن الكثير من عناوين ربط الكومبيوتر محجوزة منذ وقت طويل. فتقدمت باقتراح ينقل السيطرة على قاعدة حفظ العناوين من إدارة الانترنيت ICANN الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى هيئة دولية يُفضل أن تكون تحت إشراف الأمم المتحدة. الأيام القادمة ستظهر إن كان بمقدور هذه القمة تجاوز كل هذه المعوقات وخصوصاً التباين في وجهات نظر الدول المشاركة.
عماد م. غانم