أوروبا تتفق على إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن
١٣ يناير ٢٠٠٦طلبت دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا، وألماني، وفرنسا) عقد اجتماع استثنائي للوكالة الدولية للطاقة الذرية لبحث الأزمة القائمة بشأن الملف النووي الإيراني، حسبما صرح وزير الخارجية الألماني فرانك- فالتر شتاينماير. وقال الوزير الألماني بعد الإقرار الأوروبي بوصول المحادثات الأوروبية الهادفة إلى إقناع إيران بتخليها عن برنامجها النووي إلى طريق مسدود: "سندعو إلى اجتماع استثنائي لمجلس الوكالة". كما اتفق وزراء الدول الأوروبية الثلاث على انه يجب إحالة ملف طهران النووي إلى مجلس الأمن الدولي الذي يحتمل أن يفرض عليها عقوبات اقتصادية وسياسية.
الإعلان المشترك للترويكا الأوروبية
ومن ابرز ما جاء في الإعلان المشترك للترويكا الأوروبية حول الملف النووي الإيراني كما نشر يوم أمس الخميس في برلين النقاط التالية: "إن قرار إيران استئناف أنشطة تخصيب (اليورانيوم) يشكل رفضا واضحا للعملية التي التزمتها الترويكا الأوروبية/الاتحاد الأوروبي وإيران منذ أكثر من عامين بدعم من المجتمع الدولي، كما انه يشكل تحديا لسلطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي، وقررنا تاليا إبلاغ مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن مفاوضاتنا مع إيران بلغت طريقا مسدودا. الأمر ليس نزاعا بين إيران وأوروبا بل بين إيران والمجتمع الدولي برمته، والأمر ليس كذلك نزاعا يتصل بحقوق إيران بموجب معاهدة الحظر النووي، بل هو فشل إيران في الإقناع بالطبيعة السلمية لبرنامجها النووي. تواصل إيران تحدي سلطة مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر تجاهل طلباته المتكررة وإظهار تعاون جزئي مع الوكالة الدولية، ومن الأهمية بمكان ان يرد المجتمع الدولي بحزم على هذا التحدي حفاظا على صدقية معاهدة الحظر النووي والنظام الدولي للحظر عموما. ما زلنا نرغب في حل هذه المشكلة عبر الوسائل الدبلوماسية, سنستشير شركاءنا الدوليين في شكل واسع في الأيام والأسابيع المقبلة، ونعتقد انه حان الوقت لإشراك مجلس الأمن بهدف تعزيز سلطة قرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من هنا سندعو الى اجتماع طارئ لمجلس حكام الوكالة الدولية بهدف اتخاذ كل التدابير الضرورية لبلوغ هذا الهدف".
رايس: إيران تعمدت تصعيد الخلاف النووي
ومن جهتها قالت الولايات المتحدة إنها تنضم إلى الاتحاد الأوروبي في إدانة "التصعيد الإيراني المتعمد" للخلاف حول برنامجها النووي. وقالت رايس في مؤتمر صحافي ان إيران "تتحدى بشكل خطير المجتمع الدولي بأكمله"، مشددة على انها تنضم الى الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) في إدانتها للجمهورية الإسلامية. وقالت إن على مجلس الأمن الدولي "دعوة النظام الإيراني إلى التخلي عن تطلعاته بإنتاج أسلحة نووية". وأضافت "ستشجع الولايات المتحدة مجلس الأمن على تحقيق ذلك". وأكدت أن بلادها "ستواصل التشاور الوثيق مع دول الترويكا والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وغيرها من أعضاء المجتمع الدولي خلال الأيام والأسابيع المقبلة، مع بداية وتقدم هذه المرحلة الدبلوماسية الجديدة". وقالت رايس أن الولايات المتحدة ترغب في "حل دبلوماسي سلمي لهذه المسألة التي تجنب العالم التهديد الذي تمثله إيران تمتلك أسلحة نووية".
انان: طهران "لا تزال مهتمة" باستمرار المفاوضات
وعلى الرغم من تصريح مسئول إيراني كبير في الملف النووي للتلفزيون الرسمي بأن إيران "غير قلقة" لامكان احالة ملفها أمام مجلس الأمن الدولي، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان قال يوم الخميس ان السلطات الإيرانية أكدت له إنها "لا تزال مهتمة بالمفاوضات" حول برنامجها النووي، "ولكن في إطار جدول زمني". وقال انان في تصريح للصحافيين انه تحدث هاتفيا طوال أربعين دقيقة مع علي لاريجاني المسئول الإيراني المكلف الملف النووي. وأضاف "طلبت منه أن يتفادى (الإيرانيون) أي تصعيد ويلتزموا ضبط النفس ويعطوا فرصة للمفاوضات"، لان "الحل التفاوضي هو الوحيد القابل للحياة". وتابع انان "بدوره، اكد لي (لاريجاني) أنهم مهتمون بتفاوض جدي وبناء ولكن في اطار برنامج زمني". كما نقل عن لاريجاني تذكيره بانه في المرة الأخيرة التي فاوضت فيها طهران "استمر الأمر عامين ونصف عام من دون نتيجة", ورغم ذلك "اكد انهم لا يزالون مهتمين بالتفاوض وهم جديون على هذا الصعيد".
