أولمبياد باريس 2024..نسخة تاريخية ببصمة عربية
١٤ أغسطس ٢٠٢٤من جدلية الافتتاح إلى بهجة الاختتام. عنوان قد يخلص مسار الألعاب الأولمبية التي احتضنتها العاصمة الفرنسية باريس بين 26 يوليو/تموز حتى 11 أغسطس/ أب.
أشهر عديدة قبل انطلاق الأولمبياد بدأ الحديث عن حفل افتتاح أسطوري وغير مسبوق يختلف تماما عما شهدناه من حفلات افتتاح من قبل، مما زاد من مستوى الترقب والانتظار لمتابعة هذا الحفل.
بيد أن أحداثا تزامنت مع يوم حفل الافتتاح أو سبقته بأيام قليلة ألقت بظلالها على الأولمبياد وطرحت مجموعة من علامات الاستفهام على نجاحه، منها حملة جمع اللاجئين الأفارقة وخاصة من هم بدون مأوى، من الشوارع، ونقلهم إلى خارج العاصمة، وهو ما وصفته جمعيات حقوقية "بالتطهير الاجتماعي". الأمر الذي نفته السلطات الفرنسية التي اعتبرت ذلك إجراءات روتينية لا علاقة لها بشكل مباشر بتنظيم الأولمبياد.
أيضا أعمال التخريب التي طالت شبكة السكك الحديدة الفرنسية يوم حفل الافتتاح وتسببت في تعطيل الكثير من رحلات القطار فائق السرعة المتجهة إلى باريس، زادت من المخاوف الأمنية واحتمال حدوث اعتداءات خلال الأولمبياد. زد على ذلك التساقط الكثيف للأمطار يوم حفل الافتتاح ما عكر مزاج مئات الآلاف من الجماهير الذي دفعوا مبالغ طائلة لمتابعة حفل الافتتاح على ضفاف نهر السين.
أيضا الجدل الذي تلى حفل الافتتاح بسبب اتهام مخرج العرض الفني توماس جولي الذي حاكى لوحة "العشاء الأخير" لليوناردو دافنشي، بازدراء المسيحية بسبب ظهور منسقة الأغاني والمنتجة باربرا بوتش، أيقونة مجتمع الميم، محاطة بفنانين وراقصين متحولين، في محاكاة للوحة دافنشي التي تصور لحظة إعلان المسيح أن أحد الرسل سيخونه.
واعتذر منظمو دورة باريس 2024 لاحقا قائلين إنه لم يكن هناك أي نية لإظهار عدم الاحترام تجاه أي مجموعة دينية.
الانطلاقة الحقيقية للألعاب الأولمبية
مع توالي الأيام وانقشاع السحب وعودة أشعة الشمس إلى سماء باريس بدأ إقبال المشجعين على باريس وبدأ إيقاع المنافسات يزداد، لتحل البهجة والإثارة محل الشك والترقب، وتتخذ الألعاب الأولمبية مسارا مثلما تمناه المنظمين من قبل. أرقام قياسية جديدة ومنافسة عالية المستوى وتألق لرياضيين البلد المستضيف كل ذلك ساهم في إضفاء أجواء حماسية على أولمبياد باريس.
فمثلا عندما كان السباح الفرنسي ليون مارشاند ينافس في قاعة "لا ديفونس أرينا" وسط باريس، كان مآزرا بأزيد من 17000 مشجع. وكانت صيحات التشجيع هناك شبيهة بملعب كرة قدم. تحول السباح مارشاند إلى أسطورة في فرنسا ونجم أولمبياد باريس بدون منازع بعد أن أحرز أربع ميداليات ذهبية. وعن هذا الإنجاز يقول صاحب 22 عاما "لدي إحساس أن إنجازي جعل باريس تعيش أجواء استثنائه طيلة أسبوع كاملة" وأضاف في حوار مع DW "لقد كانت أجواء ساحرة. الألعاب الأولمبية كانت مذهلة. الجميع تابعوا هذه الرياضة
وبيعت حوالي تسعة ملايين تذكرة في أولمبياد باريس وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الألعاب الأولمبية.
إيمان خليف تصنع الحدث
سيظل اسم الملاكمة الجزائرية إيمان خليف راسخا في أذهان كل من تابعوا أولمبياد باريس، ليس فقط بسبب تحقيقها لميدالية تاريخية بل أيضا بسبب الجدل الذي أثير حول هذه الملاكمة.
فمنذ المواجهة الأولى لخليف في المنافسات واستسلام منافستها الإيطالية أنجيلا كاريني بعد 46 ثانية فقط، بعد أن تعرضت لضربة قوية في أنفها مرتين وعانت من صعوبة في التنفس، اندلعت مناقشات ساخنة على وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص أحقية الملاكمة الجزائرية في المشاركة مع فئات النساء في منافسات الملاكمة، خاصة وأن الاتحاد الدولي للملاكمة كان قد أبعد خليف والملاكمة التايوانية لين يو-تينغ من المشاركة في بطولة العالم 2023 بسبب "فشلهما في اختبارات أهلية الجنس". دون تحديد طبيعة هذه الاختبارات.
