أين يكمن هدف الإرهاب القادم؟
دأب تنظيم القاعدة على نشر الرسائل والبيانات التي توضح أهدافه الإستراتيجية في الحرب التي أعلنها على "أعداء الإسلام". وفيها يؤكد بوضوح أن الدول التي اشتركت مع أمريكا في الحرب على العراق وأفغانستان هي أعداء من الدرجة الأولى. وفي ورقته الصادرة عام 2003 يتوعد تنظيم القاعدة بريطانيا واسبانيا وايطايا وبولندا واليابان واوكرانيا بسبب تحالفهم مع أمريكا وارسالهم قوات عسكرية إلى العراق. لذلك لم تكن تفجيرات لندن بالأمس مفاجأة بمعنى الكلمة، فبعد نيويورك ومدريد بات من الواضح أن الدور سيأتي قريبا على الجزيرة البريطانية باعتبارها الحليف الأكبر لأمريكا.
وتدور توقعات الخبراء حول روما كهدف جديد للإرهاب، باعتبارها من أكبر الحلفاء في الحرب على العراق، وطالما تباهى رئيس وزراءها بيرلسكوني بالتحالف الوطيد بينه وبين أمريكا. ويرجح الخبراء مدنا إيطالية كهدف للإرهابيين بسبب التواجد العربي الكثيف في ايطاليا، مما يجعل تنفيذ عمليات هناك أسهل من دول مثل بولندا أو اوكرانيا، حيث يندر الوجود العربي فيها، وبالتالي يصعب التخفي داخلها دون إثارة الشكوك. هذا الأمر أجبر على ما يبدو السلطات الإيطالية على اتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية، فقد قامت الشرطة أمس السبت باعتقال 142 شخصا خلال حملة واسعة جرت في لومبارديا، في شمال البلاد، خلال اليومين التاليين لاعتداءات لندن. وبدأت الحملة التي شارك فيها ألفان من رجال الشرطة في ميلانو وضواحيها الخميس بعيد اعتداءات لندن التي تبناها تنظيم القاعدة. ومن بين الموقوفين 82 مهاجرا غير شرعي بدأت إجراءات طرد 52 منهم. لكن كيف يبدو الوضع بخصوص ألمانيا، هل هي على قائمة أهداف القاعدة؟
ألمانيا حليف أساسي في الحرب على الارهاب
وبالرغم من الموقف الألماني الرسمي والشعبي المعارض للحرب على العراق، لا يستبعد المسئولون الأمنيون في ألمانيا تعرضها لخطر العمليات الإرهابية. ففي ورقة داخلية لشعبة المخابرات الألمانية عام 2004 نشرتها صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" ورد أن "احتمال تعرض ألمانيا لخطر الإرهاب الإسلامي قائم، وذلك بسبب مشاركتها في الحرب الدولية على الإرهاب وتواجدها العسكري في أفغانستان". يذكر أن قوات الأمن الألمانية نجحت في الفترة الماضية في تسديد ضربات موجعة إلى الجماعات المتطرفة الناشطة في ألمانيا.
كذلك أظهرت مبررات عملية قتل المهندس الألماني في المملكة العربية السعودية العام الماضي، والتي نشرها تنظيم القاعدة على صفحات الإنترنت، أن التنظيم يساوي بين جميع المواطنين القادمين من الغرب باعتبارهم "كفار" يحل قتلهم. إضافة إلى ذلك ذكر بيان القاعدة أن ألمانيا من الدول الصديقة لإسرائيل، وأنها تشارك بقواتها في التحالف الذي تقوده أمريكا "لمحاربة الإسلام". لذلك خلصت شعبة المخابرات الألمانية إلى أن هذه المبررات يمكن بسهولة استخدامها في تبرير أي عملية إرهابية تقع ألمانيا ضحيتها.
بنية القاعدة
ويلاحظ المراقبون وجود مستويين في بنية تنظيم القاعدة، المستوى الأول هو المستوى المركزي أو "القاعدي" ويسند إليه التخطيط للعمليات الكبرى، مثل اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وتفجيرات مدريد واسطنبول وأخيرا لندن بالأمس. تتميز هذه العمليات بكبر حجمها وبدقة تخطيطها، وتستهدف عادة المدن الكبرى لإلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية والاقتصادية. ويكون لها معنى رمزي يؤكد على قوة التنظيم الضاربة. ويعتقد المراقبون أن عمليات مثل هذه تضطلع بالتخطيط لها الرؤوس الكبيرة في التنظيم مثل بن لادن والظواهري وغيرهما.
المستوى الثاني للتنظيم هو مستوى محلي، حيث تنشط خلايا إقليمية تعمل على نطاق محدود، ويترك لها اختيار الأهداف التي تراها مناسبة، والمثال الأبرز لذلك هو العراق، حيث يستبعد الخبراء انتظار الضالعين بالتفجيرات في العراق موافقة من بن لادن على كل عملية انتحارية يقومون بها. وتتميز هذه الخلايا المحلية بانفصالها التام عن التنظيم الرئيسي، مما يتيح لها المرونة والسرعة في التحرك، وبالتالي يصعب القضاء عليها. ويؤكد الخبراء أن مثل هذه الخلايا منتشر في كثير من الدول الأوروبية.
هل تصبح برلين الهدف القادم لإرهاب تنظيم القاعدة؟. الإجابة الأكثر واقعية على هذا التساؤل هي لا. لكن هذا لا يعني استبعاد الفكرة كليا. فكما رأينا هناك ما يكفي من المبررات وكذلك من المنفذين.