تذبذب الموقف الروسي
أقرت روسيا للمرة الأولى بوضوح اليوم الخميس ان طهران تعطي حججا الى الإطراف التي تشتبه في انها تسعى لامتلاك السلاح النووي مشددة موقفها من حليفتها. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اليوم الخميس في مقابلة طويلة مع إذاعة "صدى موسكو"، "نقر بحق إيران في إقامة دورتها النووية الخاصة تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية". وأضاف في المقابلة التي تبث السبت القادم، لكن اوردت نصها وكالات الانباء الروسية "لكن لا يمكن الا ان نأخذ في الاعتبار عوامل مثل عدم وجود جدوى اقتصادية (لتخصيب اليورانيوم على الاراضي الايرانية) وغياب الضرورة العلمية الفعلية وهي مسائل تبقي على الشك في أن هذا البرنامج له جانب عسكري خفي". وانتقلت موسكو من الاطار العام الى كلام ملموس اكثر اليوم الخميس محذرة على ما يبدو طهران من ان صبرها بدأ ينفد حيال التعنت الايراني وانها لن تستطيع ان تبقي على دعمها لها لفترة طويلة. وشددت موسكو في هذا الاطار على تناقض بين تأكيدات ايران ومفادها ان برنامجها النووي هدفه الوحيد توفير الطاقة لسكانها وبين غياب الجدوى الاقتصادية لتخصيب اليورانيوم على اراضيها اذ انه يكلف اكثر مما لو أرادت استيراده. ووضع صورة قاتمة للوضع في ايران وحمل ايضا بشكل مباشر على التصريحات العنيفة الصادرة "باستمرار" عن طهران حيال إسرائيل وهي تحرج الدبلوماسية الروسية. واسف "لكون التصريحات المتواصلة للادارة الايرانية حيال اسرائيل تصب الزيت على النار". وأضاف "كل ذلك يعطي حججا سياسية الى الاطراف التي تعتبر انه لا يمكن الكلام مع ايران الا عبر مجلس الامن" في اشارة الى طلب واشنطن احالة الملف النووي الايراني الى مجلس الامن الدولي. وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الاميركية ان لافروف ابلغ نظيرته الاميركية كوندوليزا رايس ان روسيا لن تعترض على اللجوء إلى مجلس الأمن مع أنها كانت حتى الآن تؤيد ابقاء الملف بين يدي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
عقلانية الرد الإيراني ؟
على الرغم من أن المرشد العام للثورة الإيرانية يحدد الخطوط العامة للسياسية الإيرانية، إلا أنه يرجح أن تكون تجربة حكم الرئيس احمدي نجاد جديدة من نوعها، فهو يتمتع بتفويض جماهيري كبير، بالإضافة إلى دعم أركان الجمهورية الإسلامية له. كما أن إجماع القوى السياسية الإيرانية على حق إيران المشروع في امتلاك التقنية النووية يعطيه مزيداً من الاعتداد بالنفس في ظل الحملة الشعواء التي تشنها الإدارة الأمريكية ضد إيران والتي تذكر بالاتهامات الأمريكية لصدام حسين وما قيل عن امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل. كما يأتي التطور الجديد بعد أن كررت إيران عدم سعيها إلى امتلاك القنبلة الذرية وأشارت إلى أن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لا تحظر تخصيب اليورانيوم. وهنا تظهر عقلانية الرد الإيراني إذ طلبت إيران من الدول الأوروبية بديلاَ مقبولاَ لتخليها عن حق مشروع والذي تمثل في تزويدها بالتكنولوجيا النووية، إلا أن الأوروبيين تلكئوا في الإجابة عن هذا الطلب الإيراني، وهو ما يعطي دليلاً واضحاً للمعايير الأوروبية المزدوجة في التعامل مع الملفات النووية. ففي خضم التهديدات الدولية للنظام الإيراني لا يخطر في بال صانعي السياسية الأوروبية ممارسة الضغط على إسرائيل وحثها على توقيع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية أو تقليص ترسانتها النووية. كما لا يطلب هؤلاء الساسة من الهند وباكستان إخضاع برنامجهما النووي للرقابة الدولية. ومن هذا المنطلق يبقي الإقتراح الجدي والعادل لحل إشكالية الملف النووي الإيراني متمثلاً في تفكيك الترسانة النووية في الشرق الأوسط بكاملها في إطار معاهدة دولية تشرف عليها القوى العظمي وتفرضها على جميع الأطراف، وفقاً لرؤية سبيغينيف بريجسنسكي، مستشار الأمن القومي السابق في إدارة جيمي كارتر الأمريكية.
دويتشه فيله + وكالات