بيد أن اللجنة الأولمبية الدولية كان لها رأي آخر. فهي دافعت عن أحقية الملاكمتين في المشاركة واعتبرتهما نساء يحق لهما المشاركة في فئة السيدات.
الملاكمة الجزائرية التي حظيت بتشجيع كبير من الجماهير الجزائرية والعربية في كل نزال كانت تخوضه في أولمبياد باريس، نجحت في إحراز ميدالية ذهبية تاريخية، مقدمة ردا في الميدان على كل الجدل الذي أثير حولها. وبعد التتويج بالميدالية الذهبية صرحت خليف بالقول "لقد ولدت امرأة وعشت امرأة وتنافست كامرأة. من هاجمني؟ كانوا أعداء المجد، وتتويجي بالذهبية كان أفضل رد".
وبالإضافة إلى ذهبية خليف أهدت لاعبة الجمباز كيليا نمور ميدالية ذهبية أخرى للجزائر بالإضافة إلى برونزية العداء جمال سجاتي الذي حققها في سباق 800 متر لتوقع الحزائر على أفضل نسخة أولمبية لهما مناصفة بنسخة أتلانتا 1996.
أول ميدالية عربية في الألعاب الجماعية
المنتخب المغربي الأولمبي لكرة القدم حقق بدوره نتيجة تاريخية بعدما بات أول منتخب عربي في كرة القدم أو في الرياضات الجماعية، يحقق ميدالية في الأولمبياد. رفاق أشرف حكيمي قدموا دورة مثالية وأمتعوا بالنتيجة والأداء في كل المباريات التي خاضوها. ولولا سوء الحظ والتعثر في مباراة نصف النهائي أمام حامل اللقب المنتخب الإسباني، لكانت النتيجة أفضل من الميدالية البرونزية.
المغرب حقق أيضا ميدالية ذهبية في أولمبياد باريس في منافسات ألعاب القوى عبر البطل الأولمبي والعالمي سفيان البقالي الذي بسط سيطرته الكبيرة على مسافة 3000 متر موانع.
استفاقة متأخرة للمصريين
دخلت مصر أولمبياد باريس بوفد اعتبر الأكبر عربيا وإفريقيا، حيث بلغ إجمالي عدد الرياضيين المصريين في هذه الدورة 166 رياضيا، بيد أن الحصيلة ظلت في البداية مخيبة ولم ترقى للتطلعات، بعدما كانت مصر مقتصرة على ميدالية برونزية يتيمة حتى اليومين الأخيرين من انتهاء المنافسات، قبل أن ينقذ أحمد الجندي ماء وجه المصريين بذهبية غالية في مسابقة الخماسي الحديث، وتحقق مواطنته سارة سمير أيضا ميدالية فضية في حمل الأثقال. ليصبح رصيد مصر ثلاث ميداليات.
وتصدرت البحرين قائمة المنتخبات العربية من حيث عدد الميداليات في أولمبياد باريس بميداليتين ذهبيتين وواحدة فضية وأخرى برونزية تلتها الجزائر بميداليتين ذهبيتين وواحدة برونزية، وبعدها مصر بميدالية ذهبية وفضية وبرونزية، ثم تونس بميدالية ذهبية وفضية وبرونزية. يليها المغرب بميدالية ذهبية وأخرى برونزية، وبعدها الأردن بميدالية فضية ثم قطر بميدالية برونزية.
وتعتبر المشاركة العربية في أولمبياد باريس هي الأفضل في تاريخ المشاركات العربية في الأولمبياد بتحقيق 17 ميدالية منها 7 ذهبيات.
لكن رغم ذلك تبقى حصيلة غير مثالية، بالنظر للإمكانيات المسخرة للوفود العربية التي شاركت في أولمبياد باريس وبالنظر أيضا إلى عدد الرياضيين العرب في البطولة.
لوس أنجليس المحطة المقبلة
في حفل اختتام الأولمبياد الذي أقيم في ملعب فرنسا الدولي، والذي جاء مميزا وحظي بإعجاب الكثير من الجماهير حول العالم، تم تسليم الشعلة الأولمبية إلى لوس أنجليس التي ستحتضن الألعاب الأولمبية المقبلة صيف 2028.
وفي المؤتمر الصحفي الختامي لأولمبياد باريس، قال رئيس اللجنة الأولمبية للدولية توماس باخ :"إن دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024 هي قصة حب. الرياضيون والجماهير في فرنسا وفي جميع أنحاء العالم عشقوا هذه الألعاب وعشقوا بعضهم البعض. وكان بالإمكان أن تشعر وترى حماس الجميع".
هشام الدريوش